د. عصام كاظم الغالبي
يعدّ تفسير روح المعاني للآلوسي أكثر تفاسير العامة استشهادا بأقوال الإمام الباقرعليه السلام ؛ إذ بلغت الروايات المنسوبة إلى الإمام الباقر في هذا التفسير أكثر من خمسين رواية ، ولعل السبب في ذلك هو تأخر الآلوسي ونقله أغلب ما أورده المفسرون عن الإمام في تفاسيرهم.
وقد نوّع الآلوسي في تفسيره الأخذ من الإمام الباقر (ع) ، فتارة ينقل عنه تفسير آية كاملة وتارة تفسير كلمة وبيان معناها، وتارة يروي عنه عن رسول الله، وتارة ينقل عنه فيمن نزلت الآية القرآنية، وتارة ينقل عنه حكما شرعيا وتارة يروي قراءته إذا كانت اللفظة القرآنية قد قُرِئتْ بأكثرَ من قراءة، وأحيانا ينقل ما رُوِيَ عنه فيكذّب راويه أو ينفي صدوره عن الإمام .
ولم يتعامل الآلوسي بتحايد تام مع ما ينقله عن الإمام الباقر من أقوال، فهو معها ما دامت توافق عقيدته ولا تخالف ما يذهب إليه ويتمذهب عليه، أما ما يخالف عقيدته من هذه الروايات فهي مكذوبة على الإمام الباقر وضعها الشيعة (عاملهم الله بما يستحقون ) على حدّ تعبيره .
وقبل البدء بذكر مواقف الآلوسي من مرويات الإمام الباقر عليه السلام لا بد من التنبيه على أن هذه المرويات قد رُوي أغلبها بلا سند، وأن عددا لا يستهان به منها مخالف لما يتبناه علماء الإمامية وليس بالضرورة أن تكون صحيحة الرواية عن إمامنا عليه السلام، ولا يتسع المقال للبحث في صحتها وعدمه .
ومما رواه الآلوسي عن إمامنا الباقر لأنه موافق لعقيدته ما جاء في تفسير قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) المائدة (55) حاول الآلوسي جاهدا ألا تكون الآية قد نزلــــــــــــت في الإمــــــــــــــام علي (عليه السلام)، قال: «…والثاني: أنا لا نسلم الإجماع على نزولها في الأمير كرم الله تعالى وجهه، فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقاش صاحب «التفسير المشهور» عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنها نزلت في عليّ كرم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم يعني أنه كرم الله تعالى وجهه داخل أيضاً في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم . وأخرج أبو نعيم في «الحلية» عن عبد الملك بن أبي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضاً نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية، وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر»(1).
وكذلك ما ورد في تفسير قوله تعالى: (( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ )) التحريم (2) قال : « وفي «مجمع البيان» للطبرسي من أجل الشيعة عن الزجاج قال: لما حرم عليه الصلاة والسلام مارية القبطية أخبر أنه يملك من بعده أبو بكر. وعمر فعرفها بعض ما أفشت من الخبر وأعرض عن بعض أن أبا بكر وعمر يملكان من بعدي، وقريب من ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكي عن أبي جعفر الباقر رضي الله تعالى عنه إلا أنه زاد في ذلك أن كل واحدة منهما حدثت أباها بذلك فعاتبهما في أمر مارية وما أفشتا عليه من ذلك، وأعرض أن يعاتبهما في الأمر الآخر»(3)، ثم قال: «وإذا سلم الشيعة صحة هذا لزمهم أن يقولوا بصحة خلافة الشيخين لظهوره فيها كما لا يخفى»(3). ومما ورد مخالفا لعقيدته فحاول تكذيبه أو رده ما جاء في تفسير قوله تعالى: ((وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ ٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ بِوَلَدِهِ)) البقرة (233) قال: « والمضارة مفاعلة من الضرر، والمفاعلة إما مقصودة والمفعول محذوف أي تضار والدة زوجها بسبب ولدها وهو أن تعنف به وتطلب ما ليس بعدل من الرزق والكسوة وأن تشغل قلبه بالتفريط في شأن الولد وأن تقول بعد أن ألفها الصبي أطلب له ظئراً مثلاً ولا يضار مولود له امرأته بسبب ولده بأن يمنعها شيئاً مما وجب عليه من رزقها وكسوتها، أو يأخذ الصبي منها وهي تريد إرضاعه أو يكرهها على الإرضاع وإما غير مقصودة، والمعنى: لا يضر واحد منهما الآخر بسبب الولد(4).
ولما وجد رواية عن الأئمة تخالف مـــــــــــــــــا ذهب إليه قال: «ومن غريب التفسير ما رواه الإمامية عن السيدين الصادق والباقر رضي الله تعالى عنهما أن المعنى لا تضار والدة بترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها الرضيع ولا يضار مولود له بمنعه عن الجماع كذلك لأجل ولده، وحينئذٍ تتعين الباء للسببية، ويجب أن يكون الفعلان مبنيين للمفعول ولا يظهر وجه لطيف للتعبير بالولد في الموضعين، وتخرج الآية عما يقتضيه السياق، وبعيد عن الباقر والصادق الإقدام على ما زعمه هذا الراوي الكاذب»(5).
ولا أعرف كيف توصل الآلوسي إلى أن راوي هذه الرواية كاذب أم هو التعصب الأعمى الذي لا يجعله يسلّم بكل ما يخالفه حتى لو ورد عن إمامين عظيمين كالباقر والصادق.
واختلف المفسرون في تفسير (ثم اهتدى) في قوله تعالى: (( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى )) طه (82) على آراء كثيرة نقلها الآلوسي في تفسيره، ومنها ما رواه الإمامية من عدة طرق عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال: « ثم اهتدى إلى ولايتنا أهل البيت فوالله لو أن رجلاً عبد الله تعالى عمره بين الركن والمقام ثم مات ولا يجىء بولايتنا لأكبه الله تعالى في النار على وجهه»(6).
ثم علق قائلا: « وأنت تعلم أن ولايتهم وحبهم رضي الله عنهم مما لا كلام عندنا في وجوبه لكن حمل الاهتداء في الآية على ذلك مع كونها حكاية لما خاطب الله تعالى به بني إسرائيل في زمان موسى عليه السلام مما يستدعي القول بأنه عز وجل أعلم بني إسرائيل بأهل البيت وأوجب عليهم ولايتهم على ذاك ولم يثبت ذلك في «صحيح الأخبار».
نعم روى الإمامية من خبر جارود بن المنذر العبدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له «يا جارود ليلة أسري بي إلى السماء أوحى الله عز وجل إلى أن سل من أرسلنا قبلك من رسلنا علام بعثوا قلت: علام بعثوا؟ قال: على نبوتك وولاية علي بن أبي طالب والأئمة منكما ثم عرفني الله تعالى بهم بأسمائهم ثم ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أسماءهم واحداً بعد واحد إلى المهدي وهو خبر طويل يتفجر الكذب منه ولهم أخبار في هذا المطلب كلها من هذا القبيل فلا فائدة في ذكرها إلا التطويل»(7).
وفسّر الآلوسي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) التحريم (8) قائلا: «{يأَيُّهَا النبى جاهد الكفار} بالسيف {والمنافقين} بالحجة {واغلظ عَلَيْهِمْ} واستعمل الخشونة على الفريقين فيما تجاهدهم به إذا بلغ الرفق مداه»(9) ثم روى عن الطبرسي أنه حكى عن الإمام الباقر أنه قرأ جاهد الكفار بالمنافقين، ولم يعجبه ما حكاه الطبرسيّ فقال: «وأظن ذلك من كذب الإمامية عاملهم الله تعالى بعدله»(10)
وقد اتهم الآلوسيُّ الطبرسيَّ بالكذب في هذه الرواية، ولقد قال في موضع سابق أن الطبرسي من أجلّ علماء الشيعة، فما حدا مما بدا؟! أ لأن ما رواه الطبرسي سابقا يوافق عقيدته، وهنا يخالفهما أم ماذا ؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) روح المعاني : 6 / 168
(2) روح المعاني : 28 / 151
(3) روح المعاني : 28 / 151
(4) ينظر : روح المعاني : 2 / 147
(5) روح المعاني : 2 / 147
(6) روح المعاني : 16 / 241
(7) روح المعاني : 16 / 241
(8) روح المعاني : 28 / 162
(9) روح المعاني : 28 / 162
نشرت في الولاية العدد 97