مفهوم الإحسان في القرآن الكريم

maxresdefault

الشيخ كاظم الصالحي

الحسن: كلّ مبهج مرغوب فيه، فمنه الحسنة وهي كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان، والحسن متعارف عليه في المستحسن بالبصر، فيقال رجل حسن وامرأة حسناء، وأكثر ما جاء في القرآن من جهة البصيرة كقوله تعالى: (الذينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي الأبعد عن الشبهة. والإحسان يقال على وجهين: أحدهما الإنعام على الآخرين، والثاني إحسان في فعله، وذلك إذا تعلّم علما حسنا او عمل حسنا، وفي هذا روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: (الناس أبناء ما يحسنون).

 

الإحسان فوق العدل اذ قال تعالى: (إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) فالعدل هو أن يعطي الإنسان ما عليه ويأخذ ماله، والإحسان: ان يعطي أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له، وقد استخدم القرآن الكريم لفظ الإحسان في ثلاثة معان: العمل الحسن والإحسان إلى الآخرين والأداء الحسن للعمل.
الإيمان والتقوى والإحسان:
فالعمل الحسن غالبا ما تصف الآيات صاحبه بـ(المحسن)، وفي آيات يعد الإيمان والعمل الصالح إحسانا وذلك في العلاقة مع الله تعالى كالإيمان بالله تعالى وبآياته، قال تعالى عن بعض النصارى: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)(المائدة/83ـ 85).
والمتقون المستغفرون لله في الأسحار الذين يعينون المحتاجين يعدون محسنين أيضا، قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(الذاريات/15 ـ 19)، كما أن الانتهاء عن الفساد والدعاء إلى الله مقرونا بالخوف والرجاء يعد إحسانا، قال تعالى: (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)(الأعراف/56).
ومن الجدير بالذكر ان القرآن الكريم يرى ان كل عمل حسن يصدر من الانسان هو في الحقيقة إحسان إلى نفسه، إذ قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا..)(الإسراء/7)
المجاهدون من مصاديق المحسنين:
ومن مصاديق الإحسان في القرآن الكريم ما نجده في الآيات التي تتحدث عن علاقة الإنسان بالدين والنبي(صلى الله عليه واله)، إذ تعد من يبلغ العقائد الحقة والقيم التوحيدية ويدعو الى مقاومة الأعداء ويتحمل الشدائد والأذى في سبيل ذلك داخلاً في دائرة الإحسان، قال تعالى: (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ* أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ* الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ* إِلَّا عِبَادَ الله الْمُخْلَصِينَ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ* إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(الصافات/124 ـ131)، ويشمل الإحسان أيضا اولئك المؤمنين الناصحين الذين أرادوا الجهاد ولكن المرض أو شحّة المال منعهم من ذلك، قال تعالى: (ليْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ والله غَفُورٌ رحِيمٌ)(التوبة/91). والمحسن بصورة عامة هو كل من يجاهد مخلصا لله ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت/69).
التعامل الحسن من مصاديق الإحسان:
ويدخل في الإحسان علاقة الإنسان الحسنة مع الآخرين، كالتعامل الحسن مع الزوجة المطلّقة عند الرجوع اليها أو حين تسريحها باحسان حتى تنقضي عدتها، فقال تعالى: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)(البقرة/229). وكذا التصالح والتنازل عن بعض الحقوق صيانة للحياة الزوجية ورفع الاختلاف، قال تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)(النساء/128)، ومنح المال للزوجة المطلقة غير المدخول بها قبل تعيين المهر، فقال تعالى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ)(البقرة/236)، وكذا الإنفاق في الغنى والفقر والعفو عن الناس وكظم الغيط، قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ والله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران/133-134) فضلا عن رعاية الوالدين والعجزة وكبار السن، قال تعالى عن إخوة النبي يوسف(عليه السلام): (قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)(يوسف/78).
إحسان الله تعالى لعباده:
أما في العلاقة بين الله تعالى والإنسان فيتمثل ذلك في الإحسان الإلهي للإنسان في الدنيا والآخرة، فالنبي يوسف(عليه السلام) بين ان الله عز وجل أحسن إليه حينما حرره من السجن وجاء بأهله إذ قال: (يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(يوسف/100).
والرزق والخلود في الجنة الذي يحظى به أهل الإيمان يعد من الإحسان إلالهي عليهم، قال تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقًا)(الطلاق/11).
ويرى القرآن الكريم ان من احسان الله على عباده خلقه اياهم على احسن صورة، قال تعالى: (الذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ)(السجدة/7) وقوله تعالى: (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ)(غافر/64) وقال تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون/14).

 

نشرت في الولاية العدد 79

 

 

مقالات ذات صله