عاشوراء وبداية التغيير


الشيخ بدري البدري

خلق المولى عز وجل الناس ليعبدوه ومكنهم في الأرض واعطاهم القدرة كي يعمروها وينتفعوا من خيراتها في معاشهم من المأكل والملبس والمسكن ولتعينهم على عبادة ربهم الذي وهب لهم الحياة ومنح لهم فيها العيش الكريم وجعله كافيا يسعوا الجميع والزيادة.
وقد نرى او نسمع في بعض بقاع الأرض اناساً ينعمون بخيرات الله ومعاشه واخرين محرومين من ابسط مقومات الحياة الكريمة، وما ذاك الا لظلم الناس انفسهم وتسلط بعضهم على بعض واخذهم مقدرات غيرهم واكلمهم ارزاقهم وحقوقهم بغير حق.

الظالم والمظلوم
من هنا جاءت حركات الشعوب ورواد التغيير منذ وجد الظلم والتعدي على حقوق الاخرين لتغيير واقع مرير تعيشه الشعوب من سلب ابسط الحقوق وتولي جماعة حاكمة متسلطة او عائلة تتوارث حكم الناس بالجور في كل مصر واستحواذها على اموال الناس واستئثارها بخيراتها دونهم وكأن سواد الناس رقٌ وملك لتلك الثلة المتجبرة.
فجاء المطالبون بارجاع الحقوق الى اهلها وانصاف المظلوم من الظالم على اختلاف المطالبين من انبياء وقفوا ندا لفراعنة عصورهم وامثالهم من عباد الله الصالحين الذين لم يرضوا ولم يرضخوا للظالمين واساليبهم وتجبرهم والذين يعتقدون ان التغيير سنة حتمية وتحققه وعد رباني وان الظالم مهما تفرعن وافسد في ارض الله وعباده فان مصيره الى بوار وان فترته جولة وللحق دولة.
فما اعرض قاعدة الظلم والاستبداد وما اطول فتراته في التاريخ وما اكثر الثائرين بوجه حكام الجور والفاسدين من الذين سطروا اروع الملاحم واكرم المواقف الذين لم ترهبهم اسنة الجائرين ولمعان سيوفهم ولم يهابوا سلاطينهم او تهزهم طواميرهم المظلمة، لأنهم كانوا ينظرون الى اسمى الغايات ويطمعون باعلى الدرجات ارادوا وجه الله في مطالبتهم باحقاق الحق و انصاف المظلوم واشباع الجائع ارادوا التغيير لله وهيأوا مقدماته وعلموا ان اهم اسباب تحقق العدالة والانسانية تكون بالمطالبة بها (إِنَّ الله لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، ومن هنا بدأ الفتح والتغيير معا على يد وارث المصلحين من الأنبياء والمرسلين وحفيد سيدهم امام الانسانية ونبي الاسلام والسلام صلى الله عليه واله وابن علي عليه السلام الذي عرف بامام الحق والعدالة الذي ما شبع من طعام قط ولا تنعم بملبس او التذ بدنيا مواساة منها لضعاف الناس ومساكينهم.

الثورة الخالدة:
لما رأى ابو الاحرار ومن نفس ابيه بين جنبيه الصورة المظلمة بكل ابعادها التي تعيشها امة جده من حقوق مسلوبة وحرمات منتهكة وصل الحد بها ان يتولى شؤون الناس رجل فاسق على حد تعبير الامام عليه السلام في نعت الحال المؤلم (انا اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق) والاعجب والادهى في الامر ان تصل الوقاحة بسليل البيت الاموي ملاعب القردة ان يأمر من ولاه على المدينة المنورة باخذ البيعة له بالخلافة من حفيد الرسول وامام الرسالة سيد شباب اهل الجنة ويطلب منه مبايعته فاعلنها ابي الضيم عالية مدوية حية منذ نطق بها الى يومنا هذا ويوم الدين (ومثلي لا يبايع مثله) اعلنها عليه السلام جوابا ورفضا لبيعة الظالم وسؤالا وتحديدا لموقف من هم على نهجه وشاكلته في مثلية الصلاح والدين كيف يبايعون من مثل يزيد في الفسق والفجور وانتهاك الحرمات.
انها لوحة للظلم استولت على الناس عموما وعلى امة الاسلام خصوصا، ارتسمت وتجذرت فسادا وقتلا وجورا وصلت حدا لا يطيقه او يتحمله منصف غيور عبر عنها الامام باروع صوره (ان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها ولم يبق منها الا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل) نعم تغيرت الدنيا بتغيّر اهلها حيث تركوا طاعة ربهم ورسوله واهل بيته وركنوا للظالمين والفاسدين وتنكر اهلها لحقوقهم وادبر خيرها ولم يرج معروفها فلم يبق فيها من العيش الكريم الا كمثل ما يبقى في الاناء وعيشا لا كرامه فيه كالمرعى الذي لا فائدة منه، وبلسان العتاب لمجموع من يسمع ويعي يقول عليه السلام: (الا ترون الى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهى عنه) انها دعوة التغيير الواسعة دعوة تصحيح المسار انها بداية النصر والفتح العظيم.
هي انتفاضة المظلوم والمضطهد والجائع والمستضعف بكل اشكاله والوانه، فبعد هذه الصورة (حق لا يعمل به وباطل لا يتناهى عنه) ما ينتظر الغيور ايكون في هوان او يرضى العزيز بالذل بلا شك لا يرضى لنفسه ذلك فقرر امام العزة والاباء باكماله دين جده وبناء مجده (ليرغب المؤمن في لقاء الله فإني لا ارى الموت الا السعادة والحياة مع الظالمين الا برما) فراح يجاهد الظالمين رؤوس النفاق كي يرجع نصاب الحق والعدالة الى امة جده ولم يبالي من الاعداء ولو كانوا ملأ الارض وان صار يحاربهم وحده، قصد القوم ولسان حاله وطلبه الاصلاح في امة جده وللاصلاح طريقان البيان والسنان، فقد ما عنده من حجج حتى عجز القوم عن مجاراته، فصاروا الى حربه فلن يبال وغايته رضا الله وطلب وجهه فراح يحقق الخلود بنفسه المقدسة واهل بيته واصحابه ونسائه معاً كل له دوره في ملحمة هي وتر في التاريخ والثورات ما شفعت، وقف عليه السلام فردا ووقف اصحابه يرون الحق فيه جليا ويرون وقوفهم والفوز بالشهادة بين يديه منحة ربانية وسطرت في كربلاء اروع صورة للايثار شارك فيها شيخ وشاب وغلام لم يبلغ سن الرجال وامراة تستشهد مع ولدها واخرى جديدة عهد بالزواج تؤثر شهادة زوجها على ضيم يلحق بآل بيت الرسالة، ولموقف زينب حظ عظيم من النصر وتغيير وجه المنكر وكشف اللثام عن منافقي الامة وحديث الفتح الحسيني جليٌ فبعد ملحمة الطف لم يبق لأحد عذر في قول كلمة العدل امام سلاطين الجور والفساد.
نعم بتلك الجماعة كان الفتح العظيم بدم سبط رسول الله واخلاصه وايثار اهل بيته واصحابه الذين لم يكن لهم شبيه على وجه الارض كانت بداية النصر.

نشرت في الولاية العدد 99

مقالات ذات صله