المودّة الزوجية سرّ السعادة

kkkk

الشيخ مقداد الكعبي

إن الغاية من الزواج هي السكن والاستقرار البدني والنفسي للمرأة والرجل، وان المحبة والمودة والألفة عامل أساس في البيت الزوجي بين الزوج والزوجة وفي تحقيق السكن الجسدي والنفسي. وهذا ما اشار اليه قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً..)(الروم/21).
نعم لا بد من وجود المحبة في البيت، لكن السؤال هنا: ما هو مصدر هذه المودة؟ الآية تشير انها جعل من الله تعالى الحكيم وهدية منه تعالى يقذفها في قلب الزوجين، وهذه هي المودة الحقيقية لا المودة الناشئة من علاقات محرمة فهي مودة شيطانية لا رحمانية.

 

تلعب الأخلاق والمحبة في البيت الأسري دور الجاذبية الأرضية، فلولاها لانعدمت الحياة المستقرة وكذلك تشبه المادة الماسكة بين قطع الطابوق فلو انعدمت انحل البناء وتهدم وتحولت الأسرة الى أفراد متناثرة لا رابط بينهم، ويتحول البيت الى قبر مظلم كل فرد فيه يعيش منفردا.
لذا يجب على الزوج والزوجة ان ينميا بذرة المحبة بينهما، وأن يسقياها حتى تنمو ويحافظا عليها فهي سر السعادة والاستقرار الأسري، لكن السؤال: ما هي الأمور التي تساعد على تقوية عرى المحبة بين الزوجين ، وما هي الأمور التي تؤدي الى تبعثر المحبة والقضاء عليها؟ تعال معي عزيزي القارئ نسأل أهل الذكر وهم آل بيت العصمة (عليهم السلام) عن هذين الأمرين وذلك تلبية لقوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) «النحل/43».

أسباب تزيد المحبة بين الزوجين:
من الأمور التي تزيد المحبة في البيت السعيد:
أ. الكلمة الطيبة داخل البيت هي اللغة السائدة في كلمات الزوج والزوجة، فالكلمة الحسنة تحرك كوامن الخير في المقابل(قولوا للناس حسنا) فتثمر المحبة وتنمي المودة، بل تترك أثراً في قلب الزوجة لا يذهب أبدا فقد روي عن النبي الكريم (صلى الله عليه واله) قوله: (قول الرجل للمرأة اني احبك لا يذهب من قلبها أبداً). الكافي: 5/265.
ب. الاكرام والرفق: فعن الإمام زين العابدين(عليه السلام) انه قال في حق الزوجة من رسالة الحقوق الخالدة: (أما حق الزوجة فأن تعلم ان الله عز وجل جعلها لك سكنا وأنسا، فتعلم ان ذلك نعمة من الله تبارك عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها اوجب فإن لها ان ترحمها)البحار: 54/5.
فالإكرام من خلال القول او الفعل والرفق بها له مصاديق كثيرة في الحياة اليومية، منها أن لا ترفع صوتك عليها ولا تستخدم الكلمات الخشنة معها ولا تقاطعها وهي تتكلم، وترفع من شأنها وبخاصة امام الأولاد، وان ترحمها وتقدر عملها وجهودها في البيت بالكلمة الطيبة والثناء الجميل، وكل ذلك ضمن حدود الوسطية بلا افراط أو تفريط فكلاهما مذموم.
ج. المعاشرة الجميلة: فهي تنمي المودة داخل البيت، بل لا بد للزوج منها، فقد روي عن الامام الصادق(عليه السلام) قوله (ان المرء يحتاج في منزله وعياله الى ثلاث خلالٍ يتكلفها وان لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصين)(تحف العقول: 322).
والمعاشرة هي التصرفات اليومية مع الزوجة، وان لم يكن من طبعك أيها الزوج ان تجامل او تستقبل الآخر بوجه طلق فاجعل ذلك من طبعك يكن البيت واحة ومحطة للسكن والهدوء.
د. المحبة وحسن الخلق من الطرفين عامل مساعد في زيادة المودة الاسرية، فعن الإمام الصادق عليه السلام: (لا غنى في الزوج عن ثلاثة أشياء بينه وبين زوجته وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبتها وهواها وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيأة الحسنة في عينها وتوسعته عليها)(بحار الأنوار: 78/237).
إذن، هناك ثلاث وسائل لإحراز الاستقرار الأسري بيّنها الإمام(عليه السلام): التوافق بين الزوجين وهو نابع من احترام كل منهما رأي الآخر وليعلم الزوج أن على الزوجة أن تطيعه في أمرين وهما أخذ الإذن عند الخروج وقضية الفراش، أما بقية وجهات النظر الخاصة بالزوج فلا يجب أن تطيعه فيها، فلا بد من التوافق، وكذلك الأخلاق الحسنة المتبادلة بين الطرفين لا أن تنحصر الأخلاق الطيبة مع الأصدقاء والضيوف وتفقد بين الزوجين، وكذلك المنظر الجميل والهيأة الحسنة عامل أساس في إدامة المودة في البيت وهو امر مطلوب من الزو ج والزوجة على السواء.
نعم ان المنظر الحسن للزوج واهتمامه بهيأته أمر مهم وقد اوصت به روايات أهل بيت العصمة فقد ورد في الكافي عن الحسن بن الجهم: (رأيت أبا الحسن عليه السلام اختضب فقلت: جعلت فداك اختضبت فقال: نعم إن التهيئة مما يزيد في عفة النساء ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التهيئة، ثم قال (عليه السلام): أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة ؟ قلت: لا ، قال: فهو ذاك)(الكافي: 5/567).
نعم قد تترك المرأة العفة أي المحافظة على شرفها وتنحرف لأن الزوج لم يلب حاجتها ولم يملأ عينها بالهيأة الجميلة فكما أن الرجل يرغب ان يرى زوجته على هيأة جميلة كذلك هي.
وأما الأمور التي تقضي على المحبة والمودة في البيت فهي مخالفة ما ورد في هذه الروايات النورانية لأهل بيت العصمة (عليهم السلام) ، فاستخدام الكلمات الخشنة من قبل الطرفين وسوء الخلق وعبوس الوجه وعدم التوافق في كل صغيرة وكبيرة والتقصير في الانفاق من قبل الزوج وعدم الاهتمام بالمنظر الخارجي من قبل الطرفين وإهانة احدهما الآخر وعدم الاحترام المتبادل كل هذه الأمور تقضي على المحبة داخل البيت.
ووصية أخيرة الى الأخت المؤمنة ان تحيط زوجها بالأخلاق الحسنة والكلمة الطيبة، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: (لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه الى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، واظهار العشق له بالخلابة والهيأة الحسنة لها في عينه)(بحار الأنوار: 7/237).
وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): (ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها وتغمه، وسعيدة سعيدة امرأة تُكرم زوجها ولا تؤذيه وتطيعه في جميع أحواله)(البحار:103/353).
إن اتباع منهجية أهل البيت (عليهم السلام) كفيلة بتحقيق السعادة الزوجية وإدامة المودة بين الزوجين ولا سعادة بغير ذلك مهما شرقنا او غربنا.

 

نشرت في الولاية العدد 77

مقالات ذات صله