سور النجف الأشرف

10440269_682252801830004_5228462022325508797_nتحقيق: علي الوائلي

بعد تهافت المؤمنين من كل بقاع العالم نحو مرقد امير المؤمنين عليه السلام في مدينة النجف الاشرف بين زائر ومجاور او طالب علم، وتربعها على مشارف الصحراء درة وضاءة تستمد من ضياء قبة المرقد الطاهر الذهبي ألقها .. توالت هجمات الطامعين والغزاة عليها للنيل من ألقها وعنفوانها، وصار لزاما على الاهالي ان يحصنوا مدينتهم ويدافعوا عنها فبنيت لذلك العديد من الاسوار لتكون سدا منيعا امام تلك الهجمات التي كان من اهمها الغزو الوهابي..

واليوم لم يبق من هذه الاسوار التي حصنت مدينة النجف الاشرف طوال تاريخها الا بعض اثار سورها الاخير مما دفعنا الى ان نقوم بجولة لتلك الاثار ونبحث عن تاريخها واهميتها وما قدمته للمدينة من شرف حمايتها وتحصينها من كل سوء، وكذلك ما يحمله من سفر تاريخ يمتد لبدايات نشأة هذه المدينة وما سطره ابناؤها من ملاحم ومواقف بطولية وصولات ضد البغي والضلالة، وقد كان آخرها تصديهم للقوات الانكليزية الغازية..
بدأنا الجولة بزيارة اطلال السور المتبقية لنبحر بعدها الى ما كتبه المؤرخون عنه، حيث يذكر الشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبه في كتابه ماضي النجف وحاضرها عن هذه الاسوار اذ يوضح: بان السور الاول هو سور محمد بن زيد الداعي واما السور الثاني فقد شيده ابو الهيجاء عبد الله بن حمدان حول المرقد العلوي وجعل عليه حصنا منيعا والسور الثالث هو سور عضد الدولة اذ قام بتحصين مدينة النجف الأشرف ورد العادين عنها حينما عمر المرقد العلوي، وهو حصن المشهد ببناء سور منيع له، والسور الرابع فقد بناه ابو محمد الحسن بن سهلان وزير سلطان الدولة بن بويه الديلمي ويظهر من بعض القصص ان هذا السور استمر الى اواخر القرن السادس الهجري والنجف مسورة من عهد الرشيد الى سنة 1357 فيما بنى أويس الجلائري السور الخامس، اما السور الاخير وهو السور السادس ـ وهو الحاضر الان ـ فلما كان السور المتقدم منخفضا ولم يكن محكم المنع لعدم ارتفاعه الا عن سرية عابرة وجيش غير مرابط ولكثرة هجمات الوهابيين قام الصدر الاعظم الحاج محمد حسين العلاف الاصفهاني ببنائه.

صد الغزو الوهابي
وأكد الباحث والمؤرخ الدكتور عبد الهادي الابراهيمي بان هذا السور الاخير الذي بني والتي بقيت للآن اثاره فهو السور الذي بناه الصدر الاعظم الحاج محمد حسين العلاف الاصفهاني وهو كان يومئذ وزيرا للشاه او السلطان محمد علي القاجاري، فقد ابتدأ العمل بهذا السور في سنة 1217 واكتمل في سنة 1226 اي في القرن الثالث عشر، وقد بني السور من الحجارة والجص وغلف بالآجر ودعم هذا السور بابراج، وهذه كما في اللهجة النجفية تعرف بالقولات وهي لفظة تركية الاصل وفي الابراج اعلى السور توجد فتحات وهذه الفتحات هي للمراقبة ولرمي الغزاة, هذا السور الهدف منه كان لصد غزوات الوهابيين والاعراب في ذلك الوقت ومن اجل حماية المرقد المقدس وزائريه وسكان المدينة، واثبت نجاحه في هذا الامر كما ان لهذا السور اربعة ابواب الباب، الاول هو باب المشهد الكبير هذا الباب الذي يقابل الكوفة وهو الباب الرئيس للبلدة وباب اخر هو باب الثلمة من جهة بحر النجف من جهة محلة العمارة وهناك باب السقائين وهو من الجهة الجنوبية من جهة محلة الحويش وكان السقائين ينزلون الى بحر النجف لجلب الماء باعتبار ان مدينة النجف الأشرف تعتمد على الآبار، والابار بطبيعتها تقترب للملوحة عنها من العذوبة، والباب الرابع وهو الباب الاخير وهو باب العلى فهذا من جهة مقبرة وادي السلام.

%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a8%d8%af%d8%a7%d8%b92_1

الثلمة في السور
ويذكر ايضا صاحب كتاب تاريخ النجف الاشرف الشيخ محمد حسين حرز الدين في كتابه : ان في سنة 1788م تم بناء سور للمدينة بأمر الوزير سليمان باشا وكان السور منخفضا جدا ولا يؤدي دوره في صد الهجمات والغارات التي يشنها الاعراب على المدينة وهو السور الخامس، فيما يذكر ايضا ان الحاج عبد السميع الاصفهاني حينما زار المدينة في سنة 1838م عمر القطعة الغربية المنهدمة من السور وهو السور السادس والاخير ويضيف حرز الدين انه كان مقدار من السور من الجهة الغربية قد انهدم فصارت ثلمة كبيرة بالسور ابتداء من قبر اليماني الى باب السور الغربي الشمالي القديم المعروف بالباب الصغيرة واشتهرت هذه القطعة المنهدمة بالثلمة واشترط الحاج عبد السميع ان يخرج منها بابا للاستقاء من ماء البحر.
فيما يوضح الحاج عبد الحسين محبوبه الذي واكبنا في تحقيقنا هذا عن ذكرياته في صغره في هذه المدينة وسورها اذ بين لنا قائلا: ان من السوق الكبير للميدان كانت هناك فتحة امام ساحة الامام علي عليه السلام وقد كان السور موجود هناك ولا زلت اتذكره وهناك بوابتين للسور كانتا الى الشرق منه واحدة امام المقبرة والاخرى امام فندق السلام الموجود حاليا وهناك فتحة للمقابر والمغتسل الحيدري يدخل سوق المشراق وهنا كان يوجد بناء من طابقين، وان الطابق الثاني استخدم مرة مقرا حكوميا للموظفين ومرة اخرى كمركز أمن.

الرمز المهمل المشرف على الانقراض
اهالي النجف الاشرف ومنهم رجل الاعمال عماد سكر اشار بقوله ان هذا السور هو رمز للنجف الأشرف، ففي كل دول العالم ومدنها هناك معالم تاريخية يجب الحفاظ عليها وتطويرها لكن سور النجف الأشرف مهمل، ويكاد ان ينقرض بسبب هذا الاهمال وعدم المحافظة عليه، وعتبنا على السياحة والشؤون الدينية والحكومة المحلية، اللتين تغافلتا عن معلم مهم من معالم النجف الأشرف فلهذا السور وقع تاريخي على هذه المدينة المقدسة النجف الاشرف.
فيما يشير الشاعر والاديب ضرغام البرقعاوي بان سور النجف القديم الذي لم يبق منه سوى الاطلال تبكي المتتبع والمتابع للمعالم النجفية وتدمي عينيه فالحقيقة ان سور النجف الأشرف اقترن بحقبة مهمة من جهاد هذه المدينة الباسلة واقترن بتاريخ حافل بالمنجزات وحافل بمقارعة الغزاة والوهابيين ومن لف لفهم، سور النجف القديم كان يحتمي به أهالي المدينة العزل من خلف هذا السور الكبير، والمجاهدون من ابناء النجف الأشرف كانوا يقفون سدا منيعا لصد الهجمات الوهابية لاربع مرات وكان له دور في مقارعة الاحتلال البريطاني وكان ايضا يحمي سكان المدينة من الوحوش الضارية فلذا يجب المحافظة على ما تبقى من هذا السور لأنه يشكل معلما مهما و يشكل تاريخا مهما لهذه المدينة ويشكل دلالة واضحة وعلامة مضيئة من تاريخ هذه المدينة .

نشرت في الولاية العدد 95

مقالات ذات صله