الإمام علي سيف الله وفارس العرب الأول

%d9%85%d9%88%d8%b6%d9%88%d8%b9-%d9%87%d8%b4%d8%a7%d9%85

هشام كمون

شهد التاريخ الإسلامي العديد من الحروب والغزوات في صدر الاسلام كانت فيها إمكانيات المسلمين أما متواضعة من الناحية العسكرية أو من الناحية العددية، وعلى الرغم من هذا كانت كفة المسلمين أرجح في معظم الغزوات، ولعل بروز القادة والمحاربين الأبطال كانت ما ترجح كفة المعركة في كثير من الأحيان ولا سيما في غزوات الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ومن هؤلاء الأبطال المجاهدين يقف الإمام علي(عليه السلام) في مقدمتهم، لا غرو وهو الذي يتمتع بكل الصفات البطولية ففي الصعاب ومحنها كان العون والقاصمة لظهر النوائب والحاضر في الشدائد والراية العليا في ساحات القتال، فقيل عنه (عليه السلام) انه كانت له ضربتان : إذا تطاول قد وإذا تقاصر قط، فضلا عن ذلك ان الإمام علي (عليه السلام) كان يشهد له الجميع بما يتمتع من حسن القيادة وصفات الشجاعة والتخطيط المسبق للحروب وغيرها من أسباب نجاح المسلمين وغلبتهم في معاركهم التي أسسوا بها أمة المسلمين ودحر الكفار والمشركين.

من المتعارف عسكريا أن الحروب والغزوات وما تحققه من نتائج ايجابية وانتصارات تحتاج الى العديد من المقومات كي يتحقق النصر، لهذا عمد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى استراتيجيات في مرحلة تسلمه الخلافة ترتكز على عنصرين أساسيين الأول إظهار قوته وعزمه للقضاء على عناصر الفتنة والتوتر بإظهار الاستعداد التام للقتال و التهيؤ له وثانيهما انذار الخارجين عن طاعته وسلطته ومحاججتهم وإعطاؤهم الفرصة للعودة إلى طريق الحق الذي يدعو إليه وهو ما فعله دائما ولم يتراجع عنه طيلة فترة الصراع التي استغرقت سني خلافته.

صفات الإمام العسكرية:
يتمتع الإمام علي(عليه السلام) بصفات القيادة الحربية وهي الصفات التي يقتضي ان يمتلكها كل من أنيطت له امامة الأمة وقيادتها نحو النصر المؤزر، ولم تقتصر صفاته على جانب ملزم للقيادة كالشجاعة بل تعدتها إلى صفات لم يكن لأي عسكري آخر ان تجتمع فيه بهذا القدر من الصفات كرباطة الجأش والثبات عند المنازلة والقدرة على رصد العدو للتمكن منه والسيطرة على ما يقع أمامه في ساحة الحرب فضلا عن امكانيته الفذة في فهم ظواهر الحرب المستجدة والطارئة، واسلوبه المرن الفعال باستشارة قادة جيشه ومشاركتهم حمل المسؤولية وتوخي الهدف والثبات عليه…

الاهتمام بمعنويات المقاتل:
إن المقاتل في ساحات القتال يعيش أجواءً غير التي يعيشها أي شخص غيره فهو يواجه كل الظروف الصعبة الطبيعية وغير الطبيعية كالبرد والجوع والحصار والترويع وقلة الدعم وغيرها من مستلزمات المواجهة في الحروب، لذلك يحتاج المقاتل إلى دعم معنوي مستمر في ساحات القتال وبخاصة من قادته كونهم المسؤولين عن قرارات التحرك والتنقل والهجوم، فالجندي يستمد طاقته وقوته منهم لذلك نجد ان أمير المؤمنين (عليه السلام) اضافة الى مهامه القتالية والسياسية كان السبب الرئيس لمد المقاتلين بالطاقات المعنوية من خلال حثهم على قراءة القرآن الكريم والتقرب لله تعالى حتى في أوقات المنازلة والاشتباك مع العدو بطرائق المتقين المقبلين على ملاقات ربهم، فكان يبلغهم قائلاً: (ألا إنكم لاقوا العدو غدا إن شاء الله فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا تلاوة القرآن واسألوا الله الصبر والنصر وألقوهم بالجد والحزم وكونوا صادقين). إضافة إلى ذلك إن المقاتلين لم تغب عنهم نصائح الإمام فغالبا ما كان يحذرهم من العدو وعدم التهاون معهم والتمسك بإرشاداته القيمة النافذة ليومنا هذا منها :
– لا تأمن عدوا وإن شكر
– شر الأعداء أبعدهم غورا وأخفاهم مكيدة
– لا تستصغرن عدوا وإن ضعف
– لا تعرض لعدوك وهو مقبل فإن إقباله يعينه عليك ولا تعرض له وهو مدبر فإن إدباره يكفيك أمره.

الاستشارة مع القادة:
تعتبر الاستشارة من عوامل النجاح في النظم السياسية والاقتصادية والعسكرية وغيرها من مرافق الدولة لما لهذا العامل من أهمية في تقارب الأفكار وترجيح الآراء ونضجها، فعندما عزم أمير المؤمنين(عليه السلام)المسير إلى الشام دعا قادة الأنصار والمهاجرين وقال لهم (أما بعد، فإنكم ميامين الرأي ، مراجيح الحلم، مباركو الأمر ، ومقاويل بالحق ، وقد عزمنا على المسير إلى عدونا وعدوكم، فأشيروا علينا برأيكم)
فكان أول من أدلى براية هاشم بن عتبة وقال: أما بعد يا أمير المؤمنين، فأنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك …
وقام بعده عمار بن ياسر وقال: يا أمير المؤمنين، إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا فافعل، اشخص بنا قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، وادعهم إلى حظهم ورشدهم ….
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة وقال : يا أمير المؤمنين، انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج، فوالله لجهادهم أحب إليّ من جهاد الترك والروم، لادهانهم في دين الله، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله ..
وكانت هناك آراء كانت تدعو الإمام إلى التريث وعدم المسير إلى الشام وهم عبد الله بن المعتم و حنظلة بن الربيع….

اختيار الجنود وانتخابهم:
يذكر الشيخ المنتظري في كتابه نظام الحكم في الإسلام أن من وظائف الإمام أو الحكومة الإسلامية إجمالا هو إعداد العدة والعدة بقدر الكفاية ، فنقول : دفاع الإنسان عن نفسه وعما يتعلق به أمر يحكم بحسنه وضرورته العقل والفطرة . بل الحيوانات أيضا مفطورة على ذلك. والله تعالى أودع في بناء روح الإنسان قوة الغضب لينبعث قهرا إلى الدفاع عن نفسه، فكما يحتاج الفرد إلى الدفاع عن منافعه ومصالحه، فكذلك الأمة تحتاج إلى القوة العسكرية الراقية.
ولكن الجنود والأجهزة العسكرية يجب أن تجعل في خدمة الشعب والدين الحق لا في خدمة الأشخاص، ولا وسيلة للتجاوز على الحقوق والتسلط على البلاد والعباد بالظلم والفساد.
قال الله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (الأنفال/60) فالآية الشريفة تتضمن نكات :
أ – ضرورة القوة العسكرية ، حيث إن المجتمع الإنساني يتألف من أفراد وأقوام مختلفين في الطباع والأفكار والأهواء، ويوجد بينهم التضاد في المنافع فلولا إعداد القوة لتجرأ الطرف على الهجوم والغلبة.
ب – والواجب هو إعداد القوة بمفهومها الوسيع، وهي كل ما يتقوى به على حفظ النظام والدفاع عنه من أنواع الأسلحة الراقية وإحداث الجامعات والمعاهد الحربية وتربية الرجال المختصين حسب اقتضاء الأحوال والظروف.
ج – الآية تخاطب الأمة لا النبي (صلى الله عليه وآله) أو إمام المسلمين فقط، فتشعر بأن هذه الوظيفة على عاتق كل فرد من آحاد المسلمين على حد استطاعته؛ وإن كان التصدي لبعض شؤونها من وظائف الحكومة.
د – إن إعداد القوة ليس لإشعال نار الحرب، بل الغرض إرهاب العدو الموجود أو المحتمل وإخافته جدا .
ه‍ – إن العدو لا ينحصر فيمن يعلم عداوته، بل لعل بعض من يظنه الإنسان مسالماً مواليا، يكون بحسب الواقع من ألد الأعداء، ولعل التهيؤ في قبالهم يحتاج إلى مؤونة أكثر .
و – إن إعداد القوة يتوقف على نفقات كثيرة لا يتمكن منها إلا بالتعاون الاجتماعي وتطوع الجميع. وإطلاق قوله تعالى: (وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ) يشمل إنفاق الأموال والنفوس وغيرهما. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : . . . ألا إن الله – عز وجل – ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة : عامل الخشبة، والمقوي به في سبيل الله، والرامي به في سبيل الله»..
ويضيف الشيخ المنتظري: من تسويغ الإسلام للرهان والسبق في الخيل والخف والرمي بل ترغيبه فيه مع تحريمه الرهان في غير ذلك يعلم مقدار اهتمام الإسلام بتدرب المسلمين في فنون الحرب. والإسلام بإيجابه الجهاد على المسلمين جعل المسلمين بأجمعهم جندا واحدا للإسلام.
ومن أحسن الجيوش وأنجحها الجيوش المتطوعة المقبلون على الجهاد والدفاع محتسبين به الله تعالى بالإيمان والإخلاص، حيث إن سلاح الإيمان من أقوى الأسلحة وأقطعها.
ويظهر اهتمام الإسلام بأمر الجند من وصية أمير المؤمنين في كتابه (عليه السلام) لمالك الأشتر فقال : فالجنود – بإذن الله – حصون الرعية، وزين الولاة، وعز الدين، وسبل الأمن، وليس تقوم الرعية إلا بهم . ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقوون به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم، ويكون من وراء حاجتهم… فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك، وأنقاهم جيبا، وأفضلهم حلما ممن يبطئ عن الغضب ويستريح إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الأقوياء، وممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف…».

نشرت في الولاية العدد 96

مقالات ذات صله