اختيار الزوجة بين السعادة والشقاء

fga

م.م. عقيل رشيد الأسدي

اختلفت الأمم والشعوب في معايير اختيار الزوجة، وهذا الاختلاف يحصل حتى بين أفراد المجتمع الواحد من حيث الطبقة الاجتماعية والصفات التي يرغب بها الشريك في شريكه طبقاً لمتغيرات التعليم والثقافة .
لذلك نجد أن بعضهم ما زال يعتمد على النمط القديم في اختيار الزوجة، وبعضهم يأخذ بما يتفق مع ثقافة الحياة المعاصرة، والآخر يجمع بين الأصالة والحداثة.
وهنالك مسألة أخرى لا تقلّ أهمية عن هذا الاختيار هي « من الذي يقوم بالاختيار؟» أهي الأسرة أم الشاب نفسه؟ أم القضية مشتركة بين الشاب وأسرته؟

 

الأسرة هي اللبنة الأساس:
مما لاشك فيه ان الإسلام اهتم كثيرا ببناء الأسرة لكونها المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل لدخوله في الحياة الاجتماعية ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً فيها، فهي نقطة البدء المؤثرة في كلِّ مراحل الحياة إيجابا وسلباً، وقد دعا الإسلام إلى المحافظة على كيانها والنأي بأعضائها عن عناصر التهديم والتدمير والاضطراب في العلاقات التي تؤدي إلى ضياع الأطفال.
وجاءت تعليماته وإرشاداته لتخلق المحيط الصالح ـ أو ما يسمى في علم النفس بالظرف الموضوعي ـ لنمو الطفل جسدياً وفكرياً وعاطفياً وسلوكياً، ولهذا ابتدأ المنهج الإسلامي بوضع ضوابط لاختيار الزوجة بوصفها الركيزة الأساسية في الأسرة، قال تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ) النور/32، فالله سبحانه وتعالى اشترط في النكاح الصلاح؛ لأنه مدعاة لبناء أسرة صالحة فإذا كان الاختيار حسناً كان البناء العام للأسرة مستقيما متماسكا.
ولقد أثبت علماء النفس والاجتماع أن المرأة الكريمة والمهذبة هي المسؤولة عن تهيئة الجو النفسي والأخلاقي في تنشئة الطفل تنشئة سليمة ومتوازنة، وهي التي تبني شخصيته واتجاهاته وعاداته وأخلاقه، وهي التي تسمو به نحو صنع المستقبل، ولهذا نجد أن النبي محمداً(صلى الله عليه وآله) يحذر من اختيار الزوجة التي تنتمي إلى أسر منحطّة مهما كانت جميلة فيقول: (إياكم وخضراء الدمن) فقيل له: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: (المرأة الحسناء في منبت السوء) الكافي 5/322 .
وفي حديث آخر قال(صلى الله عليه وآله) : (تزوجوا في الحجر الصالح فإن العرق دساس)(ميزان الحكمة2/1184) وقد أورد النبي(صلى الله عليه وآله) كلمة العرق في حديثه قاصدا (الجين) أو المورثات التي تكمن في الخلايا إذ أشار إليها علماء الحياة حين قالوا بتأثيرها في الصفات والعادات التي يتمتع بها المولود، وهي التي تكون على شكل سلاسل مزدوجة من المورثات غير المنظورة بالعين المجردة تهجع في الخلايا حاملة الصفات المنتقلة من جيل إلى جيل. أي إنها تحمل الصفات الجيدة وغير الجيدة.
وبيّن(صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث مبتدئاً بالحجر أي الحضن والمنبت والمقصود به الأسرة التي نشأ بها وترعرع، والتي يصلح الفرد بصلاحها. وأكّدت الروايات أن يكون التديّن مقياساً لاختيار الزوجة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشجع على ذلك، فقد أتاه رجل يستأمره في النكاح فقال(صلى الله عليه وآله) له: (انكح وعليك بذات الدين تربت يداك)(وسائل الشيعة 20/50)، وقدّم الإمام الصادق(عليه السلام) اختيار التديّن على المال والجمال فقال: (إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكل إلى ذلك، وإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال)(الكافي5/323).
فالدين هو العنصر الأساس في اختيار الزوجة، ذلك أن الزوجة سكن لزوجها وحرث لهُ وهي مهوى فؤاده وربَّة بيته وأم أولاده، عنها يأخذون صفاتهم وطباعهم فإن لم تكن على قدر عظيم من التديّن والخلق فشل الزوج في تكوين أسرة مسلمة صالحة.

الجمال الحقيقي في صفات الزوجة الصالحة:
إذا كانت الزوجة ذات خلقٍ ودين كانت أمينةً على زوجها في ماله وعرضه وشرفه، عفيفة في نفسها ولسانها، حسنة لعشرة زوجها، ضمنت لهُ سعادتهُ وللأولاد تربية فاضلة وللأسرة شرفها وسمعتها، فاللائق بذي المروءة والرأي أن يجعل ذوات الدين مطمح النظر، لأن جمال الخُلُقِ أبقى من جمال الخَلْق، وغنى النفس أولى من غنى المال.
فذات الدين تعينهُ على طاعة الله وتصلح من يتربى على يدها من الأولاد، وتحفظهُ وتحفظ ماله وبيته في غيبته، بخلاف غير المتدينة فإنها قد تضره في المستقبل.
ومن هنا فضّل الإسلام صاحبة الدين على غيرها. أما إذا كانت الزوجة منحرفة فإن ذلك يؤثر سلبياً في سلامة الأطفال السلوكية، لانعكاس سلوكها عليهم وعدم حرصها على تربيتهم، فضلا عن المشاكل التي تخلقها مع الزوج والتي تساعد على إشاعة الاضطراب والقلق النفسي في أجواءالأسرة، وتجعل الحياة العائلية بعيدة عن الاطمئنان والاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الأطفال في نموّهم الجسدي والنفسي والروحي.
لذلك نجد أن الإمام الصادق(عليه السلام) جعل اختيار الزوجة الصالحة حقا للولد على أبيه، فإذا أحسن الرجل اختيار الزوجة على وفق معايير الشرع الحنيف فقد أحسن إلى ولده بحسن اختياره أمه إذ قال: (وتجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته وتحسين اسمه والمبالغة في تأديبه)(تحف العقول :328).
وقد حذّر الإمام علي(عليه السلام) من تزوّج الحمقاء، لامكانية انتقال هذهِ الصفة إلى الطفل، ولعدم قدرتها على تربية الطفل تربية سويّة فقال: (إياكم وتزويج الحمقاء فإنّ صحبتها بلاء وولدها ضياع)(الكافي5/354) وعن الإمام الباقر(عليه السلام) حين سأله بعض أصحابه عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء: أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة ؟ فقال: (لا، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها)(وسائل الشيعة5/10) فالإمام (عليه السلام) يخشى من انتقال الصفات السلبية إلى الأبناء، ومن جانب آخر إن المرأة المجنونة لا تتمتع بحالة صحية تهيئ المناخ المناسب للطفل في أثناء الحمل أو بعد الإنجاب مما ينعكس على تربية الطفل وبناء شخصيته فيعود الضرر على المجتمع.

القناعة ومسؤولية الاختيار:
أما ما يتعلق بمسألة من يقوم باختيار الزوجة فالواقع أن بعض الأسر هي التي تختار لأبنائها بغض النظر عن مدى قناعتهم بدواعي القربى أو النسب أو المال أو غير ذلك، وهذا أمر في غاية الخطورة، لأن عدم قناعة الشاب بشريكة حياته يهدد العلاقة الزوجية ويجعلها في حالة من الاضطراب، فسرعان ما يفشل زواجهما ويعود بالضرر على الزوجين والأطفال، والشواهد على ذلك كثيرة، فهنالك كثير من الأسر تفككت لهذا السبب.
ولا يُفهم من ذلك أننا نترك الحبل على غاربه لشبابنا في أن يختاروا لأنفسهم أزواجا من دون رضا الوالدين وقناعاتهم، بل يجب أن تكون هنالك حالة من التوازن بين قناعة الشاب وقناعة الوالدين باعتبار أن الآباء أكثر خبرة ودراية من حيث معرفة الأسر وأنسابها وطباعها، وهكذا زواج مبني على مشورة الحريص الناصح يكون في الغالب موفقا.
ونخلص مما تقدم أن الإسلام شدّد على اختيار الزوجة الصالحة لتكوين أسرة قوية متماسكة مبنية على أسس صحيحة باعتبار أن اختيار الزوجة الصالحة يكون مقدمة لتربية أبناء صالحين وصلاح الأسرة هو صلاح المجتمع بأسره، فيجب على الشاب أن يدقق في اختياره شريكة حياته وأن لا يكون معياره في الاختيار الجمال أو الحسب أو المال فقط، بل أن يكون الدين هو المعيار الحقيقي للزواج الناجح.

 

نشرت في الولاية العدد 80

مقالات ذات صله