انطلاق الممارسة الحسينية من رؤية كونية

b30b-824e4e0d52

تحقيق: شاكر حيدر شاكر

يحتشد الموقف  الإنساني في سلوك وتعبير ثقافي مشكلا ملمحا تعبيريا وجدانيا صادقا متضمنا أفعالا نابعة من دوافع لا تقيم للخسارات والتضحيات وزنا غايتها الحصول على غيب هو أهم عند هؤلاء من كل الحقائق التي تقف إزاء هذا المطلب، فهي ليست سوى أضغاث إذ تقف أمام حقيقة الوجود الحسيني وقيمه التي ترسم الحياة التي يريدون، هذه الحقيقة الموقف، ثقافة تنبجس دون أدنى شك من رؤية حضارية تؤطرها رؤية كونية تتوافق مع نفس كل إنسان استطاع ان يلامس هذا الحدث وهذا المشروع الثقافي في طقوسه التي تجسدت حياة يكاد يرتقي اليها حلم الفلاسفة الذين خطوا مدنهم السعيدة في جمهورياتهم الفاضلة على ورق التمني في مشروع انساني قد يتحقق، لم يستطع سوى الحسين بن علي عليه السلام ان يحقق ملامحه في صفحات الزمن الصعب وهو يقلب الدنيا بكفيه حينما أراد عتقها من ربقة عبوديتها فصارت حلما تنشده الإنسانية جمعاء فلا تفيق إلا وتلك القيود قد فصمت وحشود الغربان التي طمحت أن تحجب الشمس تفرقت وذهبت كوهمها الساكن في سراب الخنوع والركون الى الظلم. وقد كان الحسين مساحة واسعة شاسعة تتنامى وتزدهر متجاوزة كل مدى فلم تدرك عين ولا فكرة وهي لاهثة وراءها تلك الأصقاع المترامية من جنان الحرية والسعادة.

رؤية كونية
يرى باحثون وفلاسفة ومفكرون إسلاميون في صورة هذه الحقيقة المبهرة البهيجة معاني وافكارا هي سبل للهداية والنضج والسمو الإنساني، فكان لكل منهج قول ولكل متلقٍ رؤية وإطار يؤطر فكرته إزاء مشهد هذا النور الأخاذ وهذا العطاء السرمدي الخالد وإزاء هذا التكوين الفريد، فيقول مؤسس مركز الفكر الإسلامي المعاصر(الشيخ غالب الناصر) عن هذا السطوع الثقافي وهو ينطلق من رؤية كونية لتكون مشهدا حضاريا هو المسير الحسيني، قائلا: إجماع علماء الثقافة، إجماع المهتمين بالأنثروبولوجيا الثقافية، على ان الرؤية الكونية تقع في الصميم من إنتاج الثقافة ونقصد بهذا انه لا يمكن أن يصدر أي فعل ثقافي إلا أن يكون مستندا الى رؤية كونية، وبهذا نتساءل ما هي الرؤيا الكونية وما هي العقيدة وما هي الأفكار وما هي التوقعات والآمال التي هي من قوى غيبية في ان يتجشموا كل هذا العناء في الذهاب الى كربلاء؟ تلك تساؤلات جوهرية تقودنا لمعرفة ماهية الرؤية الكونية في هذا المسير، والإجابة هي ان الرؤية الكونية هي رؤيتنا للحسين عليه السلام بأنه إنسان معصوم، وهو ابن بنت رسول الله الذي قتل مظلوما، فهو شهيد وهو حي وهو صاحب مكانة عند الله سبحانه وتعالى ومن ثم فان هذؤلاء الناس يذهبون طاعة لله عز وجل إكراما وتقديسا لله سبحانه وتعالى الذي اصطفى هذه الأسرة (إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ ….)(آل عمران/33)، وهؤلاء هم الذرية المصطفاة، فيذهبون إكراما لرسول الله ومواساةً لرسول الله بل مواساة لكل أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فهذا الذهاب أي ان هذا المسير الى الحسين في كربلاء هو صلب الرؤية الكونية لأنه توجه ومسير الى حي معصوم وهو أفضل من يقدّر ويقيّم من يأتيه ماشيا على الأقدام وهو اكثر من يفهم سلوكيات هؤلاء الناس ويعطيهم بعطائه الجزيل ويتكرم عليهم بكرمه.
