استحالة القُبحِ على الله تعالى

akaed

مرتضى علي الحلي

أثبتَ علماء الكلام أنَّ اللهَ تعالى لا يفعل القبيح ولا يخل بالواجب لاستغنائه وعلمه الدالين على انتفاء القبح عن أفعاله تعالى. (كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: العلامة الحلي/ ص187).
فمن الواضح أنَّ القبح هو ضد الحسن من الأشياء الذي يستنكره العقل العملي ويذم صاحبه عليه، ومع بداهة وضرورة تنزيه الباري عن فعل القبيح أو إرادته.

وفي مدرسة الإماميَّة الإثني عشرية فقالتْ باستحالة أن يكون الله تعالى فاعلاً للقبيح أو مُريداً له عقلا لعلمه تعالى بالقبح، ولا داعي لله تعالى إلى أن يُريد القبح أو يفعله) لأنَّ الداعي هو أصلاً معدومٌ ومنتفٍ عند الله تعالى بالمرة والإطلاق لكونه تعالى غير محتاج إلى إرادة القبح وفعله فضلاً عن عدم الحكمة من إرادة القبيح وفعله ومعلومٌ أنه لا حكمة في فعل القبيح عقلاً ..
هذا ولو جاز على الله تعالى إرادة القبح وفعله والعياذ بالله لامتنع إثبات النبوات (شرح الباب الحادي عشر: العلامة السيوري: ص75).
ارادة القبيح ينافي اثبات النبوات:
إنَّ تجويز القبح إرادةً أو وقوعاً من الله تعالى يلزم امتناع إثبات نبوة كل نبي، ذلك لأنَّه بتجويز القبيح على الله تعالى لا يقبح منه تصديق مدعي النبوة كذبا، ومع ذلك لا يمكن الجزم بصحة نبوة النبي.
وهذا أمر ظاهر لكل عاقل متدبر، إذ على فرض تجويز القبح على الله تعالى قد يدَّعي مُدّعِ النبوة وهو كاذب والله يجوز عليه القبح فقد لا يقبح منه تعالى وحاشاه عن ذلك تصديق الكاذب في نبوته ودعوته وهو باطلٌ عقلاً والأخطر من ذلك عقديّاً أنه (لو جاز منه تعالى فعل القبيح أو الإخلال بالواجب لارتفع الوثوق بوعده (الثواب) ووعيده (العقاب)، لإمكان تطرق الكذب إليه وحاشاه تعالى عن ذلك ولجاز منه أيضاً إظهار المعجزة على يد الكاذب وذلك يفضي إلى الشك في صدق الأنبياء ويمتنع الاستدلال بالمعجزة على نبوة النبي)(كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد/ العلامة الحلي/ص 188).
ثمَّ إنَّ الله تعالى يستحيل عليه عقلاً إرادة القبح ومصاديقه كالكفر والشر وغيرها، لأنّه تعالى نهى عن القبيح وأمر بالطاعة فيكون سبحانه كارهاً لإرادة القبح ومُريداً للطاعة ولما ثبتَ من أنه تعالى حكيم وعليم وقد دعا إلى الأشياء الحسنة ولأنَّ إرادة القبح قبيحة بدليل أنَّ العقلاء كما يذمون فاعل القبيح فكذلك يذمون مُريده والآمر به حتى أنَّ القرآن الكريم قد أثبتَ نصاً استحالة القبح عليه تعالى إرادةً أو وقوعا، قال تعالى: (وَلَكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) الحجرات7 .
وعلى أساسٍ من الذي تقدّم نجزم باستحالة إرادة القبح وفعله على الله تعالى مُطلقا، لما ثبتَ من كونه حكيماً وعليماً ومُريداً للخير والحسن وكارهاً للشر والقبح والكفر وغيرها.

إشكال قديم يتعلق بالمسألة:
ولكن يبقى ثمة تساؤلٌ فلسفي قديم هو أنه إذا ثبتَ أنَّ الله تعالى لا يفعل القبيح ولا يريد وقوعه فما معنى وقوع الشرور في هذا العالم؟
والجواب عن هذا الاشكال يكمن في ثلاث نقاط هي:
أولا: إنَّ هذا العالم المادي محكومٌ بقوانين التغيِّر والتبدل والتحول والتزاحم مما ينتج نسبياً وقوع الشرور قطعاً بصورة أقل من الخير قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم41).
وثانيا: إنَّ محض وجود ووقوع الشرور بوصفها لوناً من ألوان البلاء أو الاختبار هو في النتيجة تدخل في صلب إصلاح الإنسان في هذه الحياة الدنيا باعتبارها توجب الانتباه والنظر في ماهية هذا العالم وقوانينه ووجوب فهمها ومعرفة صور التعاطي معها، قال تعالى: (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)(الأنبياء35).
وثالثا: إنَّ نظام الوجود قائم على أساس التوازن والتناسب والتقدير والمعيارية الدقيقة في المُدخلات والمُخرجات الحياتية فلا يمكن أن تكون الحياة على وتيرة الخير المحض وكذا لايمكن أن تكون على وتيرة الشر المحض فيؤخَذ من هذا وذاك إيجاداً للتوازن وحفظاً للتقدي، قال تعالى (إنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر49).

نشرت في الولاية العدد 85

مقالات ذات صله