سوق العبايجية حاضر مشرق وتراث أصيل

تحقيق: علي الوائلي

يعد سوق العباءة الرجالية او ما يحتويه هذا السوق من أزياء عربية سوقا تراثياً قديما في مدينة النجف الاشرف ما زال مطلاً وملاصقاً ومنذ نشأته الأولى للصحن الحيدري الشريف، ذكره المؤرخون في كتبهم، كما كتب عنه بعض المستشرقين والباحثين في شأن هذه المدينة المقدسة, وما من زائر يصل إلى هذه المدينة الا ويمر بهذا السوق، وهو يطالع بإعجاب أصحاب هذه المهن وهم يقومون بخياطة العباءة بعد استلامها من الحاكة المتخصصين، او وصنع العقال بكل دقة واتقان بعمل يدوي يتميز بنكهة خاصة بسبب جماليته وذوقه وصنوفه التي لا يرقى اليها المصنوع ميكانيكياً. وعما يضمه هذا السوق من أزياء ومكملات الزي العربي وكيفية صناعتها وبيعها التقينا بعدد من اصحاب هذه المهن وبعض مرتادي وزائري هذا السوق.

العباءة النجفية
تختلف العباءة الرجالية من محل لآخر وبعضها عن البعض الآخر في المحل نفسه بحسب طريقة صناعة ومنشأ تلك العباءة، فيحدثنا بهذا الشأن الحاج رياض الجشعمي صاحب محل للعباءة الرجالية عن مراحل وكيفية صناعة العباءة حتى وصولها الى المحل لبيعها قائلا : بعدما يشترى الصوف يغسل ثم يجفف من الرطوبة بعدها يذهب الى الغزل ومن ثم يوضع على (الجومة) لحياكته وبعدها الى (النوّال) بعدها الى (الخياط) وتستغرق هذه العملية ايام عدة ومنها العباءة الصوفية النجفية، وهي غزل يدوي يلبسها عادة أهالي النجف الاشرف وبعض مناطق الفرات الاوسط، وهناك نوع يسمى (الجاسبي) وهو ما يلبسه أهل المنطقة الغربية وفيه أنواع منها الالماني والفرنسي.
ويضيف الجشعمي « ان هذا السوق يزود المحافظات بأنواع العباءات وكذلك يقوم بشرائها عدد من ابناء دول الخليج لانها عمل يدوي وصوف خالص فضلا عن تميزها بخفة الوزن وصغر الحجم عند جمعها وحملها باليد الواحدة وان ارتفاع مستوى دخول هؤلاء يمكنهم من اقتناء هذه الأنواع الثمينة الباهظة السعر، وايضا هناك عباءة جيدة في العراق وهي عباءة المجر في محافظة ميسان، لكن هذه اعدادها قليلة وتختلف عن النجفية التي يصل سعرها الى الخمسة ملايين دينار عراقي، في حين البعض الاخر العادي منها بسعر 300 الف دينار أو 100 الف دينار وذلك حسب مواصفات الجودة، فلدينا العباءة الصوفية التي تقف في مقام الدرجة الاولى.
وعن طرق تعلم هذه المهنة بين الجشعمي « ان هذه المهنة توارثناها ابا عن جد حيث امتهن والدي هذه المهنة وهو من مواليد 1917 وقد أخذها من والده ومن ثم توارثتها من بعد والدي وانا اليوم جعلت ابنائي واخوتي يمتهنونها».
اما عن افضلية وتميز العباءة الرجالية في هذا السوق القديم فيبين الزائر ثائر حسين « ان هذه المدينة تمتاز بالعباءة الجيدة والمطلوبة على الرغم من ان في كل محافظة يوجد عدد من المحال لبيع الزي العربي من العباءة والعقال ولكن للخبرة التي يتمتع بها اصحاب بيع هذا الزي تدفع الآخرين للقدوم من أجل الشراء من اسواق النجف الأشرف فهي حرفة قديمة منحتهم الخبرة والذوق والدقة في العمل.
العقال تاج العرب
ومحال العقال في النجف الأشرف فتكون أما ملاصقة لمحال العباءة او تقف في قبالتها في سوق العبايجية القريب للصحن الشريف، وبعض المحال عادة ما تكون خليطا للعباءة والعقال فيشير صاحب محل العقال رحمن تويج الى مراحل صناعة العقال وانواعه قائلا : إن العقال مصنوع من الخيوط النسيجية التي تكون اما خيوطا اجنبية أو عراقية تأتي عن طريق الموصل، والشام هو منبع رئيسي لها، واما انواع العقال فهناك (المبروم) الذي يعرف بـ(الثميني) والذي يوجد فيه القليل من البولستر ويلبس عادة في دول الخليج وهناك نوع آخر من العقال يستخدم في مواليد الاطفال وختانهم ويلبسه الصغار وهو مصنوع من البريسم ويطرز فيه (الكلبدون الفرنسي) وهناك العقال (الابيض) ويلبسه أمراء ربيعة, ونوع اخر هو العقال (المرعز) وهو يكاد ان يكون مخمليا يتكون من خيوط وبداخله صوف غنم اضافة الى انواع اخرى.
وبين تويج بان الصناعة النجفية للعقال متميزة بسبب وجود الغزول وممتهني هذا العمل حيث تزايدت خبرتهم التي توارثوها جيلُ بعد جيل فيقول: ان العمل اليدوي يأخذ وقتا طويلا لصناعته مما يجعل سعره اكثر من ذلك الذي يصنع بالمكائن والذي لا يستغرق الا وقتا ًقليلاً وجهداً أقل، والنجف الاشرف بطبيعة الحال نستطيع ان نقول بانها مصدرة للعقال لبقية المحافظات وخاصة قضاء سوق الشيوخ في ذي قار والسماوة والديوانية والعمارة والحلة وغيرها.
المسبحة بركة وجاه
وتعتبر محال (السبح) ايضا من المحال التي تكتظ فيها اعداد الزبائن فمنهم من يأخذ المسبحة لتكملة بقية الزي العربي الذي يلبسه من العقال والشماغ والعباءة لتتكامل بذلك صورة الزي العربي ومنهم من يأخذها للتبرك بأحجارها الكريمة كالفيروز واليسر وغيرها والفائدة التي تمنحها للفرد, واخرون يستخدمونها للاستغفار والتسبيح لله سبحانه وتعالى.
وهذه (السبح) تتميز بعددها الكبير واحجامها المختلفة والوانها وانواعها وطريقة عرضها من محل لآخر, فأصحاب محال (السبح) بينوا بان للسبح انواع عدة منها اليسر والكهرب والفيروز والمرجان, وان المواد الأولية في صناعتها كانت تأتي من المانيا وبريطانيا والتشيك وغيرها وتصنع في النجف الاشرف لنقوم ببيع السبح وبالجملة الى المحافظات, وهناك عدد من راغبي الانواع المميزة من السبح مثل السندلوس, الكهرب, اليسر, النارجين, عظم العاج، الفيروز. وتختلف اسعار السبح من واحدة لأخرى حتى ان البعض منها تصل الى الملايين من الدنانير.
أما بخصوص أثر وفوائد تلك السبح، فيوضح أصحاب المحال الى ان نوع السبحة هو الاساس بحصول الفائدة, فمثلا الكهرب حين يقوم المرء بفركه فانها تبث عطرا جميلا وان اليسر تحدث اثرا طيبا عند الشخص المنزعج اذا حملها، ويعتقد بأن الفيروز يمنع الحسد وغيرها، والعلم عند الله.
كما ان هناك من يختارها للتسبيح والاستغفار فالحاج محسن عطوان يبين ” ان السبحة التي احملها هي للتذكير والتهليل والصلاة على محمد وال محمد فضلا عن التسبيح «، فيما يؤكد الشيخ ابو نصير «انها تعد جزء مكمل للزي العربي الى جنب فائدتها في التسبيح والتذكير لله سبحانه وتعالى».

نشرت في الولاية العدد 97

مقالات ذات صله