هدفان شعائري وفكري
ويطرق آخرون أبوابا مختلفة لهذا المعنى الحسيني فيقرؤون هذا المسير المليوني قراءة أخرى، هذا الموكب المهتاج عشقا وفلاحا لا يلوي توقفا إلا في نقطة واحدة محددة هي كربلاء مهما كانت العوائق كبيرة وفادحة الثمن، فيضع السيد محمد علي الحكيم عضو مجلس إدارة العتبة العلوية المقدسة الهدف في إطارين ومقصدين فيقول موضحا: لكل أمة طريقة في التعبير ونحن لا نعيب أحداً بممارسة طقوسه أو ثقافته التقليدية، كذلك نحن حينما نرى مشهد هذه الملايين المتجمعة السائرة الى هدى ومثوبة، نجد ان من غير الممكن ان يكون كل هؤلاء على خطأ فهؤلاء الملايين السائرون بمختلف الطبقات وبمختلف الصفات والهيآت والأعمار لا يمكن ان يتواطؤوا كلهم على الكذب، وهنا يتبادر الى أذهاننا سؤال يفرض نفسه، هو: لماذا نسير الى كربلاء وما هو الهدف من هذا المسير وما هي النتيجة المرجوة؟ أعتقد أن الهدف من المسير ينقسم الى أمرين: الأول روحي شعائري، والآخر فكري، أما الشعائري، فهو ارتباط الموالين والمحبين بالله تعالى وبرسوله الكريم والأئمة المنتجبين، مما يضع في نفس هؤلاء واجبا أو نازعا وجدانيا وروحيا مقدسا، يستدعي المرء منهم ان يفرغ هذه الشحنة العاطفية الموجودة في كوامن نفسه بمواساة الائمة عليهم السلام والأسرى الذين أخذهم ابن زياد في خارطة سياسية، وهناك خريطة معدة سلفا وبإعلام من رسول الله صلى الله عليه واله رسمت وفق تخطيط سماوي صرف، فهناك حدث كوني إلهي يعلم به الرسول صلى الله عليه وآله وهو الذي (لا ينطق عن الهوى ان هو إلا وحي يوحى) هذه الخارطة نفذها الحسين عليه السلام بأمر من الله تعالى. والأمر الثاني الفكري، الذي يرجع الى سبب إعلان الثورة والقيام بهذه الرحلة وحكمتها التي تجلت لنا بمقولته عليه السلام التي أشار فيها الى انتهاك الأمويين للدين وانحداره وعدم تطبيقه وإلى رجوع الصنمية الجاهلية فأراد الحسين عليه السلام بثورته هذه طلب الإصلاح، ونحن بدورنا أي السائرون في طريقه لكربلاء وعلى نهجه القويم القاني نقول يا سيدي يا أبا عبد الله إنما نحن نواسيك ونطلب الإصلاح على نهجك فنثور على الظلم كما فعلت ونطالب أن يكون الحاكم صالحا كما أراد الله لعباده.
الرؤية الكونية الإلهية
يرى باحثون ومفكرون حوزويون رأيا من منظور قد يختلف قليلا عن زاوية الرؤية الكونية لهذا المسير المليوني العقائدي المتجه من أصقاع الأرض الى رمز الحرية والإباء سيد الشهداء الحسين عليه السلام، فيرى وفق الشرط الفلسفي لهذا المصطلح الذي يفترض توافر التسالم الإنساني برمته على هذه الممارسة الحضارية لنطلق مسمى الرؤية الكونية عليه، فيوضح الشيخ ليث العتابي معاون رئيس قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العلوية المقدسة هذه المسألة قائلا: اختلفت قضية الرؤية بشأن مسألة المسير الى الإمام الحسين عليه السلام، أهي رؤية كونية أم رؤية حضارية؟ الا اننا في الواقع يمكن أن نؤطرها بإطار الرؤية الكونية الإلهية وليس الرؤية الكونية البشرية أو الفلسفية لأنه هنالك قد تعترضنا بعض الإشكالات في تطبيق هذه القضية وخصوصا من ناحية التسالم، أي تسالم الأفراد وقبولهم، وإذا ما تخلفت بعض الأفراد عنها، فهنا ستخالف التسالم ومن ثم تخرج عن هذه الرؤية الكونية غير الإلهية، أما إذا جئنا الى قضية الرؤية الكونية الإلهية فهي تنسجم مع قضية المسير الى الإمام الحسين عليه السلام، وهنا يمكن ان ينطبق مفهوم الكونية الإلهية، وذلك لان الإمام الحسين عليه السلام من الله والى الله وقالها الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه واله: (حسين مني وأنا من حسين) والقرآن يقول عن الرسول محمد صلى الله عليه واله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(النجم/3ـ4). وما دام الامام الحسين عليه السلام في اصل ثورته لم ينطلق من طائفة معينة انما قال : اني ما خرجت اشرا ولا بطرا انما خرجت لطلب الاصلاح…. وعندما كان نقيضه يزيد بن معاوية الذي يتربع على دكة الحكم وهو لا يمتلك مؤهلات الحكم والتسيّد، لذا قال ابو الأحرار: ومثلي لا يبايع مثله، وهذه مشتركات إنسانية، الثورة على الظالم والمطالبة بحق المظلوم، فهي مسلمات إنسانية مئة بالمئة لا يختلف عليها اثنان سواء كان مسلما أو غير مسلم فالإمام الحسين انطلق من هذه الثوابت وهذه الأساسيات المشتركة بين الآخر الإنساني لذلك نرجع ونقول بان قضية المسير الى الحسين عليه السلام هي رؤية كونية إلهية بحتة لان الإمام الحسين عليه السلام من الله والى الله تعالى.
أظهر أفراد التعظيم وأصدق مصاديقه
لإطلالة النور معانٍ تتلون بالضوء المبهج حيث تتلاقى، ولنور الحسين سبط الرسول الكريم لجة صاخبة في بحر معانيه المضيئة المتفردة عشقا ويقينا وحرية، لتبحر سفنه وهي تحمل محبيه ومواليه الى النجاة، فيشير الشيخ عقيل الدراجي مسؤول شعبة مكتبة الروضة الحيدرية الى فنارات هذا الهدي وسبل رشادها قائلا: قد حكم العقلاء – في كل زمان ومكان – على تعظيم العظماء ودأبوا على ذلك وأقر الشارع المقدس سيرتهم ولما كان اختيار الأحمز من سبل التعظيم والأشق يعبر تعبيرا صادقا عن عظم الولاء وعظيم الحب والاستعداد لتحمل المشاق وبذل النفيس كان المسير على الأقدام لأداء الشعائر العبادية أمرا راجحا شرعا وعرفا وفيه وردت السنة المعصومية المباركة، فقد (حج الحسن بن علي عليه السلام خمساً وعشرين حجة ماشيا وان النجائب لتقاد بين يديه) وفي بعض الأخبار (من زاير أمير المؤمنين عليه السلام ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجة وعمرة، فان رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوتين حجتين وعمرتين). ومن هنا كانت زيارة الإمام الحسين عليه السلام مشيا هي من أظهر أفراد التعظيم وأصدق مصاديقه (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب).
فطرة الله
ومن بين مواكب السائرين على النهج المبين في طريق كربلاء نقف على رأي وجد ان هذه الحشود المليونية الزاحفة نحو سيدها الباذل دمه من أجل أن يتوقف نزيف البشرية على يد نفس الجلاد والقاتل، انما تقودها الفطرة السليمة، فيوضح الاستاذ محمد حسن الجبان(ابو جعفر) مسؤول هيأة المواكب في العتبة العلوية المقدسة رأيه هذا قائلا: ابتداء الحمد لله وهذه الكلمة تقال لما رأيناه عيانا ونظرا فكريا والدليل على ذلك ان تواتر الأيام منذ العهود القديمة وما بعد السقوط كانت النوعيات من البشر متباينة متعددة والعدد متفاوت كل على غايته فقد رأينا ابن العراق سباقا للأرض التي هو عليها وما ان سار قادما الى الحسين عليه السلام حتى تبعه ما لا يمكن حصره من القوميات والمذاهب فمن تركيا ومن ألمانيا ومن استراليا ومن أفريقيا وما لا ينتهي العدد هذه العينات من الناس لم تكن مقودة إلا لفطرة، لأن الدين فطرة كما يقول الحكيم عز وجل في كتابه (فِطْرَةَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ…)(الروم/30) فلا يمكن ان يخلق الله أناساً او مخلوقات دون حجة، وأول الحجج على الناس هي الفطرة، وكل الناس خلقوا على فطرة سليمة، حتى وان مر الزمن، تبقى بقايا عند الإنسان من هذه الفطرة السليمة التي هي محمد وآل محمد، والنبي محمد قال (حسين مني وأنا من حسين) فإن كان محمد قد ابتدأ بطريق الهداية لكل البشر (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء/107) لم يكن محمد الا معينا لكل البشرية ولكل المخلوقات، ولقد قال رب العزة (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(القلم/4) فهو رحمة للعالمين وهو على خلق عظيم والحسين فرعه بل هو والرسول أصل واحد.
ويؤازر ويعضد هذا القول رأي الشيخ ليث العتابي في معرض حديثه حين قال: وبالنسبة للمجتمع الذي يمارس هذه القضية فان أكثر من يسير الى الإمام الحسين عليه السلام غير ملتفت لهذه الممارسة إن كانت كونية أم حضارية أو انها مؤطرة بإطار آخر أومصطلح آخر، فهو ينطلق من فطرته الموالية للامام الحسين عليه السلام ينطلق بإيمانه ومن اعتقاده به.
الموقف الحضاري
ويذهب آخرون لتحليل هذا السلوك والتفكير الجمعي الى اعتبار ان هذه الزيارة سلوك حضاري يجب ان يستند للعلم والتمحيص والدراسة فيتحدث الاستاذ التدريسي في كلية العلوم والشريعة في الدراسات الانسانية صباح خيري راضي آل داود عن هذا قائلا: ان الزيارة الحسينية اليوم اذا ما أردنا تحليلها بوضعها على منضدة التشريح لنبتعد عن الطريقة الساذجة وصفا وتعبيرا فهي مظهر يجب التعاطي معه كدراسة ثقافية ومعرفية، دراسة ثقافة لزيارة الحسين وللشعائر، كما ان الجانب الاقتصادي المبهر في هذه الممارسة العقائدية يحتاج الى تحليل اقتصادي معمق ينطلق معها منذ نشوء وولادة النية في المشاركة في طريق المسير من البدء المتشعب الممتد من جذور الأرض والإنسان حتى النهاية في أقصى بعدٍ شاهق للعقيدة والمبدأ حيث الحسين عليه السلام، لان هذه الارقام لا بد ان تحلل، لنعرف كيف توضع ميزانيتها، وما هو حكم الاموال التي تنفق في هذه الزيارة وما حكم هذه المواكب ومقومات وجودها.
الحفاظ على جوهر العقيدة والبناء الإنساني
ويتفق الإعلامي السيد علي العذاري (مهتم بالشأن الحسيني) مع هذا الرأي الذي يحث على ضرورة دراسة هذه الظاهرة والممارسة الحضارية التي أخذت تشكل نفسها من دوافع انسانية وعقائدية وفكرية وثقافية يغلب عليها العمل الفردي العفوي (الفطري) على محبة آل البيت عليهم السلام، فيقول: للاسف الشديد طوال العقود المنصرمة والسنين التي تلت سقوط النظام البائد لم نجد دراسة واعية ورصينة ودقيقة ومؤتمرا علميا حقيقيا جادا يؤسس للتعامل الدوري المنتظم لهذه الشعيرة المقدسة، فهذه الفعالية ينبغي تطويرها بشكل دائم لتتوافق مع الحاجة الملحة لها فضلا عن التطور الهائل الذي يشهده العالم في وسائل التعبير كالإعلام والفنون ووسائلها المتعددة، فهذه التظاهرة على الرغم من سعتها وكمها الذي وصل الى العشرين مليوناً والتي لم يدنُ اليها سوى من بعيد ما يمارس في الهند في حجهم الى نهر السند. فالذي نحتاجه اليوم هو دراسة هذه الظاهرة المليونية وما يتضمنها من سلوك وشعائر وتقاليد عبادية، تكون جادة ومعمقة للحفاظ على قيمها وجوهرها ولبث الوعي في ممارسة الطقوس التي تبني الإنسان وتحرره من براثن الدنيا الفانية ونوازعها الدنيئة المخربة للنفوس.
طريق الجمال والسلام
من اللافت لكل متابع أمين يراقب مشهد الطريق الى الحسين عليه السلام ذلك السمو والخشوع والصدق الذي يمنح شكلا محددا لهذا الموكب المليوني الذي يحتل مساحة وطن هو العراق، ذلك الموكب العامر بالسلام والتسامح والعطاء والإيثار وكل قيم الخلق العالي في شكل أقل ما يقال عنه انه جميل غاية في النقاء والحب والفضيلة، فيشير الشيخ ليث العتابي الى هذا المعنى، ومعنى آخر يتفق فيه مع الشيخ عقيل الدراجي في مسألة تعظيم الولاء والاحترام لسيد الشهداء ـ كما أسلفنا ـ إذ قال: اذا اتينا الى قضية المسير الى الامام الحسين عليه السلام نجد تجليات عبر العصور منذ استشهاده الى وقتنا الحاضر، وآخر مظهر حضاري شاهدناه قضية المسير اليه، وهي مسيرات سلمية 100%، فضلا عن هذا نجد ان الكثير من المراقبين الدوليين في تصريحات كثيرة أشاروا الى ان أفضل وأجمل مسيرات سلمية شهدتها البشرية ما يمارسها اليوم الشعب العراقي التي قلما نجد مثلها عند غيره بغيتها تخليد رمز او شخص معين مخلد في التاريخ. ومن افضل من الامام الحسين عليه السلام رمزا خالدا لكي نقدم له فروض الولاء والتباع والتعظيم.
تجارة لا تبور
وقد يتبادر الى اذهاننا تساؤل كبير ونحن نعيش عالما ماديا بكل معنى الكلمة تحكمه نوازع الربح والخسارة وسلطة المال عن مآل ذلك الإنفاق والجهود المبذولة، فيبيّن الشيخ غالب الناصر متسائلا ومجيبا، قائلا: لِمَ أتحمل عناء المسير ومشقة الظرف القاسي معرضا حياتي وحياة اسرتي للخطر فضلا عن اموالي التي هدرتها عن رضا ومحبة في هذا الطريق، طريق الحسين؟ وتكون الإجابة اننا من الطبيعي والمنطقي سنحصل على جزاء من الله عز وجل ومن رسول الله ومن الإمام الحسين صلوات الله عليهم وسلامه فأحصل على مقابل لهذا في الدنيا وفي الآخرة، وإلا لو كان فعلي هذا هباء وبلا جزاء محمود فلم أذهب وأتحمل هذا العناء وهذه الخسارات الفادحة. فهذه الرؤية الكونية وهذا الفعل الثقافي المعبر عنه بأنه طقوس وأجواء خاصة بهذه الشعيرة، تجارة لن تبور وان لنا البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنما نحن نذهب لطلب الأجر والثواب وهذه تجارة إلهية بكل معنى الكلمة والنية.
وضمن هذا الإطار يؤكد الشيخ عقيل الدراجي وهو يستطرد في حديثه عن قصد ونية البلوغ الى سيد الشهداء، فيقول: ناهيك عما تحدثه هذه المسيرة الكربلائية المقدسة عند الأقوام الأخرى من تساؤلات واستفهامات يكون للإجابة عنها كبير الأثر في تصحيح النظرة الكلية للإسلام التي ما فتئ بعض المتأسلمين وأعدائه يقصدون إظهاره بأنه دين الخرافة والعنف الفاقد لاحترام رموزه المنتجبة وعقائده الأصيلة.
ويتعدى المعنى عند السيد محمد علي الحكيم هذا، فيضيف قائلا: لا تقتصر هذه المراسيم على الشيعة فقط برغم انهم سوادها الأعظم، فمشاركة الآخرين تعطي انطباعاً وفسيفساءً اممياً إنسانياً وعراقياً تجمع هذه الطبقات كلها على اتجاه واحد وهدف واحد لأجل ان تتوحد وتتعارف. ويضيف الحكيم: هذا الخروج فيه فوائد اجتماعية فالطريق لكربلاء يستلزم التهذب والتأدب والالتزام فهو كالصوم يربي على الفضائل، وينمي عند الإنسان الصبر على التعب والمعاناة والظروف الجوية الصعبة التي قد ترافق المسير، فهي ترويض وتهذيب للنفس.
ويضيف ابو جعفر الجبان لهذا المعنى قائلا : نرى ان تطور المسير الحسيني بالنوع والكم بدأ يفرز إفرازات يمكن ان تنعش الإنسان، فهو ما إن يبدأ بالمسير حتى تتحرر نفسيته من كل ضغوط الحياة والآثار النفسية وقد رأينا حوادث من هذه، فان شخصاً قد دهست ابنته الوحيدة ما إن سئل قال هي فداء للحسين، ولكن في مكان آخر تقوم الدنيا ولا تقعد، لأنها ابنته الوحيدة.

أمر راجح شرعا وعرفا
*هذه الرؤية الكونية وهذا الفعل الثقافي المعبر عنه بأنه طقوس وأجواء خاصة بهذه الشعيرة تجارة لن تبور وان لنا البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة
*ان قضية المسير الى الحسين عليه السلام هي رؤية كونية إلهية بحتة لان الإمام الحسين عليه السلام من الله والى الله تعالى.

نشرت في الولاية العدد 87

مقالات ذات صله