في التصحيح اللغويّ

_07F8647

   أ.م.د. عصام كاظم الغالبي

تُعد ظاهرةُ اللحنِ من أهمِّ الظواهر الّتي أدَّت إلى نشأة العلوم اللغويَّة، وقد تنبَّه اللغويّون لهذه الظاهرة، فألّفوا منذ القرنِ الثاني الكثيرَ من الكتبِ الّتي تُعنَى باللَحن في اللغة وبيان الصحيح من عدمه.
فجاءت المحاولةُ الأولى على يد عليّ بن حمزة الكسائيّ (189هـ) في كتابه (ما تلحنُ به العامّة)، ثمّ ابن السكّيت المتوفى(244هـ) في كتابه (إصلاح المنطق)، ثمّ ابن قتيبة المتوفى(276هـ) في كتابه (أدب الكاتب)، ثمّ ثعلب المتوفى(291هـ) في كتابه (الفصيح)، ثمّ أبي بكر الزُبيدي المتوفى(379هـ) في كتابه (لحن العوامّ) وغيرهم.

 

ابرز من كتب في التصحيح اللغوي:
وما زال التأليفُ مستمرًّا حتّى يومنا هذا، ولعلَّ أبرز من كتب في التصحيح اللغويّ في العصر الحديث من اللغويّين العراقيّين الأب أنستاس ماري الكرمليّ والمرحوم الدكتور مصطفى جواد في كتابه (قل ولا تقل) وسماحة الشيخ الجليل محمّد جعفر الكرباسيّ في كتابه (نظرات في أخطاء المنشئين) وأستاذي المرحوم الدكتور نعمة رحيم العزّاويّ في كتابَيه (التعبير الصحيح) و(معجم الأوهام والأخطاء في علل الأسماء) وكذلك أستاذي المرحوم الدكتور هاشم طه شلاش الذي وصل به شغفُه بالتصحيح اللغويّ أن جعله مادّةً تُدرَّس في الدراسات العُليا، فقد كان يُدرّس طلبته في الماجستير الأخطاء الصرفيّة الشائعة، ولديه بحثٌ جمع فيه أغلبَ هذه الأخطاء، مرتِّبًا إيّاها على أبواب الصرف المختلفة مُستعينًا في بيان ما يقابلها من الفصيح والأفصح بمعينه الأوّل المُعجم اللغويّ فضلا عن إمكانيّاته في علم الصرف.

تعامل اللغويين مع الاخطاء اللغوية:
واللغويّون ليسوا سواءً في التعامل مع الأخطاء اللغويّة وطريقة معالجتها، فمنهم المُتشدِّدُ الّذي لا يقبل إلاّ بالأفصح من كلام العرب، ومنهم المتساهلُ الّذي يرضى بكثير ممّا جاء على ألسنة المحدَثين وإنْ لم يستعملْه العربُ أو استعملوه ولكن بدلالة تختلف عن دلالته الحاليّة، ومنهم الّذي وقف وسطًا بين هؤلاء وهؤلاء، فلا هو يقبلُ كلَّ ما يُستحدَث من الكلمات أو دلالاتها، ولا هو يرفضُها كلَّها، فلا بأسَ عنده بكثير من الكلمات المُستحدَثة أو دلالاتها ما دامتْ مقيسةً على لغة العرب وأبنية كلماتها.
وسأحاولُ في هذا المقال التنبيهَ على عدد من الأخطاء اللغويّة الّتي يُخطِئ فيها المثقَّفون وكثيرٌ من المتخصّصين في اللغة، وبيانَ السبب في كونها خاطئةً ثمّ ذكرَ الألفاظ الصحيحة الّتي تُقابلها.
ولا أدّعي أنّي أوّل من نبّه على هذه الأخطاء وإنّما أكثرُها موجودٌ في كتب التصحيح اللغويّ، وعددٌ منها أخذتُها من لسانَي أستاذَيَّ مباشرة أو درستُها على أيديهما، ولعلّ القليلَ جدّا منها هو ما اكتشفتُه بنفسي من خلال الاعتماد على القواعد الصرفيّة والرجوع إلى المعجمات اللغويّة.

أخطاء لغوية شائعة:
– يقولون: (رجال أكِفّاء)، و(أساتذة أكفّاء)، يريدون جمعَ (كُفْء)، والصحيح : (رجال أكْفِياء)، و(أساتذة أكْفياء)؛ لأنَّها جمعُ كثرة لـ(كفيّ) أي ذي كفاية، كما يقال أولياء في جمع وليّ وأنبياء في جمع نبيّ.
أمّا (أكِفّاء) فهي جمعُ (كفيف) وهو الأعمى، ومثلُه طبيب وأطبّاء وعزيز وأعزّاء وشديد وأشدّاء وغيرها، وثمة جمع ثالث وهو (أكْفاء) جمع كفء أي النظير.
– يقولون: (الإعدادية المِهَنيّة) و(العمل المِهَنيّ)، والصحيح : (الإعداديّة المِهْنِيّة) و(العمل المِهْنِيّ)؛ لأنَّها نسبةٌ إلى المِهْنة بسكون الهاء، فلا داعي لفتحها في الاسم المنسوب.
وقد يقول قائلٌ : إنّها نسبةٌ إلى المِهَن جمع مِهْنة، وأقول: إذا أردنا النسبةَ إلى الجمع وجبَ إرجاعُه إلى المفرد ثمّ النسبة إليه.
– يقولون : (الأعمال الخَدَميّة) و(المؤسّسات الخَدَميّة) و(الوزارات الخَدَميّة)، كلّ ذلك بفتح الخاء والدال، والصحيح: (الخِدْميّة) بكسر الخاء وسكون الدال في جميع ما سبق؛ لأنّها نسبةٌ إلى الخِدْمة، وهي مكسورةُ الخاء ساكنةُ الدال.
– يقولون : (حَلَوِيّات) بفتح الحاء واللام وكسر الواو وتضعيف الياء، والصحيحُ : (حَلْوَيات) بفتح الحاء والواو وسكون اللام وتخفيف الياء؛ لأنّها نسبةٌ إلى الحلوى، وهو اسم مقصورٌ ألفُه رابعة، وعند جمعه تُقلَبُ ألفُه ياءً، ثم يُزاد عليه الألفُ والتاء، فيصير (حَلْوَيَات)، أمّا حَلَوِيّات فكأنّها جمعٌ لـ(حلويَّة) إن وُجِدَتْ.
– يقولون : (وَفِيّات) جمعًا لـ(وفاة)، والصحيح: (وَفَيَات) بتخفيف الياء وفتح الفاء؛ لأنَّ (وفاة) اسمٌ مقصورٌ ألفُه ثالثةٌ، وحين يُجمَعُ تُرَدُّ ألفُه إلى أصلِها وهو الياءُ، ثمّ يُزادُ عليها الألفُ والتاءُ فتصبح(وَفَيَات)، إلاّ أنَّهم يُخطِئون في جمعها فيقولون: (وَفِيّات)، فيُضعِّفون الياءَ ويكسرون الفاءَ فكأنَّها جمعٌ لـ(وفيّة).
– يقولون: (هذا الرجلُ حَوْزَوِيٌّ) و(العلوم الحَوْزَوِيَّة)، والصحيحُ : (هذا الرجلُ حَوْزِيّ) و(العلوم الحَوْزِيّة) بحذف الواو الثانية؛ لأنّها نسبةٌ إلى (الحوزة) ، وهي اسمٌ مختومٌ بتاء تأنيث، وهذه التاءُ تُحذَف عند النسب، فوجب أن يُقالَ: (حوزِيّ) كما قيل في (كوفة) : (كوفِيّ) وفي (بصرة): (بصريّ)، إلاّ أنّ الناسَ يُخطئون فيأتون بواو ثانية غير موجودة في المنسوب إليه فيقولون: (حَوزَوِيّ) كأنّها نسبةٌ إلى الحوزى بالألف المقصورة.
– يقولون: (الأمر الرئيسِيّ) و(المسألة الرئيسيّة)، والصحيح: (الأمر الرئيس) و(المسألة الرئيسة) بلا ياء نسبة؛ لأنّك تريد الوصفَ، والرئيسُ صفةٌ فلا تحتاج إلى النسبة إليها؛ لأنّ الغرض من النسبة هو التحويل إلى الصفة، والرئيسُ صفةٌ أساسًا.
– يقولون: (أفسحَ فلانٌ المجالَ لغيرِه في الكلام) و(يجبُ إفساحُ المجال)، والصحيح : (فسحَ فلانٌ المجالَ)، و(يجبُ فسحُ المجال)؛ لأنّ (فسحَ) فعلٌ مُتعدٍّ بنفسه، ولا يحتاج إلى همزة التعدية، وكذلك مصدرُه (فَسْح).
– يقولون : (أدانتْه المحكمةُ)، والصحيح: (دانتْهُ المحكمةُ) بلا همزة؛ لأنَّ (أدان) بمعنى: باع بدينٍ، أو صارَ له على الناس دينٌ.
– يقولون : (أعاقه المرضُ عن المجيء) و(حدثت له إعاقةٌ في بدنِهِ)، والصحيح : (عاقه المرضُ عن المجيء) و(حدث له عَوق في بدنِهِ)؛ لأنَّ الفعل (أعاق) غيرُ موجودٍ في العربيّة، وكذلك مصدرُه (الإعاقة).

نشرت في الولاية العدد 78

مقالات ذات صله