الشيطان وعلاقته بالإنسان في كلام أمير المؤمنين عليه السلام

1768117-(1)

الشيخ حسن العيساوي

قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الشيطان وعلاقته وارتباطه بالإنسان في احدى خطبه الشريفة المباركة: (اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلَاكاً وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ) (نهج البلاغة: 57)

إطاعة الشيطان تلبّس فيه
في هذه الخطبة المباركة يظهر لنا إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) ما يصير عليه الانسان اذا وكل امره الى الشيطان ولم يتخذه عدوا يحاربه ويمتنع عن طاعته كما امرنا الله سبحانه وتعالى في سورة يس في قوله تعالى: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)- يس/60 -.
وعندئذ فان الشيطان سوف يأخذ زمام المبادرة ويجعل من هذا الانسان الذي لم يتخذه عدوا تحت امرته فتكون كل حركاته وسكناته وتصرفاته قائمة بامر الشيطان ليس له أي تصرف اخر من عنده في جوارحه وبدنه.
فهو يتحرك الى قبيح الاعمال لانه لا يطبق إلا ما يريده الشيطان منه والشيطان لا يرضى منه الا الحرام والمعصية والأمثلة على ذلك كثيرة وواضحة.
فالذي يعمل بالتجارة مثلا لا يرضى منه الشيطان الا بلقمة الحرام، ومع ان الشريعة الاسلامية تبيح له منافذ عديدة للربح مثل المضاربة، ولكنه بأمرٍ من الشيطان يرفض كل معاملة صحيحة تدر عليه الرزق الحلال.
وهكذا تصبح الأمور مملوكة للشيطان من دون أي قدرة لهذا الانسان للانتباه الى نفسه لأبعاد الحرام عنه لأنه اتخذ الشيطان وليا له.

خطوة اخرى لاحقة
ثم يقول صلوات الله عليه في الفقرة التالية: ان الشيطان بعد ان اتم الأمر بيده في كل التصرفات يبدأ معه مرحلة اعلى لانه لا يكتفي بذلك بل يتخذه شريكا فيصير هذا الانسان مرتكبا للحرام، وفي الوقت نفسه هو بذاته شركا لإيقاع الناس في الحرام، فيحاول بدفع من الشيطان ان يوقع اكثر ما يمكن من الناس فيه وبخاصة الذين ليس عندهم تديّن او الذين من ضعاف القلوب.
فالمرأة السافرة لا تكتفي بالتبرج وخلع الحجاب، وانما تحاول ان تجعل الناس ينظرون اليها فيقعون في المفسدة، وذلك بوضع الزينة واظهار مفاتن الجسم، وكذا الحال مع الذي يتعامل بالربا، إذ يرغّب الناس فيه حتى يفعلوه.
وهذه الحالة حصلت كما اوضح امير المؤمنين(عليه السلام) نتيجة للارتباط الوثيق والمدة الطويلة التي تستمر من دون طرد الشيطان عن مملكة النفس، فهو مستقر فيها، وقد عبر عنها بألطف تعبير واحسن تصوير عندما قال: (فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ) وهذا كناية عن المدة الطويلة التي عاشر بها الشيطان هذا النوع من الناس، كما يحدث للطير فانه يحتاج مدة طويلة حتى يبيض ويفرخ ويدبَّ ويدرج في عشه.

الشيطان ينطق بلسان الانسان ويرى بعينه
ثم يبين امير المؤمنين(عليه السلام) الحالة الخطيرة والمهلكة التي تحصل لمثل هذا الانسان بعد ان مرت به تلك المراحل، فان هذا الشخص سوف تصبح عينه شيطانية ولسانه شيطانيا ـ فهو لا ينظر بنظر الانسان الذي خلقه الله تعالى وهو يحب أخاه الإنسان، بل ينظر بعين معادية له، فيتمنى زوال كل نعمة عنه، وبذلك تكون نظرته نظرة حقد وحسد وبغض لكل انسان مهما كان دينه وعقيدته او قرابته منه.
وعندما ينطق فانه ينطق بالحرام والمعصية، فالغيبة والنميمة والفحش والكذب والبهتان امور تجري على لسانه وكأنها من الافعال الحسنة، بل يعتقد ان الحياة تكون حزينة وكئيبة من دون النطق بامثالها من المحارم.

ارتكاب القبيح يزين له الشيطان
ثم يقول عليه السلام ان الانسان يرتكب القبيح ويفعل المعصية بعد ان دفعه الشيطان، بل قد يزين له الشيطان اقبح الافعال التي تشمئز منها النفس، فقطع الرؤوس والتمثيل بها من اشد الأفعال القبيحة التي يرفضها كل انسان في هذه الارض، ولكن اعداء الاسلام يقولون: نحن من اهل الجنة والنعيم لأننا قطعنا رؤوس الاطفال والنساء والرجال، ولا يدرون ان ذلك من فعل الشيطان الذي زين لهم تلك الفظائع وشاركهم فيها كما يؤكد مولانا امير المؤمنين(عليه السلام).

نشرت في الولاية العدد 88

مقالات ذات صله