وسائل تحقيق الوحدة الإسلامية في المجتمع الإسلامي

الوحدة-الاسلامية

أ.م.د خليل خلف بشير

حرص الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلّم ) على تحقيق الوحدة الإسلامية، فقد جمع بين بلال الحبشي وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي وأبي ذر العربي، فلم يفرّق بين اللون والجنس واللغة، وكذا كان عنده المدني والمكي واليمني والبحراني وغيرهم بمنزلة واحدة، وهكذا كانت جميع الشعوب والطوائف منصهرة في بودقة واحدة تحت لواء (الناس سواسية كأسنان المشط).

ولم يكتفِ المشرع المقدّس بتشخيص الأسس التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية بل عُني إلى جانب ذلك بوسائل تحقيق هذه الوحدة وذلك بالدعوة الى ما يأتي:
أولا: بالحكمة والموعظة الحسنة:
انطلاقاً من قوله تعالى: (ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن – النحل /125) اعتمد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلّم) في مراحل قيام الوحدة على ثلاثة أساليب هي: (دعوة الإنسان إلى الرجوع إلى العقل والتدبر والتفكير) و(الاعتماد في الوصول إلى الحقيقة على الحجة والدليل والبرهان) و(الجهاد في سبيل الله لمواجهة الطغاة والجبابرة الذين يستخدمون القوة لقهر الناس على الضلال).

ثانيا: بالصلح والمساعي الحميدة:
ويأتي في طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والمساعي الحميدة التي يبذلها العقلاء والحكماء والمخلصون في سبيل تحقيق الصلح والوفاق والانسجام بين الأطراف المختلفة انطلاقاً من قوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)(الحجرات/9).
ثالثا: بالعفو والصفح:
إلى جانب الأسلوبين السابقين يأتي العفو والصفح بوصفه أسلوباً لحفظ الوحدة، ومعالجة قضايا النزاع والخلاف وأسبابه، ذلك أن الصفح والعفو أسلوبان للمحافظة على الوئام وإرجاع الأمور إلى أوضاعها الطبيعية، وإعطاء الفرصة مرة أخرى للعودة إلى الانسجام والتلاحم.
رابعا: بالوقوف في وجه العدوان:
إنّ الطغيان والعدوان من الأسباب المهمة للاختلاف والفرقة لاسيما إذا تحول الطغيان إلى حالة اجتماعية عامة من خلال دعم جهة قوية تقوم على الطغيان، كالحاكم الطاغية أو الجيش أو الدولة الذي يؤدي إلى تمزيق الأمة المحكومة نفسها، أو وجود الاختلافات والنزاعات بين أبناء الأمة أنفسهم، وقد تحدث القرآن الكريم عن هذا الموضوع، ووضع له المعالجات المناسبة سواء على مستوى الجماعات والأّمم أم على مستوى الأمة الإسلامية نفسها.
خامسا: بالاعتماد على العلم في معالجة الأحداث:
إن أحد أسباب التنازع والفرقة هو الاجتهادات الخاطئة والاعتماد على الشبهات والظنون لذا عالج القرآن الكريم سبب الفرقة والاختلاف بالدعوة إلى اعتماد العلم والبينة في معرفة الحقائق، والنهي عن اعتماد الظنون والاحتمالات والشبهات، وأنكر على الكفار والمشركين من أهل الكتاب إتباعهم للظنون في معالجة القضايا الحياتية المهمة، ودعاهم إلى أهل العلم والذكر عند عدم العلم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات/6)، وقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) (النحل /43).
سادسا: بالتعامل على أساس ظاهر الإسلام:
وفي هذا المجال يأتي النهي عن التجسس والغيبة التي هي عبارة عن كشف عيوب المؤمنين وأسرارهم فإن ذلك يأتي في طريق التعامل على أساس الظاهر وعدم التفتيش عن العيوب ما لم تتحول إلى أعمال ونشاطات تخريبية ضارة بالمجتمع، قال تعالى (وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (الحجرات /12). وبهذه الطريقة كان يتعامل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلّم) مع أبناء المجتمع الإسلامي، إذ كان فيهم الكثير من المنافقين وضعاف النفوس.
سابعا: بالتزاور:
كان النبي(صلى الله عليه وآله) مصداقاً للتزاور فقد كان يزور حتى اليهودي الذي يؤذيه ويشتمه، وزيارة المسلم لأخيه المسلم قربة لله تعالى؛ لأنّ المسلم عبد الله وفي خدمة الله فثوابه من تلك الزيارة الجنة، على أن الزيارات والمؤتمرات التي تتم بين علماء المسلمين من الشيعة والسنة لها دور كبير في إرساء دعائم الوحدة فقد انحسرت بسببها الكثير من الشبهات والتهم التي يتصورها بعضهم عن الآخر .
ثامنا: بالتعايش السلمي والاجتماعي:
لعل من أهم وسائل تحقيق الوحدة الإسلامية: وضع أسس وأساليب للتعايش الاجتماعي والسلمي بين أفراد المجتمع، والقرآن الكريم أول من طرح التعايش بين الناس أجمعين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم ولغاتهم وألوانهم وبلدانهم وقومياتهم وشرائحهم ومذاهبهم واتجاهاتهم السياسية والعقائدية، فقد دعا الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) الى إلغاء الفوارق القومية والقبلية والاجتماعية بين فئات المجتمع انطلاقاً من النظرية القرآنية التي تدعو إلى التعارف والوحدة، وتلغي الفوارق الاجتماعية في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى * وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا * إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقَاكُمْ * إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ- الحجرات /13).
ولما كان الإنسان اجتماعياً بطبعه فلا بد له من المخالطة لا سيما وأنّ المسافات قد تقاربت والمصالح قد تداخلت وأصبح العالم قرية صغيرة، فالإنسان مخيّر بين الانعزال والانكفاء على الذات أو الاجتماع والتعايش معهم بخلق حسن ومعاشرة طيبة، والإسلام دستور الحياة الإنسانية اختاره الله لها، وهو أعلم بمصلحة الإنسان من نفسه فقد وضع الحلول لكل مناحي الحياة، ومنها الاشتراك في الوطن مع الآخرين، ولهذا أخذ على الإنسان العهد والميثاق على أن يلتزم بالأسس الأولية الضرورية التي يحتاجها في تكوين المجتمع الصالح ليعيش هذا الإنسان مع الآخرين بوئام وانسجام.
الأخوة الإسلامية
لذا وجب أن تتحد مشاعر المسلمين جميعاً بأنهم إخوة بحكم الإسلام، وهذه الأخوة فوق الجنسية والعنصرية إذ إن أول عمل تكليفي مارسه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بعد الهجرة أن آخى بين المهاجرين والأنصار، وبين الأنصار بعضهم مع بعض، وبين المهاجرين بعضهم مع بعض، وبين الفارسي والعربي، وبين العبد والسيد ليشعر الجميع بأنّ الأخوة الإسلامية هي التي تجمع وغيرها تفرّق فضلاً عن وحدة أخرى تجمع بين المشاعر والأحاسيس هي الوحدة الثقافية واللغوية والاجتماعية بحيث يقرأ كل مسلم ما يقرأه الآخر، ويحاربون كل ما فيه هدم للإسلام، ويتفقون على ما فيه رفعة له، وإعزاز للمسلمين فهم (إخوة في الإنسانية، إخوة في الإسلام، وهم متساوون؛لأنهم عبيد إله واحد، وأبناء أب واحد وأتباع دين واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد، وتكاليفهم واحدة) .

نشرت في الولاية العدد 88

مقالات ذات صله