الكلام اليقين في مبغض امير المؤمنين عليه السلام

148250226112532122311091412221482122613725028

واثق زبيبة الموسوي

إن النظر إلى شخصيّة الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) محنة للفكر، تتطلّب طاقة لا تحتملها الجبال الرواسي، أمّا الحديث عن بعض عظمته الباهرة وما تحظى به هذه الشخصيّة المتوهِّجة في التاريخ الإنساني من جلال وجمال فلم يكن سهلاً وميسراً، كالحديث عن بقية العباقرة.

وعلى قدر ما تكون شخصيّة الامام عليّ(عليه السلام) أخّاذة لذوي الأفكار الرفيعة، محبوبة خلاّبة لذوي الفِطَرة النقيّة والطباع الكريمة، فهي تثير الغيظ في النفوس المدلهمّة المظلمة، وتستجيش عداوة الوصوليّين النفعيّين، وبغضاء ذوي الأغراض الدنيئة الهابطة، والنوازع المنحطّة.
إنّ التاريخ يجهر بأنّ أعداءه كانوا من حيث التكوين الروحي سقماء غير أسوياء نفسيّاً، ومن حيث التكوين الفكري منحرفين بعيدين عن الصواب، أمّا من حيث مكوّناتهم الشخصيّة فقد كانوا اُناساً تستحوذ عليهم الأنانيّة، يُنبئ باطنهم عن الفساد والأغراض الهابطة.
ويسجّل لنا النبي(صلى اللّه عليه وآله وسلم) بصراحةٍ لا يشوبها لبس أنّ بغض عليّ بن أبي طالب كفر، وأنّ مَن آذى عليّاً فقد آذاه، ليس هذا فحسب، بل أفصحت النصوص المعتبرة عند المسلمين أنّ أعداء عليّ بن أبي طالب بعيدون عن رحمة اللَّه سبحانه، وأنّ خسرانهم وسوء منقلبهم أمر لا ريب فيه، فمن يمُت على بغض عليّ(عليه السلام) يمُت ميتة جاهليّة، وبغضه علامة تجهر بنفاق صاحبها وفسقه وشقائه، بل أبعد من ذلك كله، فقد صرح وأخبر وروى كثير من العلماء أنه لا يبغضه (إلا ابن زنا) خبيث الولادة كما صرحت بذلك كثير من الاخبار والروايات.

صفات من أحبه وأبغضه
روى الصدوق (المتوفى 381).. أن جابر بن عبد الله الأنصاري كان يدور في سكك الأنصار بالمدينة وهو يقول: عليٌّ خير البشر فمن أبى فقد كفر، يا معاشر الأنصار، أدِّبوا أولادكم على حبّ عليّ، فمن أبى فانظروا في شأن اُمّه. (من لا يحضره الفقيه: 3/493).
– وروى أبو بكر بن مردويه الأصفهاني (410 هـ) بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أحمد، قال: سمعت الشافعي يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: قال أنس بن مالك ما كنّا نعرف الرجل لغير أبيه إلّا ببغض علي بن أبي طالب. (مناقب علي بن أبي طالب ص76).
– وروى الحافظ ابن الجزري الشافعي(المتوفى سنة 833 هـ) بإسناده عن عبادة بن الصامت قال:(كنا نبور- نختبر أو نمتحن- أولادنا بحب علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منّا وأنه لغير رشده)، وعلق الجزري قائلا: «هذا مشهور من قبل وإلى اليوم معروف ما أبغض عليّاً إلّا ولد زنا».. يعني أنّ هذا أمر مسلّم به كان يعتقده هو ومشهور بين الناس.( مناقب الأسد الغالب ص8).
– وروى ابن حجر المكّي (974هـ) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): – من لم يعرف حقّ عترتي فهو لإحدى ثلاث، إمّا منافق وإمّا ولد زانية، وإمّا امرؤ حملت به أمّه في غير طُهْر-. (الصواعق المحرقة ص242).
– وروى ابن عساكر (المتوفي 571 هـ) عن رسول اللَّه(صلى اللّه عليه وآله وسلم) – في علي(عليه السلام)-: (يا أيّها الناس، امتحنوا أولادكم بحبّه؛ فإنّ عليّاً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يُبعد عن هدى، فمن أحبّه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم ). (تاريخ دمشق: 42/288/8818).
– وروى الذهبي عن أبي مريم الأنصاري عن علي عليه السلام، قال: ((لا يحبني كافر ولا ولد زنا)). (ميزان الاعتدال: 1 / 236).
– نقل القندوزي (ت 1294): عن ابن عباس.. قال الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) لعليّ: – لَا يُحِبّكَ إلّا طَاهِرُ الْوِلَادَةِ، وَ لَا يُبْغِضُكَ إِلّا خَبِيثُ الْوِلاَدَةِ -.(ينابيع المودة: 1/ 397).

امير المؤمنين.. عمق لا يدرك
هذا أمير المؤمنين واحدُ دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب، والذين أبغضوه راموا صعباً، و قالوا إفكاً، و ضلّوا ضلالاً بعيداً، ووقعوا في الحيرة، إذ تركوا الإمام عن بصيرة (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) (العنكبوت: 38).
لذلك يعسر أو يمتنع على الإنسان مهما أوتي من قوة العلم، والفكر، وحول البيان، والفصاحة، ومهما أطال ومهما دقّق أن يحيط بجميع ذاته الفذة من سمو وتميز على سائر النوابغ… ومهما حاول الإنسان أن يحيط بجميع صفاته، قعد به العجز، واستولى عليه البهر، وتحكم فيه الضعف.
اشتهر(عليه السلام) بكل فضيلة من غير استثناء، وعرف بكل منقبة بحيث لم تبق منقبة لم يشتهر بها، وكان كما قال النظام: (علي بن أبي طالب، محنة على المتكلم: إن وفاه حقَّه غلا، وإن بخسه حقَّه أساء، والمنزلة الوسطى دقيقة الوزن، صعبة المرتقى، إلاّ على الحاذق الدين).( المناقب لابن شهرآشوب: 3/214 ).
وخلاصة القول ان مَنْ يريد أن يتحدّث عن جلال عليّ عليه السلام وفضائله يستبدّ به العجز، وتطوّقه الحيرة؛ فلا يدري ما يقول!

نشرت في الولاية العدد 88

مقالات ذات صله