الفتح المبين

أبو حسنين الموسوي

(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) {الفتح/18}
في السنة السادسة من الهجرة وبعد غزوة بني المصطلق وتحديدا في شهر ذي القعدة الحرام يعلن النبي الاكرم صلى الله عليه وآله عزمه على الخروج الى مكة لأداء مناسك العمرة وينتشر الخبر في المدينة المنورة وحواليها ويخرج مع النبي صلى الله عليه وآله ما يربو على الألف على اختلاف في الروايات.
خرجوا ولم يكن معهم الا سلاح المسافر لا المحارب، وساق صلى الله عليه وآله الهدي وكذا اصحابه واحرم في ذي الحليفة ليعلم الناس انه خارج للعمرة لا للقتال.
وسار الركب المبارك يحدوه الشوق الى بيت الله بسقط الرأس يطوي الفيافي حتى بقي له مرحلة واحدة ليصل الى مكة المكرمة، بلغ الخبر مكة وعلمت قريش بذلك فبادرت الى التصدي لمنع دخول النبي صلى الله عليه وآله وصحبه الى مكة وأرسلت خالد بن الوليد وعكرمة بن ابي جهل لمنع المسلمين وهم في موضع يقال له الحديبية فبادر النبي الاكرم صلى الله عليه وآله باتخاذ التدابير اللازمة وكان اولها ارسال خراش بن امية الخزاعي على جمل له المسمى الثعلب وسار الى مكة حتى لقي القوم واخبرهم ان النبي وصحبه معتمرون وليسوا مقاتلين ولكن قريش قابلت رسول الله صلى الله عليه وآله بكل عتو حيث عقرت الجمل وارادت قتل خراش لولا تدخل الاحابيش (الاحابيش قبائل متحالفة مع قريش وسيدهم الحليس بن يزيد الكناني) وعاد الخزاعي الى رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يحقق شيئا.
واعاد النبي الاكرم صلى الله عليه وآله الكرة بارسال عثمان بن عفان الى قريش لقرابته من ابي سفيان لعله يحقق امرا لكن بدون جدوى.
عندها اتخذ النبي صلى الله عليه وآله الموقف الحاسم باعلان كلمته التي كان وقعها كالسيف على رؤوس صناديد قريش عندما قال صلى الله عليه وآله: لا نبرح حتى نناجز القوم، ودعا الناس للبيعة كاجراء اعلامي رادع للطغيان كي تكف قريش عن تعنتها لعدم السماح للقافلة بدخول مكة بل امتناعها عن التفاوض مع النبي صلى الله عليه وآله وبلغ بها الغرور حداً ان حبست بعض المسلمين وتعرضت لمعسكر المسلمين ليلا لعلها تصيب احداً من المسلمين او ان يصيبوا النبي الاكرم صلى الله عليه وآله نفسه.
وتدافع المسلمون فبايعوا النبي صلى الله عليه وآله على الفتح او الشهادة ووقعت البيعة على شجرة كانت هناك تسمى سمرة وإلى ذلك يشير التنزيل في سورة الفتح من الاية الثامنة عشر (إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ).
فلما تجلى الموقف لقريش وبلغها مبادرة اصحاب النبي صلى الله عليه وآله الى البيعة واستعدادهم للحرب والعزم على احدى الحسنيين.
رُعبت من الموقف واشتد خوفهم وارسلوا عروة بن مسعود الثقفي الى المسلمين للتفاوض ثم عاد وارسلوا سهل بن عمر لعقد الصلح وبعد خطوات متتالية تم الاتفاق بين الطرفين على بنود الصلح التي بلغت سبعة وكان منها ان يرجع النبي صلى الله عليه وآله واصحابه الذين كانوا معه الى المدينة في هذا العام على ان يسمح لهم بدخول مكة في العام القابل.
بعدها بادر النبي صلى الله عليه وآله الى ذبح الهدي وحلق رأسه الشريف وحل احرامه وامر اصحابه بالذبح والحلق والحل وغمر المسلمون غما شديدا بل ان البعض من ضعيفي الايمان اعترض على اجراء الصلح جهلا منهم بعمق البنود التي وردت في الصلح والحنكة التي ابداها النبي صلى الله عليه وآله في معالجة الموقف التي اتت ثمارها في قابل الأيام التي كان منها الاعتراف بكيان الدولة الاسلامية وفتح مكة بعد عامين من هذه المعاهدة بل ان البنود انعطافة في تاريخ المسلمين.
ورجع النبي قافلا مع الصحابة الى المدينة المنورة بعد ان سجل التاريخ تلك المواقف الخالدة وما ترتب عليها.
وفي العدد القادم نلتقي مع وقفة قصيرة مع الآيات النازلة في البيعة والصلح اذ فيها ما ينفع والحمد الله أولاً وأخيراً.
————-
المصادر:
– عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية: ج2 صفحات متعددة
– ابن سعد، كتاب الطبقات: ج2 صفحات متعددة
– محمد بن جرير الطبري: تايخ الطبري: ج2 صفحات متعددة
ابن حجر العسقلاني،الاصابة في تمييز الصحابة: ج2

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله