تهديم قبور أئمة البقيع.. غصـة في قلوب المؤمنين

400844

الشيخ بدري البدري

تحكم الفكرة الانسانية السليمة فضلا عن انتماء صاحبها الى الدين الاسلامي الحنيف وعقائده الحقة بتمجيد وتعظيم الشخصيات المبدعة والمنتجة والمؤسسة لكل فضيلة، ويكون ذلك بمختلف الوسائل والادوات يبدأ من الذكر الحسن لتلك الشخصيات ويكون ذلك من خلال اقامة المحافل والمؤتمرات والقاء الكلمات من فوق المنصات والمنابر المهيأة لذلك، التي تقوم بدورها بطرح السير والاثار الكريمة للشخصيات التي أسست لحضارة الانسان فضلا عن حضارة الاسلام وكل ذلك من باب رد الجميل والاحسان هذا حكم العقل ومنطق القرآن الكريم، هل جزاء الاحسان الا الاحسان وهل هناك فرد خدم الانسان والانسانية كسيد المرسلين صلى الله عليه واله وهل هناك ال بيت قدموا الخير والفضيلة بأشكالها والوانها حيث اصبحت كل الصفات الطيبة والفضائل تنتهي اليهم كآل بيت النبي صلى الله عليه واله الذين رفع الله قدرهم في كتابه الكريم بقوله (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ){النور/36}.

 زيارة القبور:
وأكرم البيوت ذلك البيت اعزه وكرمه وخصه رب العزة بآية التطهير بقوله عز وجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) {الأحزاب/33}.
ومن تكريم اولئك الاطهار الذين احتاجت الامة الى علومهم وحكمهم واخلاقهم وسيرهم وجميع فضائلهم ما تسد به نقصها وهم في غنى عن الامة جميعها، رفع بيوتهم واضرحتهم وجعلها قبابا ومنائر كي يقصدها العارف بهم ويحج اليها طالب الفضل والفضيلة، وهذه سنة الله في عباده، وسيرة نبيه في امته الذي صح عنه قوله: (اني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها تذكركم الاخرة)(سنن ابن ماجة: 1/500)، ثم ان له صلى الله عليه واله سنة واضحة في الحث على زيارة قبور المؤمنين عامة ورموزهم خاصة واكرم رمز للأمة واعظم فرد شخص الرسول صلى الله عليه واله الذي قال: (من زار قبري وجبت له شفاعتي)، وقال (من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)(ابن عدي في الكامل: 7/2480)، وقال صلى الله عليه واله: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني وأنا حي) وفي هذه الاحاديث كفاية وايضا ورد عن فاطمة الزهراء عليها السلام انها كانت تزور قبر عمها حمزة تَرِمُهُ، وتصلحه، وقد تُعلِمنه بحجر (وفاء الوفاء لابن ابي شيبة: 2/112).
ومن هنا فقد تبين استحباب زيارة قبور المؤمنين وتخليد ذكر عظمائهم ولازمه بناء قبورهم واضرحتهم كي تكون مقاصد المؤمنين ومنائر هدى لهم كما كانوا في حياتهم، وهذا يدخل في معنى احياء الشعائر في قوله تعالى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) {الحج/32}.
وقد دأبت الامة بعلمائها وعقلائها على الاهتمام بقبور الأولياء وبناء اضرحتهم في كثير من البلاد الاسلامية الا فرقة مبتدعة ضالة شاذة ادخلت في الدين ما ليس فيه فقالت بحرمة البناء على القبور وكفرت من يقوم بذلك ووصفت فعله بالشرك فرقة يرأسها الضال المنحرف عن شريعة الاسلام محمد بن عبد الوهاب.
حقد لآل محمد عليهم السلام:
ومن لديه ادنى إطلاع بتاريخ الاديان السماوية لا يجد اي ادلة شرعية او مبرر عقلي لأفعال هذه الجماعة الضالة الا ان تكون الدوافع سياسية بحته وعدائية محضة فان القوم ابناء القوم، فللحقد الاموي والعباسي تاريخ مسجل تشمئز منه صفحاته، وخير شاهد افعال الامويين مع زيد الشهيد عليه السلام، وقبلها تغييب قبر أمير المؤمنين عليه السلام الى ان اظهر للعامة في عهد اللارشيد العباسي، ثم فعل العباسيين المشين الذين تتبعوا قبر وتراب امامنا سيد الشهداء الحسين عليه السلام لطمس اثاره في زمن المتوكل وانى يكون ذلك لنور الله الذي لا يطفى، وجاءت فتاوى الوهابيين من وعاظ إلى العربان حكام الجزيرة بجواز تهديم قبور الصالحين وعلى رأسهم ائمة الهدى ومن نزل الكتاب في ابياتهم سيد شباب اهل الجنة الامام الحسن المجتبى الذي قضى مسموما ومنع من دفنه عند قبر جده المصطفى صلى الله عليه واله وزين عباد الأرض من ال رسول الله علي بن الحسين السجاد عليه السلام، وباقر علوم الأولين والاخرين من ال طه ويس وسادس اوصياء خاتم الرسل ومن ينسب المذهب الجعفري اليه جعفر ابن محمد الصادق عليهم السلام جميعا اضافة الى قبور الصالحين كالعباس عم النبي وفاطمة بنت اسد وفاطمة بن حزام ام البنين وغيرهم.
لم تكن تلك الحملة الرعناء الشوهاء في تاريخ الاسلام الا وصمة عار تلاحق حكام الجزيرة وعلماء جهلهم وسوئهم الذين اخذوا الحظ الأوفر من الحقد الجاهلي بمختلف مسمياته الأموية والعباسية والوهابية، فهم اجتمعوا تحت راية ضلال واحدة هدفها دفن للفضيلة والشجاعة والاباء المتمثلة بمحمد صلى الله عليه واله وعترته، اخرجوهم من الحياة قتلا وسما وتشريداً وتتبعوا اثارهم لطمسها لا لرأي شرعي ولا ترجيح عقلي وانما علموا ان الناس تهوى الفضيلة واهلها (وجعل افئدة من الناس تهوي اليكم)، فكانت فاجعة تهديم قبور اوتاد الأرض من ال الرسول في البقيع الغرقد الذي يبعد عشرات الأمتار عن قبر سيد الشريعة صلى الله عليه واله في الثامن من شهر شوال سنة 1344هـ.
ولم يكن الأول في جريمتهم فلقد حاولوا مثلها في النجف وكربلاء وغيرها، لكن البقيع وهدم الأضرحة الطاهرة فيه بقي على حاله ما قامت قبابه ولا ارتفعت منائره وبقي محاصراً بشرطة ابي جهل ومعاوية وابناء عبد الوهاب ينتظر من يحرر ويسمو بأبنية مجد له تناطح السحاب علوا وارتفاعا.

نشرت في الولاية العدد 96

مقالات ذات صله