ملحمة الأدب الشيعي

لبيك-يا-حسين-قالتها-الجموع-المؤمنة-ما-بين-الحرمين-الشرفين8937---imamhussain.org

د. خليل المشايخي

ان أدب التمرد الشيعي على الظلم وليد عاطفة الغضب مثلما أدب الرثاء الذي هو وليد عاطفة الحزن. وقوام هذا اللون من الأدب انما هو في انكار ما يدعيه بنو امية وبنو العباس من حقهم في الخلافة بغير وجه حق، وحقهم في التحكم بمصير الناس، واثبات بطلان هذا الحق وهذا الإدعاء وكشفه بصراحة وشجاعة للناس.

لذلك انبرى هذا اللون من الأدب محتجا بقوة وشجاعة وبشكل منطقي قائما على الحقائق الدامغة والأدلة التاريخية الثابتة، وقد اعتمد في ذلك على صدق العاطفة والاسلوب الرصين والعبارات الجزلة وصولا الى قلوب الناس وتحريك غضبهم ضد هذه الزمر الآثمة فصوروا تصويرا بلاغيا بارعا ما ارتكبه ويقوم به هؤلاء من اثام ومظالم، فراح هذا الأدب يخاطب الشعب المبتلى بهؤلاء الظلمة الحكام ليثوروا ضد هؤلاء الزمر الظالمة المستبدة التي قطعت علاقتها مع الله تعالى واشترت الحياة الدنيا بعد ان باعت الحياة الآخرة، كما راح هذا الأدب يكشف الغبن الذي يلاقيه أفراد الأمة جراء تسليط هذه الزمر الجائرة..
لقد حاولنا في هذا المقال ان نورد ما صوره الشعراء من سياسة الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب وابنائهم عليهم السلام مع سياسة بني امية من ذلك قول الكميت بن زيد الأسدي:
ساسة، لا كمن يرى رعية      الناس سواء ورعية الأنعام
لا كعبد المليك او كوليد          او سليمان بعد، او كهشام
لقد بين الشاعر الكميت وبشكل صائب ودقيق سياسة هؤلاء الحكام الذين يعاملون الناس المسلمين معاملة الحيوانات.. ويستمر هذا الشاعر المجيد في تصوير سياسة هؤلاء الحكام الذين يخاطبون الناس على المنابر بالعدل والإحسان واحقاق الحق وهم ابعد ما يكونون عن ذلك في تصرفاتهم واقرب الناس من المعاصي وارتكابها والخوض في المحرمات فانبرى الكميت يخاطبهم بكل شجاعة:
مصيب على الأعواد يوم ركوبها           بما قال فيها مخطئ حين ينزل
كلام النبيين الهداة كلامنا                 وافعال اهل الجاهلية نفعل
ويمضي بكل جرأة وبسالة كاسرا حاجز الخوف من السلطة الحاكمة الجائرة فيخاطبهم:
فقل لبني امية حيث كانوا                وان خفت المهند والقطيعا
اجاع الله من اشبعتموه                   واشبع من بجوركم اجيعا
لكنَّ بني امية صبوا جام غضبهم على الشاعر الجريء فزجوه في غياهب السجن ونكلوا به وعذبوه، لكنه ظل وفيا لمبادئه ولحبه ال البيت عليهم السلام. بقي الأمويون حاقدين عليه ولم يشبع غريزتهم العدوانية تعذيبهم له وتنكيلهم به، لكنه لعمق ايمانه وجلادة صبره وقوة اسلامه لم يخش من تهديدهم ومن تعذيبهم، ومثله مثل الكثير من الشعراء المؤمنين الواقفين مع الحق لم يخشَ ابدا من هذه الزمر الغارقة في ملذاتها وجاهليتها ومعاصيها، فتحدى بعضهم فرسان الرذيلة والموبقات في عهد ملوك بني امية الذين اغتصبوا اموال الناس بالباطل وينفقونها على ملذاتهم وفي ذلك قال الشاعر عبد المحسن الصوري:
نفرٌ من أمية نفر الإسـ                ـسلام من بينهم نفور اباق
انفقوا في النفاق ما غصبوه         فاستقام النفاق في الانفاق
وقال الشاعر الكبير الفرزدق في الحاكم الظالم المستبد هشام بن عبد الملك:
يقلب رأسا لم يكن رأس سيد     وعين له حولاء باد عيوبها
لقد ساعدهم تمردهم على الجهر بما يرون ويلحظون، فإذا بهم يكشفون للناس حقيقة صوم هذه الزمرة الضالة وصلاتهم الكاذبة فازداد ادبهم قوةً وبسالة وراح لا يلين ولا يعبأ بظلم هذه الشرذمة الحاقدة الضالة فأخذ يكشف نواياهم واعمالهم الشريرة الظالمة البعيدة عن الإسلام وفي ذلك يقول الشاعر القاضي التنوخي في الخليفة العباسي:
نشا بين طنبور وزق ومزهر           وفي حجر شاد أو على صدر ضارب
ويقول:
بنا نلتم ما نلتم من امارة                فلا تظلموا فالظلم مر العواقب
ولما ملكتم صرتم بعد ذلة               اسودا علينا داميات المخالب
وكم منهل يزيد قد ابادت سيوفكم     بلا سبب غير الظنون الكواذب
وهذا الشاعر العربي الكبير الثائر الذي اوقف شعره على المظلومين من الناس بعامة، من اولاد الإمام علي عليه السلام بخاصة لأنه رأى الحقيقة ووقف على الحق وعرف اهله، فلذلك اهدر بنو العباس دم كل شاعر يحاول ان يبين حقيقتهم على سبيل المثال لا الحصر الشاعر الثائر دعبل الخزاعي الذي اهدر العباسيون دمه لانه هجا رؤوس الكفر والفسق والفجور الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق ووزراءهم وولاتهم جميعا على الرغم من انهم ارادوا ان يسكنوه ويمنعوه من القول فيهم وكشف اعمالهم المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه والله يقول:
اني لأفتح عيني، حين افتحها      على كثير ولكن لا ارى احدا
وهذا الشاعر الجريء الشجاع دعبل الخزاعي فضح افعال الرشيد وهجاه كما هجا المأمون هجاء موجعا وقال الشاعر دعبل في ابراهيم بن المهدي الذي بايعه العباسيون في بغداد ثم خلع عن الخلافة:
نفر ابن شكلة بالعراق وأهله       فهفا إليه كل أطلس مائق
أنى يكون وليس ذاك بكائن         يرث الخلافة فاسق عن فاسق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها         فلتصلحن من بعده لمُحارق
وقد عرف المعتصم بقوة بطشه وبعده عن شريعة الله تعالى فتوعد الخزاعي ان يقتله، فولى الشاعر هاربا فراح يبعث قصائده لثبت بين الناس بهجوه بقول موجع. وهذا شاعر المعرة الكبير أبو العلاء المعري يسجل في بعض ابياته قصة الطغيان من اجل الحكم في كل أدوار التاريخ ويؤنب الراضين به تأنيبا عنيفا وان غلف باللين لاستتاره بالسؤال:
أرى الأيام تفعل كل نكر                  فما أنا في العجائب مستزيد
اليس قريشكم قتلت حسينا           وكان على خلافتكم يزيد
وهال المعري خداع اهل الأمر من العباسيين وزيف الوجهاء ونفاق اصحاب المصالح ثم ما يلقنه السابقون للاحقين من شرائع يجعلها المستنفعون في خدمتهم:
اطاعوا ذا الخداع وصدقوه              وكم نصح النصيح فكذبوه
وجاءتنا شرائع كل قوم                 على اثار شيء رتبوه
وهذا الشاعر الكبير السيد حيدر الحلي يحاول في شعره استنهاض الهمم لدفع الظلم ودك معاقل الظالمين المتجبرين والوقوف بوجههم بقوة يقول:
إن لم أقف حيث جيش الموت يزدحم         فلا مشت بي في طرق العلا قدم
لابد أن أتداوى بالقنا فلقد                       صبرت حتى فؤادي كله ألم
مالي أسالم قوما عندهم ترتي               لا سالمتني يد الأيام إن سلموا
وكان وراء هذا التمرد القوي قوة ايمان بالإسلام وبالحق ومن كان يمثله وهو الإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وولده الأئمة البررة عليهم السلام، مما ولد ثورة عارمة على العباسيين الذين تجسد في مسيرتهم الظلم والخروج على ابسط المبادئ الإسلامية الحنيفة التي نادى بها الرسول الكريم صلى الله عليه واله طوال حياته والإمام امير المؤمنين علي وابناؤه عليهم السلام ولنا ان شاء الله تعالى وقفة اخرى وحديث اخر في هذا اللون من الأدب نسأل الله تعالى لكم ولنا التوفيق انه نعم المولى ونعم النصير.

نشرت في الولاية العدد 92

مقالات ذات صله