الكفاءة ملامحها في الكتاب والسنة..

سامر الصائغ

لا نغالي لو قلنا ان الكفاءة هي ركن من اركان التقدم الحضاري وان الامة التي تُغيب او تهمل اصحاب الكفاءة في مفاصل وجودها مصيرها الفشل وخير دليل ما وصلت له الامة بعد ان اُقصي الامام علي واولاده عن مراكز السلطة والادارة اليس هذا دليلا واضحا على اثر تغييب الكفاءة وتهميشها بل اصبحت منهجاً لهذه الامة في تغييب الكفاءات لذا اولت الشريعة الاسلامية مسألة الكفاءة اهتماما واضحا وسنرى ذلك من خلال ما نستعرضه في امثلة نستخلص ذلك منها في الكتاب والسنة.

وقبل بيان ذلك لزم علينا ان نٌعرف الكفاءة بالمفهوم الاداري وخصائصها حتى يوضح مراد مقالتنا، فقد عرّف اصحاب الاختصاص الكفاءة بعدة تعريفات:.
الكفاءة: مفهوم عام يشمل القدرة على استعمال المهارات والمعارف الشخصية في إطار حقله المهني من تنظيم العمل وتخطيطه وكذا الابتكار والقدرة على التكيف مع نشاطات غير عادية للوصول الى الهدف بأقل استعمال للموارد المادية والبشرية وبأسرع وقت.
اذن إن المعرفة والمهارة الذاتية والموهبة هي من اساسيات الشخصية الكفوءة..
كما ان للكفاءة مستويات عدة منها:
أ‌- المستوى الصفري: لا يملك صاحبها أيّ معرفة. المستوى
ب‌- المستوى الأول: يملك المعارف الأساسية.
ج- المستوى الثاني: يملك المعارف حول التصرفات.
د- المستوى الثالث: يملك معارف عمليّة عدّة حول التحكّم في الوضعيات وحول وحدات الكفاءة.
هـ – المستوى الرابع: يملك القدرة على التأقلم مع الوضعيات الجديدة.
وـ- المستوى الخامس: يملك صاحبها القدرة على حل النزاعات باستعمال مجموعة من التقنيات.
ز- المستوى السادس: يملك القدرة على التحكم والمواجهة في الوضعيات المفاجئة.
ح- المستوى السابع: يملك صاحبها القدرة على الإبداع.
بعد ان تكلمنا في بيان الكفاءة وفق المنظور الاداري نكشف عن ملامح الكفاءة في القران والسنة.
ملامح الكفاءة في القران الكريم:
هناك آيات عدة نستطيع ان نستخلص منها اهمية بعض عناصر الكفاءة والشخصية الكفؤة ومن ذلك:
1- (العلم): قصة خلق ادم.
في سورة البقرة (30-33) (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).
عندما اراد الله ايجاد خليفة في الارض اعترضت الملائكة بعدم كفاءة البشر لعدم معرفتها بقابليته بل ورشحت نفسها كما جاء في قوله تعالى على لسانها: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) فبين لهم الله عزوجل اهم عنصر هم لا يملكونه الا وهو العلم بل واستثماره فصاحب الكفاءة يجب ان يكون صاحب علم ومعرفة بالذي يعمل.
2- (الامانة) قصة بنات شعيب.
في سورة القصص (26)-(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) – حين كان الناس تحمل الماء من البئر ولا تستطيع بنات شعيب مزاحمة الرجال بادر موسى وساعدهن فعرضًن على ابيهن ان يستأجره للرعي لكفاءته بالقوة والارادة والامانة وهي اهم صفات الكفوء.
3- (القدرة الجسمية) في قصة الملك طالوت.
في سورة البقرة (247) (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) فقد بينت الآية ان القدرة الجسدية لها دور مهم في صاحب الكفاءة حيث يستطيع عمل الامور بنفسه والاشراف كما نرى من الآية المفهوم المغلوط عند الناس والاختيار حيث يحظى صاحب المال الاهتمام والمراكز القيادية بغض النظر عن كفاءته.
4- القدرة على التصرف.
وهو عنصر مهم حيث ان من يملك كل القدرات والكفاءة وهو ممنوع من التصرف فلا يحقق شيئاً وهذا ما فطن إليه فرعون عندما رأى من يوسف الكفاءة والقابلية قال: (وقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (سورة يوسف: 54).
هناك الكثير من الآيات التي تبين مطلبنا لكن هذه الآيات تكفينا للإشارة خوفا من الاطالة.

ملامح الكفاءة في سنة المعصوم
هناك كثير من الروايات تمدح الكفاءة نذكر بعضها:
ففي الكافي – الشيخ الكليني – ج 5 – ص 113، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن الله عز وجل يحب المحترف الأمين. وفي رواية أخرى: إن الله تعالى يحب المؤمن المحترف. ويقيناً الاحتراف والامانة هي من عناصر الكفاءة.
ومثله في ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج 3 – ص 2131 – 2132، عنه (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن. وقال الإمام الصادق (عليه السلام): لما مات إبراهيم ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في قبره خللا فسواه بيده، ثم قال: إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه. وعنه (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل حتى لحد سعد بن معاذ وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولني حجرا، ناولني ترابا رطبا، يسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء، ولكن الله يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه.
وهذا امر واضح ان اتقان العمل وتحسينه وأحكامه هو من عناصر الكفاءة بل هي الغاية التي يعمل من اجلها الكفوء.
وفي نهج البلاغة الكثير من هذا الامر ونحن ننقل نصاً واحداً يُظهر فيه الامام صفات الكفاءة ومن عُدم منها ووجوب التحري عنهم لكل حاكم او مسؤول قال عليه السلام (ولَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ – ويَعِدُكَ الْفَقْرَ – ولَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ – ولَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَه بِالْجَوْرِ – فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى – يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّه إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً – ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً – فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ – وأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ – مِمَّنْ لَه مِثْلُ آرَائِهِمْ ونَفَاذِهِمْ – ولَيْسَ عَلَيْه مِثْلُ آصَارِهِمْ وأَوْزَارِهِمْ وآثَامِهِمْ – مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِه ولَا آثِماً عَلَى إِثْمِه – أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً – وأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً – فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وحَفَلَاتِكَ – ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ – وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِه اللَّه لأَوْلِيَائِه – وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ والْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ والصِّدْق(نهج البلاغة – خطب الإمام علي (عليه السلام) (تحقيق صالح) – ص 430).
ان ما اوردناه كافاً كشواهد نستخلص من هذا كله ان هناك مفاهيم في الكفوء.
وفي الختام إن مسألة الكفاءة هي امر حثت عليه الشريعة الاسلامية والاعراف الانسانية ووجوب ان تكون هي المحور في جميع مفاصل الحياة في اختيار المسؤول والقيادي أو الاداري وفي جميع الاعمال صغيرها او كبيرها.

نشرت في الولاية العدد 97

مقالات ذات صله