أ.م.د. رزاق عبد الأمير الطيَّار
يتمتع القادة والمدراء الناجحون بمجموعة من المهارات التي يتوسلون بها لتحقيق أهدافهم، وتبرز حكمة القائد وحنكته في أوقات الأزمات والأوقات الحرجة، وهذا يعتمد على خبرتهم في التفاعل مع الأحداث، وتحويل النقاط الحرجة إلى عناصر إيجابية. ولا شك أن المهارات التي تؤدي الى الحث والحفز لدى الأتباع مما يجب على القياديين أن يجيدوا تطبيقه ويتفننوا في استعماله، ليحققوا النجاح في تعاملهم مع أتباعهم أو مريديهم أو من يقعون تحت رعايتهم وإدارتهم في مؤسساتهم.
هناك الكثير من المهارات التي لها شأن في حث الآخرين وحفزهم، نذكر منها:
أولا: بث الطاقة الإيجابية والتفاؤل في لحظات الضعف
لابدَّ للقائد من أن يدفع الناس نحو الأمل والتفاؤل في أوقات الرخاء، وأوقات البلاء، بل حتى في أشد اللحظات صعوبة، كأوقات الهزيمة والألم، وفي المحن والشدائد، وليفعل ذلك يجب أن يمتلك رؤية واضحة ودقيقة وأن يكون مؤمنا بها، وأن يشعر أتباعه بذلك.
وإن استشراف المستقبل في هذا الصدد ينفع في رفع معنويات الأشخاص ويحفزهم لتحمل الصعاب والمتاعب مهما كبُر حجمها.
ولقد استعمل أمير المؤمنين(عليه السلام) هذه الطريقة مع أتباعه في معركة النهروان التي قاتل فيها الخوارج فقد انتشرت الإشاعات بين جيش الإمام أن الأعداء قد عبروا نهر النهروان وقد أخبروا الإمام بهذا الخبر أكثر من مرَّة ولكن الإمام (عليه السلام) كان على بصيرة من أمره فيقول لهم: ((مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ، والله لا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ))، فلما انتهت المعركة كان كما قال (عليه السلام) فلم يقتل من جيش الإمام إلا ثمانية ولم يفلت منهم إلا تسعة رجال، ولم يعبروا النهر، لقد كانت كلمات الإمام عاملا إيجابيا حث المقاتلين على النيل من عدوهم وتحقيق النصر بأفضل الصور.
ثانيا : شعور الأتباع بالأمن والاطمئنان للحق
أكثر ما يحفز الأفراد إلى العمل بجدٍّ شعورهم بحب قائدهم أو مديرهم لهم، وعلمهم بذلك الحب واستشعارهم له، وبعد ذلك ثقتهم بعلمه وحكمته، وخير مثال على ذلك ما حدث في حرب عليٍّ (عليه السلام) في صفين، فكان في الجيشين مَنْ يُقاتل وفي قلبه شَكٌّ أهو على الحق أم على الباطل؟ ولكن رجلا مثل عمار بن ياسر كان يقاتل على بصيرة من أمره، وثقته بقائده راسخة.
إن شعور عمار بالأمن والاطمئنان لكونه مع عليٍّ (عليه السلام) جعله يخوض الحرب وهو شيخ كبير بعزم وقوة إرادة لا نظير لها، بل كان معيارا للحق. وهكذا كان أصحاب النبي تهفو نفوسهم إلى اتباع عمار؛ لأنهم على يقين أن عماراً تقتله الفئة الباغية، فما كان منهم إلا اتباعه، قال البلاذري: ((شهد خزيمة الجمل، فلم يسل سيفا، وشهد صفين فقال: لا أقاتل أبدا حتى يقتل عمار، فأنظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (تقتله الفئة الباغية)، قال : فلما قُتل عمار، قال خزيمة: قد أبانت الضلالة. ثم اقترب فقاتل حتى قتل))، وهكذا نرى أن الفرد متى ما شعر بالأمن والطمأنينة فعل ما يقتضيه منه الموقف وإن كان الفعل الإقدام على الموت في المعركة فإنه سيقدم بكل شجاعة، ويقاتل ببسالة لثقته بقائده وقضيته.
ثالثا: منح الآخرين الصلاحيات
على القادة إعطاء معاونيهم حرية أداء أعمالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، بتعبير آخر منحهم الصلاحيات التامة التي تمكنهم من تنفيذ سياساتهم في إنجاز الأعمال الموكلة بهم، أما إذا كان القائد متحكما في كل شيء فسينفر منه العاملون معه، وسيفشل سريعا لأنه محدود الطاقة والجهد، ومتابعة الأعمال كلها في وقت واحد مربك لمن يتصدى لها، لذا منح الصلاحيات للآخرين يجعلهم أكثر إبداعا في إنجاز الأعمال الموكلة بهم، وسينفذون تلك الأعمال بطاقة وحماس، وبروح مبادرة عالية.
وهكذا كان منهج عليٍّ (عليه السلام) مع عماله وولاته على البلاد الإسلامية، فهو يختار الشخص المناسب ويمنحه الصلاحيات التامة، ويرسم له الطريق، ويحدد له الأهداف، ويتركه ينفذ العمل بطاقاته الخاصة، فيحفز بالآخرين الجد والاجتهاد، ويميز المبدع من غيره، وإذا نظرنا في كتبه إلى عماله مثل (محمد ابن الحنفية) أو عهده إلى (مالك الأشتر) أو بعض كتبه إلى عمال الخراج نرى بوضوح سعة الصلاحيات التي يمنحها لهم، فمن تلك الصلاحيات: ( منح العفو في العقوبات التي ليس بها حدٌ محدود بموجب الشريعة، واختيار المستشارين والوزراء، ومنح الشكر بحسب ما يراه مناسبا للعمل الذي يقوم به الأفراد، وتعيين قادة الجند، وتعيين القضاة ورواتبهم، وتحديد الأرزاق والمعاشات للموظفين العموميين، وتعيين جهاز رقابة نزيه لمراقبة ضعاف النفوس، وتخفيف الخراج عن أصحابه بما يضمن عدم إلحاق الحيف بهم أو بأراضيهم، وإنزال العقوبة بالمفسدين والمحتكرين، وعقد الصلح أو إعلان الحرب بحسب المصلحة بما يحقق عز الإسلام والرخاء للبلاد).
ومع سعة هذه الصلاحيات التي فوضها أمير المؤمنين(عليه السلام) لبعض عماله فإنه يبقى مراقبا لأمورهم، ولا يغفل عن متابعة أداء كل فرد منهم، حتى إذا نما إليه خبرٌ عن زلة، أو فعل غير مرضي، أسرع إلى عامله بكتاب، ينبهه فيه على الخطأ، أو يعاتبه على ما لا يَحسن أن يقوم به، أو قد يعزله، إذا كان الأمر فاحشا أو خطيرا.
رابعا: الحلم وعدم تعجيل المحاسبة
الحلم:الأناة والعقل، وهو ضد السفه، ومن حِلمِ الله تعالى أنه يغفر ذنوب العباد مع علمه بها، وإنما يغفر ما صدر من العباد من الذنوب؛ لكونه الغني المطلق، فلِمَ يعجل؟ قال عليٌّ(عليه السلام): (لا يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّهِ، إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَه)، فالحليم لا يُلام بسبب التأني والروية، ومن هنا نرى أمير المؤمنين(عليه السلام) صبر على حقوق له أُخذت بغير وجه حق، وقال(عليه السلام): (الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ) وَقَالَ(عليه السلام): (أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُهُ عَلَى الْجاهِل) فليس العفو عن المذنبين والخاطئين أمارة ضعف وعلامة وهن، بل هي شيمة الكرام وإنما يكون العفو بعد الإمكان والظفر، ولا يشمل العفو الأصدقاء والمقربين فحسب، بل أجمل العفو ما كان مع الأعداء أو المنافسين لنا في العمل.
خامسا: الشكر والثناء
الشكر طريق من الطرق التي تحث الإنسان لكل فعل جميل وتبعده عن كل قبيح، ولما كانت طاعة الناس نعمة واستجابتهم لك نعمة، فيجب عليك أن تشكر لهم ذلك، وكلما أحسن المدير والقائد شكرَ الناس، حصل منهم على الطاعة، وأوصى عليٌّ مالكاً الأشتر بقوله: (وَ لا يكنْ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإِحْسَانِ فِي الإِحْسَانِ، وَتَدْرِيباً لأَهْلِ الإِسَاءَةِ عَلَى الإِسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ كُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَه)، إن التفريق بين المحسن والمسيء فيه إحقاق للحق، وحث للأفراد على فعل الخير، والجد والاجتهاد، وأبسط صور التفريق بين المحسن والمسيء أن تشكر المحسن على فعله، وقد تعاقب المسيء على فعله.
نشرت في الولاية العدد 84