النظام الاقتصادي وأثره عند الإمام علي (عليه السلام)

20

وسن الجبوري

لقد شهد العالم بافكار الامام علي عليه السلام في جميع المجلات الاجتماعية والاقتصادية، وقد انقذت افكار الامام عليه السلام وخاصة الاقتصادية الامة الاسلامية من الظلم والتعصب والفقر والحرمان في فترة ولايته، فقد حكم الامام علي عليه السلام بالحكم الاسلامي الخالص الذي ما زالت اثاره الايجابية تدور في افاق عالمنا المعاصر، فالامام علي عليه السلام كان المعلم الاول بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه واله بالتربية التي انتهجها مجتمعنا الاسلامي والمجتهد في اختصاصات الدين والدنيا، فقد شجع الامام علي الامة الاسلامية على العمل والانتاج وعدم التكاسل في مجالات الحياة الاقتصادية من اجل القضاء على الفقر والحرمان.

خلل البنية الاقتصادية العالمية
لا تزال المعمورة التي تضم المليارات من البشر تعاني من غياب التوازن الاقتصادي على الرغم من التطور الهائل في وسائل الانتاج، ما يعني ان هناك خللا في البنية الاقتصادية العالمية وفشلا في البرمجة والتخطيط والتنفيذ.
ان الانظمة الاقتصادية والسياسية التي قادت وتقود العالم هي التي تقف وراء ذلك، كما ان المتضرر بالدرجة الاولى هو الفقير المسحوق الذي يزداد انسحاقا، في وقت يزداد فيه الاثرياء ثراء، ولعل الازمات الاقتصادية العالمية التي عصفت بالعالم نتيجة منطقية لسوء الانظمة الاقتصادية التي تحكم الامم، وهنا يستوجب ان نتساءل عن سبل الخلاص من هذه المشاكل.

الخلاص من الأزمة الاقتصادية إسلامي
للاسلام تجربة اقتصادية ناجحة مثبتة بالادلة والوقائع من حيث التخطيط والبرمجة والتنفيذ، فعلى الرغم من سعة الدولة الاسلامية في عهد الامام علي عليه السلام، إلا ان الفقر كاد ينعدم تماما بين افراد الامة الاسلامية، مما يدل على حسن الرؤية ونجاح التخطيط الاقتصادي وتميز الخطوات التنفيذية التي قللت من الفقر الى ادنى مستوياته.
فلننظر الى الاسلام كيف جعل من الدولة الاسلامية البعيدة الافاق الشاسعة الاراضي، الكثيرة النفوس، امة غنية كاد يصبح الفقر فيها في خبر كان.
وهذا يعني ان ثمة سياسة اقتصادية متوازنة اتبعها الامام علي ابان حكمه حققت توازنا دقيقا بين الانتاج والاستهلاك، قادت الى غياب الفقر، وقد تم ذلك عبر سياسة اقتصادية تقوم على الدقة والتوازن والمساواة التامة، وهو امر معروف عن سياسة الامام علي(عليه السلام).
ومن الامثلة على سياسته الاقتصادية الدقيقة ما روي ان الامام علياً كان يمشي يوما على سكك الكوفة، فنظر الى رجل يستعطي الناس فوجه الامام سؤالا الى من حوله قائلا: ما هذا؟
فقالوا: انه نصراني كبر وشاخ ولم يقدر على العمل، وليس له مال يعيش به، فيكتنف الناس.
فقال الامام بغضب: استعملتموه على شبابه حتى كبر تركتموه؟
جعل الامام لذلك النصراني من بيت مال المسلمين مرتبا خاصا يعيش به.

التكامل بين الاقتصادي والاجتماعي والروحي
ان الامة الاسلامية يمكنها ان توفر فرص التطور والنمو في العالم الاسلامي على المستويين المادي والمعنوي اذا ما التزمت بتعاليم دينها الحقة، وبذلك يمكن للنظرية الاسلامية ان تثبت انها النموذج الاجتماعي الاسلامي القدوة، القادر على حل كل المشكلات الاجتماعية، من خلال تحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي والروحي والاجتماعي بين اطراف الامة الاسلامية.
وعلى الرغم من قصر المدة التي قضاها امير المؤمنين(عليه السلام) في قيادة الامة اجتماعيا وسياسيا فقد طرح الامام علي(عليه السلام) نظاما متكاملا لعلاج المشكلة الاقتصادية وظاهرة الانحراف عن خط العدالة الاسلامية في التوزيع، وحدد برامج واضحة تتجاوز الاخطاء المتراكمة من خلال منهاج التسوية في العطاء، ولم يلتمس الامام علي المواقف الوعظية في علاج المشكلة الاقتصادية واقرار العدالة في المجتمع فحسب، وانما سلك الى جانب الافادة من رصيد الايمان بالله تعالى، فضلا عن استخدام الضوابط القانونية في تحقيق التوازن والعيش الرغيد، وانهاء دور الظلم في المجتمع.
ومن اجل ذلك استرد الاموال التي تدفقت الى جيوب فئة قليلة من الناس بغير حق وسلك سبيل مراقبة طرق جباية الاموال وكيفية توزيعها على قطاعات الامة، كما شدد على مراقبة الولاة في الامصار واستحداث نظام العيون والتفتيش للاحاطة بتصرفاتهم وممارساتهم.

التنمية الإنسانية طريق لتنمية الاقتصاد
يمكننا ان نلاحظ ان توجهات الامام(عليه السلام) في تحقيق التنمية الانسانية بابعادها المختلفة تعتمد على مناهج ثلاثة:
الاول: استنهاض الانسان ليمارس دوره الفاعل في الحياة، ويفجر طاقاته الكامنة، ويشق طريقه بالطموح وعلو الهمة.
الثاني: دعوة الناس للتعاون فيما بينهم، والتطوع لخدمة بعضهم، والاهتمام بمناطق الضعف والحاجة في المجتمع، بما نطلق عليه الان بالتكافل الاجتماعي، وقد روي عنه(عليه السلام) انه قال لجابر بن عبد الله الانصاري: (يا جابر، قوام الدين والدنيا بأربعة: عالم مستعمل علمه،وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لايبخل بمعروفه، وفقيرلا يبيع آخرته بدنياه..، ياجابرمن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس اليه، فمن قام لله فيها بما يجب عرضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم لله فيها بما يجب عرضها للزوال والفناء).
الثالث: وضع سياسة الدولة في خدمة التنمية، وهذا ما تؤكده مسيرة الامام(عليه السلام) في الشعب، وتوجيهاته للولاة والموظفين، ومن ابرزها واشملها عهده لمالك الاشتر حين ولاه مصر، اذ يؤكد الامام في فقرات هذا العهد على تطبيق العدل والمساواة بين المواطنين وحفظ حقوقهم المادية والمعنوية وان اختلفت اديانهم وتوجهاتهم، يقول عليه السلام: (واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم، فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).

في خاتمة المطاف
يتبين من كل ما تقدم ان الاسلام يتحلى بمرونة فائقة في المجال الاقتصادي ويحرص على تقرير المبادئ الرئيسة التي تتعلق بقيمة العمل والتكافل الاجتماعي مع امر الاغنياء بالإنفاق، ويدعو الفقراء الى الصبر والتعفف، ثم تشجيع المشاركة والعمل الجماعي، مع تحريم الاحتكار والغش والخداع والنهي عن تكديس المال وكنزه.
واخيرا فاننا اذا قرأنا اهم النظريات الاقتصادية التي خطها كبار الاقتصاديين في العالم المادي كآدم سميث ودافيد ريكاردو وتوماس مالتوس وكارل ماركس وجون مينارد كينز وبول ساملسون، سنكتشف اننا نقرا في كتبهم تاريخ الاخطاء الاقتصادية وليس تاريخ الاقتصاد مع ان كلا منهم ادعى ومعه الكثيرون ان نظريته صحيحة.
في حين ان الاسلام هو الذي وضع اسس الاقتصاد ضمن نظريات متكاملة خالية من الاخطاء، بحيث تصلح ان تطبق على الاجيال ما دامت هذه الحياة قائمة.

نشرت في الولاية العدد 87

مقالات ذات صله