اسباب هلاك الامم في فكر الامام علي(ع)

 

KKKA

عهود فاهم

اختلفت الآراء والنظريات في أسباب نهضة الأمم أو هلاكها، وكانت تلك الآراء تصدق على أمة دون أخرى، وتختلف من دولة إلى أخرى، وكان من أبرز هذه الآراء أن شبه بعضهم الأمة بالكائن الحي، الذي يولد ضعيفا ثم ينمو تدريجياً ليكون في أوج قوته، ثم يعود به الحال إلى الضعف والهلاك.
وأما سيد البلغاء أمير المؤمنين(عليه السلام) فإن نظريته وفلسفته في هذا المجال تختلف عن ذلك، فهي نابعة من النظرية الربانية، وهذا هو سر عظمتها واستمرار عطائها، إذ كانت وما زالت حية متفاعلة مع ظروف الأمم المختلفة.

 

والأمة لو أخذت بتلك السنن الفريدة والحكم البليغة لما تسلط عليها الطغاة ولا سيطر عليها الأوغاد ولما وصلت إلى ما نراه اليوم من التفرقة والعنصرية، إذ تحالف الأعداء عليها واجتمعوا على نهب ثرواتها وتسخير ضعاف النفوس فيها عبيدا لمصالحهم، وبخاصة في هذا الزمن.
فما أحوج الأمة للأخذ بتلك النصائح الحكيمة لمواجهة المخاطر والتحديات الكبيرة وما يتوجب على أتباع أهل البيت (عليهم السلام) من عدم التفريط بجواهر تلك الدرر العلوية السديدة وتثقيف الأمم على فهمها ودراستها بشكل جيد وعدم السماح للأعداء بتحريفها، لأنهم لو اقتدوا بها لكانوا شعوباً حرة فتكون الشورى قانونها والدفاع عن المصالح هدفها، ولما كانوا الأكثر تضررا بسبب تضييعها، فمنذ ذلك الحين الى الآن تحوشهم مطامع الأعداء من كل جانب ومكان فتزرع التفرقة فيهم.

إنقاذ الأمة في أحلك الظروف:
لقد عايش الإمام علي(عليه السلام) التجربة الإسلامية، وأسهم فيها بشكل فعال على الرغم مما شهدته من انقلابات وفتن، إذ أصبح الخليفة الشرعي في أحرج ظرف واخطر مدة مرت بها الدولة الإسلامية.
فلقد تصدى(عليه السلام) لإنقاذ الأمة بكل ما عرف عنه من سعة في العلم وصلابة في الدين وسمو في الروح الإنسانية، فكان كمنجم غني بالأسس العلمية والأحكام والقواعد وعمق الخبرات، فبيّن للناس علما وعملا أسباب انهيار الأمم وانطفاء شرارة عطائها وانهيار أنظمتها، ومن جانب اخر بيّن أسباب تماسكها ونجاحها.
وفي هذا السياق نبّه(عليه السلام) الى قواعد أساسية في بناء الأمم ونهضتها أو في تدهورها، منها أن الأمم عندما تخادع نفسها وتبتعد عن مبادئها ولا ترتكز إلى أساس قويم فإنها لا محالة ستتهاوى.
وفي هذا الصدد يؤكد الإمام(عليه السلام) مخاطبا الأمة: (وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون، وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون، وكانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع، فمكنتم الظلمة من منزلتكم وألقيتم إليهم أزمتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات وأيم الله لو فرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم).
ويؤكد الإمام علي(عليه السلام) أن من أسباب انهيار الأمم منع الحق والاقتداء بسلوك أهل الباطل فيقول: (أما بعد فإنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الناس الحق فاشتروه وأخذوهم بالباطل فاقتدوه).

تحرير ارادة الامة من التبعية:
وكان(عليه السلام) يؤكد دائماً على تحرير الإرادة وعتقها من التبعية ودائماً يرفع عقيرة النكير على الأمة لعدم نصرتها للحق وتخليها عن مساندة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكان (عليه السلام) يبين أن مثل هذه الأمم يكون الانحطاط والتردي نصيبها قائلا: ( أيها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم لكنكم تهتم متاه بني إسرائيل ولعمري ليضاعفن لكم التيه من بعدي أضعافا بما خلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الأدنى ووصلتم الأبعد واعلموا أنكم إن اتبعتم الداعي لكم سلك بكم منهاج الرسول وكفيتم مؤونة الاعتساف ونبذتم الثقل الفادح من الأعناق )، هذا وان غفلة الأمة وعدم تنبهها للمخاطر المحيطة بها ولتبدل المفاهيم وعدم أخذ الاهبة لها مما ينذر بالعد التنازلي لتقهقرها، إذ نرى ذلك في إنذاره لها قائلا: (أيها الناس إنا قد أصبحنا في دهر عنود وزمن كنود يعد فيه المحسن مسيئا ويزداد الظالم فيه عتوا لا ننتفع بما علمنا ولا نسأل عما جهلنا ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا).

الفجور من عوامل هلاك الأمم:
ويشير الإمام علي(عليه السلام) إلى ان من عوامل هلاك الأمم إسراف أفرادها في الفجور، إذ كل يعمل على هواه فليس لديهم معيار للحق والباطل فالله يمهل ولا يهمل : (فإن الله لم يقصم جبّاري دهر قط إلا بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر عظم أحد من الأمم إلا بعد أزل وبلاء، وفي دون ما استقبلتم من عتب وما استدبرتم من خطب معتبر وما كل ذي قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ناظر ببصير فيا عجبا ! ومالي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها؟! لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم وتعويلهم في المهمات على آرائهم كأن كل امرئ منهم إمام نفسه قد اخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات) .

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله