الخطاب البصري الجمالي

د. أحمد عبيد كاظم .. جامعة الكوفة / كلية التربية

خرق الجمال التقليدي وتدهور المعنى
وتحت ذريعة الحرية قد تعم فوضى، تخلق لها الاسباب وتمهد لها الطرق، لاسيما في ظاهرة لها القدرة على دفع وتغيير المجتمع نحو مسارات مطلوبة، يكسر بها انثروبولوجيا المجتمع وكل ما يدخره من تراث، فقد تكون تقاليده قيدا يحد حركة النظام القائم وفلسفته في بناء الأمة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا واجتماعيا حسب المنظور الجديد، ويكون الدين وأفكاره وعقائده في الكثير من المواضع عقبة كؤود في وجه التغيير لاسيما بوجه فكر ونظام يتناقض معه في مفاصله الرئيسية،ويعول على التعبيرية التجريدية كشكل أو مذهب فني لما بعد الحداثة بخصائص وسمات الملصقات التعبيرية التجريدية،بالتعبير بشكل تجريدي عن اللاتشخيص واللامعنى, وأحياناً الإيحاء بذلك، ترسيخ عدمية المعنى واللاغائية من خلال أسلوبية تنطلق منها رؤية ذاتية مصدرها اللاوعي تميل الى أنتاج أعمال فنية تمتاز بلعب حر Free play))، تفكيك بنية العمل الفني من خلال غياب الشكل والموضوع وتدهور المعنى مما ينتج عملاً بدون عمق يمتلك دوال متناثرة، اعتماد أسلوب اللصق الكولاج لمواد وخامات عديدة مبتذلة ومهمشة وبشكل مفرط مثل الأكياس والأقمشة والأخشاب ولفائف بلاستيكية محروقة ومذابة وضمادات صحية حتى بعض أنواع الأسلحة القديمة وشظايا المخلفات الحربية بما يعكس البيئة المحيطة التي خلقتها الحرب العالمية الثانية، التلقائية والعفوية في رش الطلاء وسكب وصب الأصباغ وتسيل الألوان وحكها وقشطها وتنقيطها وطباعتها، الأخذ بتقنيات العلم الحديث في أنتاج الأعمال الفنية كاستخدام المذيبات الكيماوية أو المصادر الحرارية أو غازات معينة للحصول على تجاعيد أو تضاريس أو تشكيلات جديدةبل دخان بعض الغازات كان كفيلاً في اعطاء اللون الذي يرغب الفنان بالحصول عليه، غياب مركز العمل الفني وفر للفنان حرية كافية لكي يعبر جمالياً عن دوافع نفسية ذاتية تكمن في العقل الباطني لشخصية الفنان نفسه متحللاً من رقابة العقل منطلقا من مرجعيات ذاتية وضرورات داخلية وان كانت شاذة.
كسر المركز والسقوط الى اللاوعي
فالتعبيرية التجريدية أسست لميتافيزيقيا جديدة للشكل,على أساس أن فقدان الشكل يؤدي إلى تساقط المعاني إلى حيث اللامعنى, أي بما يتيح للشكل تشظي متناهي إلى ما وراءه بما يثيره من تعددية في المعاني إلى حد عدم حضور معنى محدد في الخطاب البصري.فالفنان كان يعمل بحرية تفوق التصور كاسرا تقاليد وايقاع ومنظور العمل الفني برمته,إذ يسكب الألوان ويقطرها دون اكتراث لما سيؤول إليه العمل الفني, ويدع للصدفة الدور الأكبر في أخذ مجراها من أجل اخراج العمل الفني بصورته النهائية.وهنا نلاحظ ظاهرة في المفهوم الفضائي الفني فالمشهد اللوني فقد ما يعرف بالمركزية وهي نقطة جذب البصر,إذ تعددت المراكز وتوزعت على مختلف جوانب العمل الفني,وشكلت ما يسمى بالفضاء المتعدد البؤر المركزية.ولعل أهم ما يميز بعض أعمال التعبيرية التجريدية هو البقع (space figure poly focal) اللونية,فاللون في حد ذاته يمتلك طاقة جمالية من حيث التناغم والتباين والانسجام في بناء العمل الفني التعبيري التجريدي يكاد يقترب مما تحدثه الأنغام الموسيقية.كما في الشكل رقم (1).
وفي دراسة تحليلية لملصق الفنان نيكولاس ترو كيلر عنوان الملصق المهرجان، بتقنية طباعة بالشاشة الحريريةوالعائد الى مؤسسة ماساتشوستسللمعارض شكل رقم (2)جاء الملصق بتقنية رسم تجريدي,ذا محتوى فكريرافضاً لأي بنى ايدولوجية أو سلطة مركزية تحد من حرية التعبير بعيداً عن المعايير الجمالية الكلاسيكية وهو اقرب الى خطاب اللاوعي من خلال التلقائية والعفوية الذي تحكمها اللذة والإثارة فالأشكال التجريدية الخطية التي أنتجها المصمم نيكولاس تتعاقب وتتكرر بدون أدنى حذر أو حساب لبنية مسبقة, فالعدمية لا تشترط أي مشروعية لقيم أو تقاليد فنية أو جمالية, بل البحث عن قيمة جديدة لماهية التجريد الذي يجعلها أكثر تشظياً وأوسع فهماً في الاتكال على توظيف الخطوط الهندسية المنحنية الملونة بين الرؤية المتنوعة للإظهار التصميمي وقيم التعبير عن الفعل التقني لمعالجات النص البصري لإيجاد مديات غير محددة في التنوع والتغير في اللون والاتجاه والملمس والقيمة في الصفات التعبيرية والمظهرية,فالقيم اللونية الفاتحة والغامقة المتباينة تجذب المتلقي,ولعل الباحث يجد في التكوين الإنشائي تغلغل فكرة اللامعقول العدمية,وعد الوجود عبثا لا من حيث انه وجود,بل من حيث علاقة مكوناته مع بعضها.
اعلان موت الشكل ورفض الواقع
إن كل شيء في الوجود معقول ولكن علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة,فحركة الخطوط وألوانها وعدم انتظامها دلالة على نسبية الزمان والمكان فهي تتحرك في اللامنطق وتسيرها وتحركها قوى غير عاقلة,فاللاوعي والحدس يحركان المقاربة الصورية والمادية للعناصر التجريدية الخطية في الفضاء في لا مبالاة قصدية وانفعالية محفزة للحركة التي لا تتصف بقواعد تحد هذه الحرية,بل هي حركة مستمرة تستمد متعتهامن التبشير بعدم الاستقرار والثبات,فالنص (الملصق) يحمل سمة التحرر والانفعالات من مقيدات القراءة ومرجعياتها وخروجها عن المألوف الحسي والعقلي,نحو تعددية القراءة والتفسير,ولعل انهيار الحدود بين الثقافة النخبوية والشعبية واضحاً تماماً في تعبير تلقائي أقرب الى الاتجاه الدادائي,فالعناصر الخطية التجريدية مكتفية بذاتها وبتحولاتها الداخلية في تغريبه ورفضه للواقع، بكل تاريخه وقيمه وثوابته المقدسة بل كل ما هو راسخ في ضمير الفرد والمجتمع,والتفكيك والتعددية لنموذج العازفين تتمظهر من خلال التكرار في الخط واللون والاتجاه وتعدد المراكز والانتشار,فقد تم تقويض الأنساق العقلية ورفض المنظور والاختزال والتأكيد على المصادفة والتلقائية في التعبير,ويظهر المنجز التصميمي للملصق من خلال الانتقال من الكلي إلى الجزئي كنوع من التضحية بالحقائق الكلية التي يمكن تمثيلها في الأشكال الخالصة هنا العلاقات الخطية لا تحمل أي بعداً ايقونياً يشترط تطابق الدال مع المدلول وكما تظهر ملامح التحولات الجمالية نحو النسبية في اللاشكلواللاحقيقةواللاجمال إذ إن غياب التشخيص لشكل محدد أو تشبيهي يعلن موت الشكل وإعلان اللاشكل,وعدم التسليم بالأحكام الواقعية ولا يقبل أحكاما قيمية,كما لا يمكن نكران النفعية والتداولية من خلال الدهشة وإثارة المتلقي والتواصل معه في ملصق يحقق الدعاية لمهرجان موسيقى الجاز وضرورة سرعة انجازه وانتشاره في الأوساط المهتمة,ضمن أسلوب غير مألوف يتماشى مع الوعي الاجتماعي البعيد عن الحقائق الثابتة المستهدفةبالشك فالتجزئة وترك التقاليد المألوفة هو وسيلة لكسر القراءات المحلية والتقاليد المألوفة للخروج بنتائج رمزية خيالية للتعبير عن اللامرئي كالفرح والسعادة والمرح,كمضمون سيكولوجي ذو دلالات عاطفية في تحقيق غرضه, كما في الشكل (2) . والنماذج التوضيحية .

نشرت في الولاية العدد 98

مقالات ذات صله