الطفل وحب الوالدين

timthumbbلا

م. م. عقيل رشيد الأسدي

الحب من الميول الفطرية التي يندفع إليها الفرد في كل مراحل حياته، إذ يمثل أسمى عاطفة إنسانية وأجمل شعور يعيشه الانسان، فهو طاقة ايجابية تشكل وقود السلوك نحو قبول فكرة أو رفضها.
وكل البشر يحملون هذه العاطفة ولكن بشكل متفاوت بحسب الخبرات التي مرت بهم في مرحلة الطفولة، إذ إن الطفل إذا نال حظاً وافراً من العطف والحنان في أيام طفولته تتفتح أزاهير الفضائل في قلبه بسهولة، ويصبح ذا روح مطمئنة ونفس وديعة، ويكون سلوكه طبيعياً في أدوار حياته، ويكون عطوفاً وفاضلاً يكنّ الخير والصلاح للجميع، ولا يصاب بالعقد النفسية.

لذلك نجد أن الرسول محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الكرام (عليهم السلام) يؤكدون الحب والحنان في تربية الطفل ومن ذلك قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): ( رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه ، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه)(مستدرك الوسائل 2 : 626).
وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): ( رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما)(مستدرك الوسائل 2 : 618)، وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) انه قال: ( إن الله عز وجل لَيرحم الرجل لشدة حبه لولده)(بحار الأنوار101 : 92 )
لاشك أن الطفل إذا شعر بالحب والحنان والتقدير من والديه، فانّه يرتبط ارتباطاً عاطفياً بهما، وقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (طبعت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها)(وسائل الشيعة 4: 74).
فحبّ الأطفال للوالدين ردّ فعل لحبّ الوالدين لهما، فإذا كان الحبُّ هو السائد في العلاقة بين الطفل ووالديه فإنّ الطاعة لهما ستكون متحققة الوقوع ويسعى الطفل جادا لإرضائهما، وأهم مصاديق الإرضاء هو طاعتهما والاستجابة إلى أوامرهما وتنفيذ ما يطلبانه منه، والاقتناع بكل ما يطرحانه عليه من أفكار ومفاهيم ومثل، فتصبح لهما القدرة على التحكم في عواطفه وتوجيهها توجيهاً حسناً، ومتابعة خبراته ونشاطاته وخصوصاً في أثناء اللعب، وبذلك يستطيعان تنمية عواطفه وتهذيبها بالصورة المنسجمة مع المفاهيم والقيم الصالحة، فضلا عن ابتعاده عن كلِّ ما ابتعدا عنه، وبناءً على ذلك يكون الوالدان هما الأساس في تربية الطفل على الطاعة.

الحرمان من السند العاطفي للوالدين
أما الأطفال المحرومون من الحب الأسري وعطف الوالدين يملكون أرواحاً ملؤها اليأس والتشاؤم ويكونون على شفا جرف من الانحراف، وفي دراسة علمية اجريت لمعرفة الآثار التي يعاني منها الطفل نتيجة لحرمانه من السند العاطفي من الوالدين، أجريت موازنة بين مجموعتين من الأطفال تحتوي كل منهما على (45) طفلا الأولى تضم أطفالا نشؤوا في ظروف يسودها الحب والقبول والدفء العاطفي، والثانية تضم أطفالا يعيشون في الملاجئ بوصفهم يفتقدون تلك العلاقة, فأظهرت النتائج أن المجموعة الأولى كان نموها طبيعيا في الاستجابات الانفعالية والذكاء، أما المجموعة الثانية فقد أظهرت ملامح الانطواء واللامبالاة وانخفاض مستوى الذكاء.
وقد أكد ذلك احد الاطباء قائلا: (لاحظت من خلال الممارسات الإكلينيكية في العيادة النفسية أن العامل المشترك بين أغلب المشكلات النفسية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين هو غياب الحب الحقيقي بينهم وبين الوالدين … كما لاحظت أن الأطفال السعداء الأصحاء نفسياً هم المحبوبون الذين يصلهم حب الوالدين ويشعرون به وهم من نشؤوا على الحب وولدوا في محيط أسري يتسم بالحب، وتأكدت أن الحب أفضل أسلوب لتربية الأبناء، وأفضل علاج لكل المشكلات النفسية والسلوكية للأطفال والمراهقين والشباب والراشدين والمسنين، وتأكد لي أنه إذا كان غذاء الجسد هو الطعام والشراب، وغذاء العقل هو القراءة, وغذاء الروح هو الإيمان، فغذاء النفس ودواؤها هو الحب الحقيقي).
وقد اكتشف علماء النفس أن هنالك اضطراباً يصيب الأطفال المحرومين من الحب وأطلقوا عليه (القزم العاطفي) إذ وجدوا هنالك بعض الأطفال نموهم الجسمي بطيء ويتسمون بضآلة الجسم مقارنة بعمرهم الزمني، واكتشفوا أن السبب الذي يكمن خلف ذلك الاضطراب هو نقص الحب وعدم النشأة في جو أسري يتسم بالحب.

الحب مكنون فطري
وبناءً على ما تقدم يجب على الوالدين تحمل مسؤوليتهم تجاه أبنائهم وتربيتهم تربية سليمة قائمة على أساس الود والاحترام والحب الحقيقي؛ لأن الحب كما ذكرنا هو من المكنونات الفطرية لدى الانسان التي أودعها الله سبحانه وتعالى لدى الوالدين، وليست العبرة بهذا المخزون الفطري، بل العبرة في فن التعبير عنه تجاه الأطفال؛ لذلك نجد بعض الأطفال ينعمون بالحب، في حين نجد بعضهم يتأرجح بين الحب والحرمان، وفي بعضهم يكاد يكون الحب معدوما، وفي الأخير تكون جناية كبرى في حق الطفل لانعكاس الحرمان على شخصيته.
وقد لا أجافي الحقيقة إذا قلت: إن تربية بلا حب كأرض صبخة لا ينبت فيها نبات طيب، وليعلم الأبوان أن الحب والحنان أساس التنظيم الاجتماعي في الأسرة، والحقد والبغضاء عامل أساسي في التفرقة والتشتيت.
وهكذا فالطفل الذي يشعر بأن جو الأسرة وحجر الوالدين ليسا إلا مقراً للكراهية والحقد وهم أقرب الناس اليه ، يتصور أن الناس جميعهم ينظرون إليه بنظرة الكراهية والاحتقار ولذلك فإنه يثأر، وينتقم ولا يوجد في قلبه محل للحب واللين، عند ذاك يصبح في عداد الناقمين على المجتمع ويكون سلوكه ردة فعل لما عاناه من حرمان.

نشرت في الولاية العدد 84

مقالات ذات صله