نظرة سريعة على مناهج تفسير القرآن

الشيخ جميل البزوني

من المهم جداً عند الباحثين في القضايا العلمية الخاضعة لمناهج خاصة أن يكون لهم اطلاع واضح على الأسس التي يبتني عليها البحث العلمي، ومن تلك الأبحاث هو البحث التفسيري، وذلك لأنه؛ يحظى استخدام المنهج في كل علم بأهمية خاصة، لان تعلم المنهج الصحيح والاستفادة منه يوصل الإنسان إلى هدف العلم في حين يفضي عدم الاستفادة من المنهج الصحيح أو الخطأ فيه إلى الابتعاد عن هذا الهدف.

إن استخدام منهج التفسير بالنسبة إلى القرآن بلغ من الأهمية حداً بحيث عد استخدام بعض المناهج ممنوعا وحراما شرعا، وقد أكدت الأحاديث على أهمية هذا الأمر، بحيث إذا قام شخص بتفسير القرآن بطريقة خاطئة، كالتفسير بالرأي فانه يعتبر مخطئا وان حصل على نتائج صحيحة.
وبعبارة أخرى؛ إن تعيين المنهج التفسيري الصحيح له موضوعية في هذه المسألة، وان معرفة المناهج والاتجاهات التفسيرية يعتبر لازماً لكل مفسر
ومن الجدير بالذكر إن التفاسير التي كانت خاضعة للمنهج التفسيري ربما تعد – في نظر البعض – من أكثرها إثارة وقيمة علمية.
وعند التتبع يجد الناظر في هذا الجانب إن المتقدمين لم يعطوا المناهج التفسيرية الاهتمام الذي تستحقه، رغم تأثيرها المباشر في خصوبة وزخم المطالب العلمية التي تشتمل عليها التفاسير الخاضعة لها، وكانت أقرب الكتب إلى هذا الجانب هي الكتب التي تحدثت عن طبقات المفسرين وسيرهم، وكان الاختلاف الحاصل بين العلماء سبباً لخضوع تلك التفاسير إلى رؤى وقفت بالضد من بعضها فيما أيدت بالمطلق بعضاً آخر، وكانت الاتجاهات الفكرية التي يخضع لها الكاتب وراء اتخاذهم مناهج خاصة في تفسير القرآن، بل تأويله تبعاً للرؤى الاعتقادية الفكرية التي يتبنوها وكان التوجه الخاص للمفسر دافعاً لجعل القرآن يصب في الجانب العلمي الذي يبرز فيه المفسر, ولذلك تجد التفاسير في بعض الأحيان توصف بأوصاف علمية بعيداً عن الجانب الشمولي للقرآن.

المناهج التفسيرية:
وبالرغم من الالتزام بالابتعاد عن الأسباب وراء تعدد المناهج التفسيرية لابد أن نبين إن المناهج أيضاً تخضع لعملية قسمة تابعة للموقف من كل منهج، وقد قسمت المنهج إلى عدة أقسام منها:
1- منهج تفسير القرآن بالقرآن وسيأتي الحديث عنه.
2- منهج التفسير الروائي أي تفسير القرآن بالسنة، ويعد قسماً من تفسير القرآن بالمأثور، وهو أقدم الأقسام وأكثرها انتشاراً، وقد حظي هذا القسم بكثير من الاهتمام من قبل المفسرين، وقد أخذ هذا المنهج طابعاً متشدداً، ورفض مؤيدوه جميع المناهج المخالفة له.
3- منهج التفسير العلمي وهو أسلوب الاستفادة من العلوم الطبيعية والتجريبية في فهم المراد من آيات القرآن الكريم، وكان ظهوره متأخراً عن المنهج السابق (التفسير الروائي)، وكان بعض العلماء قد رد أدلة القائلين بصحة هذا المنهج فيما ذهب البعض الآخر إلى تأييده وبطرق قد تعد من المنهج السابق كالآيات ونحوها.
4- منهج التفسير الاشاري ويشمل التفسير العرفاني والصوفي ونحوهما، وقد ذهب بعضهم إلى عده من أوائل المناهج التفسيرية، لوروده في بعض الروايات التفسيرية، ولكن ذهب آخرون إلى اعتباره دخيلاً على القرآن ومرفوضاً في كثير من الأحيان.
5- منهج التفسير العقلي والاجتهادي وكان الموقف من هذا المنهج متفاوتاً بين مؤيد ومعارض، وقد حظي هذا المنهج باهتمام أصحاب المناهج العقلية في تفسير الشريعة كالمعتزلة والامامية، فيما وقف أصحاب المنهج النقلي المتشدد في الطرف المقابل له.
6- منهج التفسير بالرأي وقد يكون عد تفسير القرآن بالرأي تفسيراً لا يخلو من مسامحة لأن الوارد عند الجميع إن هذا المنهج مرفوض بل ومحرم.
إن قيل إن أكثر المناهج المذكورة وقع الخلاف فيها بين رافض ومؤيد وعليه فلا مانع من عد المنهج المذكور معها !؟
نقول إن هذه المناهج على ما وقع فيه من خلاف بين القبول والرفض لم تعدم متحدثاً باسمها في وقت من الأوقات، بخلافه في منهج تفسير القرآن بالرأي فان الواقعين فيه ينكرون أو يكادون نفس المنهج المذكور حتى مع وقوعهم تحت براثنه، وعليه فوصفه بالتفسير في حد نفسه لا يخلو من تسامح في التعبير.
وقد يقال – كما قيل – إن المنهج الصحيح هو المنهج الذي يستفيد من المناهج الخمسة المتقدمة، لان كل من هذه المناهج له مكانه المناسب في عملية التفسير، ولذا يكون المنهج المتكامل هو الذي يجمع بين المناهج، وليس المختصر على بعض منها دون البعض الآخر.

طريقة تفسير القرآن بالقرآن بين الرفض والقبول:
هذا النوع من التفسير رغم قدمه وانتشاره لكنه مع ذلك واجه بعض المعترضين والرافضين، والاعتراض المذكور وان عد شاذاً، لكنه لم يكن امرأ اعتباطياً على رأي المعترض – على أقل تقدير – بل استند إلى مناقشات وأدلة ساقها المعترض وقبل التعرض لذلك لا بأس بذكر نبذة تاريخية لهذا المنهج.
وعند تصفح تاريخ تفسير القرآن في جميع المصادر ربما يصل الى ما ذكره إن هذا المنهج :
من أقدم طرق التفسير, ويرجع استخدامه إلى زمن الرسول (صلى الله عليه واله) وقد استخدمه الأئمة (عليه السلام) وبعض الصحابة والتابعين.
وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك:
1- سئل الرسول (صلى الله عليه واله) عن معنى الظلم في الآية الكريمة (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)، فأجاب (صلى الله عليه واله) وبالاستناد إلى الآية(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) بان المقصود بالظلم في الآية الأولى هو الشرك المذكور في الآية الثانية
يتبين من خلال هذا الحديث المشابهة إن الرسول (صلى الله عليه واله) استخدم هذا المنهج، وانه قام بتعليم أتباعه عمليا ًعلى استخدامه.
2- استخدم الإمام علي (عليه السلام) من خلال الآيتين(وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ)، و(وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) بان اقل مدة الحمل هي ستة أشهر فإذا كانت مدة الرضاع سنتين ومدة الحمل والرضاع معا ثلاثين شهرا، ووضعنا الآيتين جنبا إلى جنب، فتكون النتيجة واضحة وهي أن اقل مدة الحمل ستة أشهر، وهذا نوع من تفسير القرآن بالقرآن(دروس في المناهج والاتجاهات التفسيرية للقرآن / ص42-43).

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله