من تاريخ المرقد العلوي

_mg_0716

السيد محمد بحر العلوم

مرقد اراده الله ان يكون جنته في الأرض وبقعة من بقاعه التي عظمها، مرقد توارى فيه جثمان نفس الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله علي بن ابي طالب عليه السلام.
بمرور الأعوام طرأت على المرقد الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام كثير من التغييرات وتعرض لكثير من الاحداث وللوقوف على اهم تلك التغييرات اعتمدنا المادة التاريخية الخاصة بالمخطوطة التي اعدها السيد محمد صادق بحر العلوم(قدس سره) عن تاريخ اعمار العتبة العلوية المقدسة..

ذكر ابن طاووس في فرحة الغري ما مجمله ان الحسن بن زيد وأخاه محمد الداعي(2) – الذي قتل في وقعة اصحاب السلطان وقبره بجرجان- أظهرا المشهد الشريف الغروي ايام المعتضد، ويظهر من كلام ابن طاووس (رحمه الله) ان من جملة من بنى قبر الامير من بعد الرشيد الحسن بن زيد الداعي، ثم من بعده اخوه محمد بن زيد الداعي صاحب الديلم انتهى(3).

بناء عضد الدولة البويهي(4)
ذكر ابن طاووس رحمه الله أن عضد الدولة تولى عمارته وأرسل الاموال وتاريخ فراغه مكتوب على حايط القبة مما يلي الرأس الكريم قَدَر قامة عن الأرض… وذكر (الديلمي) في (ارشاده) بعد ذكر بناء الرشيد من قوله وأمر ان يبني فيه قبة بأربعة ابواب وبقي الى ايام السلطان عضد الدولة فجاء وأقام في ذلك الطريق، قريباً من سنة هو وعساكره فبعث فأتي بالصُنَّاع والفَعَلة من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف اموالاً كثيرة جزيلة وعمرها عمارة حسنة(5).
وقال: وذكر ابن طاووس رحمه الله ما نصه: ان زيارة عضد الدولة للمشهدين الشريفين الطاهرين الغروي والحسيني في شهر جمادى الاولى سنة371 وورد الحاير الحسيني لبضع بقين من جمادى فزاره وتصدق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم، وجعل في الصندوق دراهم ففرقت على العلويين فأصاب لكل واحد منهم اثنين وثلثين درهما، وكان عددهم الفين ومأتي اسم، ووهب الاعوام، كذلك وللمجاورين عشرة الاف درهم وصرف على اهل المشهدين من الدقيق والتمر مائة الف رطل، ومن الثياب خمسمائة قطعة واعطى الناظر عليهم الف درهم وخرج وتوجه الى الكوفة لخمس بقين من جمادى الاخرى(6) ودخلها وتوجه الى المشهد الشريف الغروي يوم الاثنين ثاني يوم وروده، وزار الحرم الشريف وطرح في الصندوق دراهم، فأصاب كل واحد منهم واحدة وعشرون درهما، وكان عدد العلويين الفا وسبعمائة اسم وفرق على المجاورين خمسة الاف درهم، وعلى المترددين* خمسمائة الف درهم وعلى الناحية**(7) الف درهم وعلى الفقراء*** والفقهاء ثلاثة آلاف درهم وعلى المرتبين من الخازن والبواب على يدي ابي الحسن العلوي(8) وعلى يدي ابي القاسم بن ابي عائد(9) وابي بكر بن سيار(10) وتوفي عضد الدولة ببغداد سنة372 بعد فراغ البيمارستان ونقل الى مشهد علي عليه السلام ودفن هناك وعمره سبع واربعون سنة واحد عشرة شهرا وثلاثة ايام وهو الذي بنى على مدينة النبي صلى الله عليه واله سورا، وكتب على قبره(11): هذا قبر عضد الدولة وتاج الملة ابي شجاع ابن ركن الدين احب مجاورة الامام المعصوم لطمعه في الخلاص (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) (12)*.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سلاطين الديلم وطبرستان السادة الاشراف الذين كان اولهم الحسن بن زيد الداعي الكبير، بويع يوم الثلاثاء 25 من شهر رمضان سنة250 وحسن السيرة جدا وملك 19 سنة و8 اشهر و6 ايام وتوفي يوم الاثنين 23 رجب سنة270، وقام مقامه اخوه محمد بن زيد فهو الذي بنى القبة البيضاء على مرقد امير المؤمنين عليه السلام وعمر مشهده ومشهد ابي عبد الله الحسين عليه السلام بالحاير، وكان يرسل بالخفية في كل سنة اثنين وثلاثين الف دينار للسادة العلوية ببغداد والكوفة على يد محمد بن ورد العطار احدا مناء الشيعة ببغداد وقتل في الجهاد ستة 287 ودفن بدنه بجرجا عند قبر الديباج محمد بن الصادق عليه السلام وحمل رأسه الى بخارى.
2- محمد الداعي: محمد بن زيد بن محمد بن اسماعيل جالب الحجارة بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط عليه السلام المعروف بالداعي الصغير، ملك طبرستان سبع عشرة سنة وسبعة اشهر بعد اخيه الحسن وقيل عشرين سنة وقتل في شوال سنة 287 وحمل رأسه وابنه زيد الى بخارى وربما تنسب هذه العمارة الى اخيه الحسن وكانت له في كل سنة ثلاثون الف درهم أحمر يصرفها في العتبات المقدسة. ابن سفنديار، تاريخ طبرستان: 1/95، جعفر محبوبه، ماضي النجف وحاضرها: 1/42، الآملي، تاريخ رويان: 73.
3- ابن طاووس، فرحة الغري: 286.
4- عضد الدولة البويهي: ابو شجاع فناخسرو بن الحسن بن بويه بفتح الواو ـ ابن فناخسرو بن تمام بن كوهي بن شيرزك ت 373هـ الملقب عضد الدولة، ظ: ابن الجوزي، المنتظم: 290، التستري، قاموس الرجال: 12/131، ابن الأثير، الكامل في التاريخ: 9/18 ـ 22، ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة: 20/41، ابن شهر اشوب المناقب: 1/316.
5- الديلمي، ارشاد القلوب: 2/234.
6- ابن طاوس فرحة الغري/ 393.
*- المترددين أي الوافدين من طلبة العلوم الدينية الذين وفدوا على المشهد المقدس للعلم والتعلم. ظ: عبد الله بن فياض، تاريخ التربية عند الإمامية: 274.
**- تشير المصادر التاريخية ان عضد الدولة البويهي، بعد ان اتم عمارة الحرم العلوي عام 366هـ أنشأ أمام الرواق بهوا كان يجلس فيه متأدبا لقضاء الحوائج وفي هذا البهو وقت الرواق عقد المحفل الأدبي الذي أنشد فيه الحسين بن الحجاج قصيته الشهيرة:
يا صاحب القبة البيضاء في النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي
7- (وعلى الناحة) وردت العبارة في المصدر المطبوع ابن طاووس فرحة الغري: 393.
***- هذا النص الذي اورده صاحب فرحة الغري فيه دلالة على ان الحركة العلمية كانت دؤوبة في القرن الرابع الهجري وهو يعضد النظرية التي تقول ان الحركة العلمية كانت في النجف قبل جيء الشيخ الطوسي.
8- ابو الحسن محمد بن عمر بن يحيى ابن الحسين بن احمد بن عمر بن يحيى ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب العلوي الكوفي ولد سنة 315 ومات 390هـ ابن الجوزي، المنتظم: 15/22 ـ 24.
9- لم اعثر على حاله في الكتب الرجالية (مهمل).
10- ابو بكر بن سيار: على الأظهر انه القاضي صاحب المناظرة مع الشيخ المفيد . ظ: عبد الله الحسن، المناظرات في الإمامة: 270.
11- ذكر ابن كثير ما نصه: «مات في شوال من هذه السنة عن سبع او ثمان واربعين سنة وحمل الى مشهد علي، فدفن فيه، وكان فيه رفض وتشييع وقد كتب على قبره في تربته عند مشهد علي: هذا قبر عضد الدولة، وتاج المملكة، ابي شجاع بن ركن الدولة احب مجاورة هذا الإمام المتقي لطمعه في الخلاص يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها والحمد لله وصلواته على محمد وعترته الطاهرة.. الخ. ابن كثير، البداية والنهاية: 11/344، الأعيان محسن الأمين: 8/425.
12- سورة النحل: 111.
*- ظ: للتسهيل، ابن الجوزي، المنتظم: 7/117، 120، جعفر النقدي، نزهة المحصين: 222.

نشرت في العدد 96

مقالات ذات صله