فيض الولادات المباركة

ولادات-شعبان

بدري البدري

مع إطلالة شهر النبي صلى الله عليه واله شعبان الخير والبركة والفيض الالهي بالعطايا والمنح الكريمة فيه من الرب المعطي بلا سؤال والمتفضل بلا من تنبثق في عالم الوجود ودنيا الكرامة الانسانية انوار محمدية كأن يد الغيب الالهية صاغتها واعدتها واخرجتها كواكب ونجوماً يهتدى بها منذ الولادة حتى الافول..

فشمس الولادة الحسينية بزغت في الثالث من شعبان الخير من السنة الثالثة للهجرة ليولد سبط رسول الله صلى الله عليه واله الثاني وسيد شباب اهل الجنة وخامس اهل العباء الذين اختصهم الله بالتطهير في كتابه المنير إذ قال تعالى في سورة الاحزاب: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
فكان الوليد المبارك من اهل بيت النبوة ومن اهل العصمة الذين اختارهم الله وجعلهم الصفوة من عبادة الذين يكملون رسالات الانبياء عليهم السلام.
انتظر الوالدان المطهران سيد البرية صلى الله عليه واله كي يسمي وليدهما المبارك وجاءت التسمية على لسان من لا ينطق عن الهوى، سماه حسينا على وزن الاسم الثاني لهارون النبي شبير ثم قبله واستبشر به وصرح بحبه وحب من يحبه وقرن حب النبوة والنبيّ بحبه وبغض النبي ببغضه فقال فيه وفي اخيه الحسن عليهما السلام (من احبني فليحب هاذين)، وفي نصوص اخرى قال صلى الله عليه واله: (من ابغضهما فقد ابغضني)، والمتأمل في احاديث النبي صلى الله عليه واله بحق سبطيه يعلم علم اليقين انه لا يريد بذلك الحب المتعارف بين الوالد وولده فهو من الامور البديهية التي لا يختلف في فهمها اثنان انه وبلا شك اراد من ذلك الحب والمودة المتشعبين من حب المؤمن ومودته لله ورسوله، انه صلى الله عليه واله اراد بحب المؤمن لسبطيه حبه للرسالة ورسولها ولأن الحسين عليه السلام من رسول الله اعني بذلك ان دين الحسين هو دين جده ورسالته هي رسالة جده ويأتي معنى ذلك جليا من معرفة الامامة والامام وهي امتداد للرسالة والرسول ومن هنا كان قول الرسول صلى الله عليه واله الحسن والحسين امامان ان قاما وان قعدا، فصار واجبا حب الحسين لأنه حب للرسول ورسالته وبعض الحسين خروج عن الدين لأنه بغض للشريعة وصاحبها.
ولحديث الولادة المباركة لسيد شباب اهل الجنة فرحة وسرور في قلب كل مؤمن ومؤمنة انها فرحة من الدين والى الدين فرحة بالوليد الطاهر المبارك الذي حمل اعباء رسالة جده فكان استمرارها بعطائه وجهاده ودمائه وتضحياته الجمة بنفسه واهل بيته، انها فرحة بالوليد الخالد الذي لم يعتريه موت ان الحسين عليه السلام ولد فكان الوليد الحي وهب الحياة الخالدة لنفسه ولدين جده وامته.
وكأن الأمر مرتب ومدبر بتدبير الله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) فحين نذكر الحسين عليه السلام نردفه بذكر اخيه العباس وحين نزور الامام الشهيد نزور معه اخاه وحامل لوائه وحين نذكر طف كربلاء نذكر من ابطالها ابني علي عليهما السلام هازم الاقران وكاشف الكرب عن وجه اخيه السبط الشهيد وحين يعرض شرب الماء نذكر للعباس رمي الماء وعدم الارتواء..
السلام على الامام الحسين وعلى اخيه ابي الفضل العباس، هكذا هو رد الجميل لبطل الايثار، تتوالى ولادة نور البطل الهاشمي بعد ولادة الامام الحسين عليهما السلام، هي ارادة الله وتقديره بعد ثلاثة وعشرين عاما، الثالث والرابع من شهر شعبان على مدى السنين كي يذكر الامام والمأموم معاً بلا فصل كي تذكر الاجيال كيف عرف العباس عليه السلام دينه وامامه وعقيدته فضرب اروع الامثلة في البطولة والايثار بأروع صوره وأجلى مفاهيمه.
ولرابع الأئمة فرحة الميلاد في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ولد الامام علي بن الحسين عليهما السلام في ايام جده علي بن ابي طالب عليه السلام قبل شهادته بسنتين لينهل من نور امام المتقين عامين ومن سبط رسول الله الاكبر اثني عشر عاما وبقي مع ابيه السبط الشهيد ثلاثة وعشرين عاما، عاش الامام السجاد عليه السلام سبعة وخمسين عاما كلها عطاء وعلم وجهاد امضى ايامه ساجدا لربه في كل بلية ونعمة فلقب بسيد الساجدين وكان انموذج العابد لربه فلقب بزين العابدين، كتب عن حقوق الانسان الوالد والوالدة والابن .. الخ، فكانت له ابلغ واكمل رسالة في الحقوق، دعا ربه وناجاه ببليغ الكلمات فكانت له اشمل وارق الوان مناجاة التائبين والراغبين والمنيبين.
وفي الحادي عشر من شهر النبي ميلاد من شابه اكمل الخلق واجمل صورة لإنسان براها الله تعالى بحلو الصفات والشمائل فكان كما يذكر التاريخ قد حاز بنسخة من تلك الصورة الملكوتية لسيد الكائنات كان اشبه الناس به خلقا وخلقا ومنطقا.
ولعلي بن الحسين الاكبر الشهيد نصيب من حياة الخلود فهو جزء مهم من ثورة الخلود والعطاء ولكلمته مع ابيه الامام عليه السلام صدى باق ومؤثر مدى الدهر: ابه اولسنا على الحق قال بلى وحق جدي انا على الحق، قال اذا لا نبالي اوقعنا على الموت ام وقع الموت علينا.
وللأمل الموعود والمؤمل لدولة الحق والفضيلة والمنتظر لإحقاق الحق ونصرة المظلوم زين المؤمنين وطاووس اهل الجنة فرحتان فرحة بميلاده وفرحة للقلوب التي تهفو اليه والعيون التي تتطلع الى لحظة لقائه حيث الفرج بعد الكرب والنصرة بعد الحيف والقسط والعدل بعد ظلم وجور امتد لقرون من الزمن.
انها فرحة وسرور بالولادات الميمونة بدايتها مولد لسبط النبي صلى الله عليه واله الذي احيا دينه بملحمة هي في تاريخ البشرية وترٌ لم تشفع، ونهايتها ولادة يتم الله بها رسالات الانبياء والاوصياء معا وعلى يديه يأخذ الله ثأر الدين والوتر الموتور، ونشيد الأيام ومسك الختام بدعوة الظهور ولحظة القيام الله بلغه عنا تحية وسلاما وعجل فرجه يا كريم..

نشرة في الولاية العدد 94

مقالات ذات صله