أم البنين(ع) عنوان الوفاء

11674.060310020639t53027i551pmehzz2__1_

طالب شبر 

تميز الدين الإسلامي خلال تاريخه المشرّف بشخصيات نسوية عظيمة، خلُدن على صفحات التضحية والثبات على الفضيلة، إذ وقفن مواقف مشهودة جسّدت الوجه المشرق للتعاليم السماوية السمحة.
ومن اشهر تلكم النساء الخالدات: فاطمة بنت حزام الكلابية(عليها السلام) الملقبة بأم البنين، التي كانت لها مواقف مشرفة مع حجج الله، بعد ان نهلت معاني الحياة الحقيقية وصيّرتها بالعمل، فكانت بنفسها مصداقا للتضحية والفداء في سبيل المبدأ.

 

أم البنين هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة – أخو لبيد الشاعر- ابن عامر بن كلاب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأمها ثمامة بنت السهيل بن عامر بن مالك، وهو ابن أبي برة عامر، من فرسان العرب وشجعانهم، يقال له ملاعب الأسنة لشجاعته.
آباؤها وأجدادها فرسان العرب قبل الإسلام، ولهم في ذلك الزمان مواقف بطولية، الى جانب فاضل السجايا وطيب المنبت ورزانة العقل، وقد عبّر نسابة العرب عقيل بن أبي طالب عن حقيقة ذلك بقوله لأخيه الإمام علي(عليه السلام): (ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس) .

النشأة والمنزلة:
تربت السيدة أم البنين بين أحضان أسرة عريقة، ذاع صيتها بالشرف والمآثر الكريمة والخصال الحميدة التي تفتخر بها العرب، كالجود والكرم والشجاعة، ولاعجب أن تنشأ أم البنين سيدة في قومها: فصيحة، فاضلة، مجبولة على الإيمان، تقية ورعة عفيفة النفس، عارفة بفضل ذوي الفضل(عليهم السلام)، فأخلصت الولاء لهم، وتجلى ذلك واضحا في حسن تبعـّلها لسيدها أمير المؤمنين(عليه السلام) وتفانيها في خدمة أبناء فاطمة الزهراء(عليها السلام) ففضلتهم على نفسها وأولادها، وصبرها على شهادة كل أولادها دفاعا عن الإمام الحسين(عليه السلام) خير شاهد على ذلك.

أبناء أم البنين(عليها السلام):
روي ان أمير المؤمنين(عليه السلام) قال لأخيه عقيل: (ابغني امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا…).
وهذا الحديث فيه دلالة على ان أمير المؤمنين(عليه السلام) كان ينظر الى نصرة ولده سيد الشهداء (عليه السلام)، ويستهدف لذلك رجالا أكفاء يحملون هذه المهمة الجسيمة، ولم يكن هنالك من حضن طاهر يحقق له ما أراد سوى أم البنين(عليها السلام)، التي ولدت له أربعة أبطال أشدّاء، جمعوا الإيمان واليقين مع الشجاعة والسؤدد، وهم: العباس وعبد الله وعثمان وجعفر(عليهم السلام)وجميعهم استشهدوا بين يدي أبي عبد الله(عليه السلام) في كربلاء.
ولدت أم البنين(عليها السلام) ابنها الأكبر العباس(عليه السلام) سنة 26هـ وكان يلقب بقمر بني هاشم ويكنّى بأبي الفضل، وقد روي في عظيم فضله عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أبي عبد الله(عليه السلام) وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا).
وولد عبد الله بعد أخيه العباس بنحو ثماني أو تسع سنين، وكان عمره يوم الطف خمسا وعشرين سنة، وقد جاء في الزيارة المرويّة عن الإمام الحجة(عليه السلام) قوله: (السلام على عبد الله ابن أمير المؤمنين، مبلي البلاء والمنادي بالولاء في عرصة كربلاء والمضروب مقبلا ومدبرا، لعن الله قاتله هانئ بن ثبيت الحضرمي).
اما عثمان فقد استشهد يوم الطف وعمره 21 سنة، وورد انه كان سمي الصحابي الجليل عثمان بن مظعون.
أما جعفر – ويلقب بجعفر الأكبر- فقد استشهد في معركة الطف وعمره 19 سنة، وقد تجلى بلاؤه العظيم في المعركة في قول الإمام الحجة(عليه السلام): (السلام على جعفر بن أمير المؤمنين الصابر بنفسه محتسبا، والنائي عن الأوطان مغتربا، المستسلم للقتال، المستقدم للنزال، المكثور بالرجال).

أم البنين ومصاب الحسين(عليه السلام)
نصبت أم البنين(عليها السلام) مأتما لمصاب كربلاء في قلبها، لا تهدأ فورته، ولا تسكن نائحته، وصارت تحيي الليل والنهار بالنحيب والبكاء على ريحانة رسول الله(صلى الله عليه واله).
روي عن الإمام الباقر(عليه السلام) قوله: (..كانت أم البنين أم هؤلاء الأربعة الاخوة القتلى، تخرج إلى البقيع فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي).
ولقد حزنت أم البنين(عليها السلام) على مصاب الإمام الحسين(عليه السلام) أشد من حزنها على مصاب أبنائها الاربعة، حتى روي ان ناعي الحسين(عليه السلام) كلما نعى اليها أحدا من أولادها الاربعة قالت له(ما معناه): اخبرني عن الحسين، فلما نعى اليها الحسين قالت: قد قطعت أنياط قلبي، أولادي كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين(عليه السلام).

الى جوار ربها:
بعد ان مرت أم البنين(عليها السلام) بحياة مليئة بالجهاد والتضحية، شهدت خلالها الكثير من الظلم الذي وقع على زوجها أمير المؤمنين(عليه السلام) وتآمر الأمة على ولديه(عليهما السلام)، وفقد فلذات كبدها(عليهم السلام)، خلدت(عليها السلام) الى اللوعة والأسى، وشاركت عقيلة الهاشميين زينب(عليها السلام) حزنها، حتى اشتاقت الى لقاء ربها والاجتماع برسوله ووصيه وأولادها.. ففاضت نفسها الزكية لتحتضنها العترة المحمدية في الثالث عشر من شهر جمادى الاخرة سنة 64هـ، وقد دفنت في بقيع الغرقد، مثوى الصالحين الأوائل.

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله