تأملاتٌ في مختارات من نهج البلاغة

254789_9

عبد الرحمن الشريفي

قال أمير المؤمنين (سلام الله عليه): «كم مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه ومفتون بحسن القول فيه، وما ابتلى الله احدا بمثل الإملاء له».
فالله سبحانه وتعالى جعل الإنسان يحيا بواقع مجال قدراته التي وهبها له ليؤدي مهمته العبادية التي خلق من اجلها في شتى مناحي الحياة ولكن قد يحدث للكثير من الناس خروج عن هدى الله وقدره جراء مبانٍ فكرية خاطئة تأخذ من الدنيا تصوراتها واوهامها، ليصل بهم الأمر الى انهم في منعة وقوة ومأمن من مصير عواقبهم متناسين قدرة الله ومتابعة نعمه عليهم حتى أضحى مصيرهم اليأس ومن هؤلاء المستدرج الذي قال الإمام (سلام الله عليه) فيه: (كم مستدرج بالإحسان اليه) الكثير من الناس يغدق الله عليهم ضروبا من النعم فكلما قاموا بخطيئة جدد الله لهم نعمه حتى يعتريهم نسيان الله وقدرته على تغيير أحوالهم فتحدث المباغتة لهم من الله على حين غرة ومصداق ذلك قوله تعالى (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ){الأعراف/182}.
وكذلك المغرور الذي قال الإمام (عليه السلام) فيه: (ومغرور بالستر عليه) المغرور أي المخدوع بنفسه الذي يبالغ في قيمة نفسه وهذا الغرور متأت من تتابع ستر الله عليه وعدم فضحه بين الناس حتى يطمئن ويشعر بالأمان فينهمك في المعاصي غير مكترث بعواقبها حتى يفاجئه الله بمكره وهو عالق بشبكة فضيحته.
وكذلك المفتون الذي قال الإمام فيه: (ومفتون بحسن القول فيه) والمفتون هو المعجب بنفسه الذي افتتن بمدح الناس له فاستهواه ذلك وأعجبه حتى تعلق برذيلة العجب بنفسه فانصرف عن شكر الله تعالى ونساه حتى يلاقي مأساة مصيره ليرى ان إعجابه بنفسه كان وهما .
وكذلك الذي أملى الله عليه في قوله (عليه السلام): (ما ابتلى الله أحدا بمثل الإملاء له) الإملاء بمعنى الإمهال وتأخير مدته لأجل سريان النعم عليه والإملاء من اشد الابتلاءات عقوبة فإن هذا الإمهال والتأخير وترك المعاجلة بالعقوبة لزيادة الإثم وشدة العقاب، ومصداق ذلك قوله تعالى: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ){آل عمران/178}

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله