علي صالح المؤمنين

fsd

حسن عبد الأمير الظالمي

الصالح هو من حُكم له بالصلاح، ولا يكون الإنسان كذلك إلا إذا كان جامعا للكمالات المعنوية التي هي جامعة الكمالات الإسلامية، فمن كان كذلك في الدنيا يلزم أن يكون في الآخرة من الصالحين, فالحكمان متلازمان (مواهب الرحمن، السبزواري: 2/54)

 

ان للصلاح والعمل الصالح شأناً كبيراً في القرآن والسنة، بل في حكم العقل والمجتمع الإنساني، والمذكور من الآثار المترتبة على هذا الحال ما ورد في قوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) «غافر/40».
وان الانسان الذي يكون من اهل صالح الأعمال يرقى الى مصاف الأنبياء والصديقين والشهداء، وقد قال تعالى: (وَمَن يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) «النساء/69»، والاجتباء قوله تعالى: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) «القلم/50».

الصلاح في الآخرة:
وقد خص الله سبحانه الصلاح في الآخرة مع انه معدود من صفات الدنيا (لأن في الآخرة يظهر صلاح الصالحين فيرى الناس بأعينهم ما كانوا يسمعونه في الدنيا)(مواهب الرحمن: 2/54).

صفات الصالحين:
لقد أفاضت الآيات الكريمة في وصف الصالحين وأعلت شأنهم وأشارت اليهم بنعوت مهمة يتصفون بها، أولها بحسب ورودها في القرآن الكريم: انهم يؤمنون بالله واليوم الآخر، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات قال سبحانه: (يُؤْمِنُونَ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) «آل عمران/114».
وثانيها: القنوت لله والحنيفية في عبادته وعدم الشرك به والشكر لنعمته، قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) «النحل/120 ـ 122».
وثالثها: ان يعملوا صالحا يرضاه الله، قال تعالى: (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) «النمل/19».
ورابعها: التصدق، فقد قال سبحانه: (لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) «التوبة/75».
وقد جعل الله سبحانه للصالحين من عباده الدرجات الرفيعة والمنزلة العالية سواء كانت هذه الدرجات في الدنيا ام ما يلازمها في الآخرة.

الأنبياء يطلبون درجة الصالحين:
مع الصفات العظيمة التي ذكرها الله سبحانه للأنبياء والأولياء، إلا اننا نجد أن بعضهم يطلب من الله سبحانه أن يجعله مع الصالحين أو يلحقه بهم، ومن ذلك نذكر الآتي:
1. قال سبحانه على لسان ابراهيم (عليه السلام): (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) «الشعراء/83».
2. وقال على لسان يوسف (عليه السلام): (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) «يوسف/101».
3. وقال تعالى على لسان سليمان (عليه السلام): (وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) «النمل/19».
4. وقال تعالى على لسان بعض اوليائه (وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بالله وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) «المائدة/84».
فمن هؤلاء الذين يطلب الأنبياء والأولياء من ربهم ان يدخلهم معهم برحمته او يلحقهم بهم بلطفه.

علي(عليه السلام) صالح المؤمنين:
لقد جاء في الآية الرابعة من سورة التحريم قوله تعالى: (إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
والآية تتحدث عن افشاء امرأتين من نساء النبي(صلى الله عليه وآله) سرا كان قد أسرّه الى احداهما، وتدعوهما الى التوبة عما بدر منهما من ذنب.
يقول السيد الطباطبائي في بيان الآية: (اتفق النقل على انهما عائشة وحفصة زوجا رسول الله(صلى الله عليه وآله) والصغو: الميل، والمراد به الميل الى الباطل والخروج عن الاستقامة، وقد كان ما كان من ايذائه والتظاهر عليه، والتظاهر هو التعاون، وضمير الفصل في (هو مولاه) للدلالة على ان الله سبحانه له عناية خاصة به(صلى الله عليه وآله) ويتولى أمره من غير واسطة من خلقه، والمولى: هو الولي الذي يتولى امره) 16/295.
وفي بيان من هو صالح المؤمنين في الآية الشريفة يقول أبو بصير: (سمعت ابا جعفر الباقر عليه السلام يقول: صالح المؤمنين علي) ن.م/19/301. ويقول السيد الطباطبائي: ذكر صاحب البرهان بعد ايراد رواية ابي بصير ان محمد بن العباس اورد في هذا المعنى اثنين وخمسين حديثا من طرق الخاصة والعامة ثم اورد نبذاً منها. ن.م/19/301.
فصالح المؤمنين هي الدرجة العظمى عند الله سبحانه التي اختص بها الإمام امير المؤمنين(عليه السلام)، ولم يتكرر هذا المصطلح القرآني في آيات القرآن الكريم قط، فقد اختص به الإمام علي(عليه السلام) لما له من الدرجة الرفيعة والمنزلة السامية التي يطلب الأنبياء والمرسلون من ربهم ان يدخلهم فيها او يلحقهم بها.

 

نشرت في الولاية العدد 81

مقالات ذات صله