خان النص… تاريخ يتكلم

تحقيق: علي كريم علي

ما ان تصل الى ناحية الحيدرية وهي منطقة تقع بين النجف وكربلاء مرتبطة اداريا بمحافظة النجف الاشرف حتى تشاهد مكانا تراثيا شاخصا بكل معالمه هو خان النص او خان الحماد، بنيّ الخان على شكل مجموعة من الايوانات ، يقيم فيها المسافرون (الزوار) القادمون او المتوجهون من وإلى كربلاء لزيارة العتبات المقدسة وحفاظاً على أرواح وممتلكات الزوار بني الخان بشكل مغلق وقاية من قطاع الطريق واللصوص فيكون دخول الخان من الباب الرئيسي . ولقد بني بطراز عثماني استخدم فيه الطابوق الفرشي في تشييده وهناك ملاحق خاصة للخيول ولتكديس أمتعة المسافرين .
وبـــمرور الوقت تجمع النــــــاس حول الخــــان فسكنت بعض العشائر العربيــة واصبحت تسمى اليوم بـ قضاء(الحيدرية).

تم تصنيفه من المواقع الاثرية لانه بدء يزيد على مئتي عام
يشير محمد هادي بدن الميالي مدير اثار النجف الى ان «خان النص هو الاسم المحلي والاسم الرسمي له هو خان الحماد ويسمى احيانا محليا بخان الوقف ولهذه المسميات أسبابها فيسمى بخان النص كونه يقع في منتصف المسافة ما بين محافظتي النجف وكربلاء ويسمى بخان الحماد لانه موجود في منطقة صحراوية ويسمى بخان الوقف لانه كان يأوي الزائرين القادمين الى محافظتي النجف وكربلاء لزيارة العتبات المقدسة وهذا الخان يعدُّ من المواقع الاثرية المهمة التي تعود الى الفترة العثمانية ولكن الان تم تصنيفه من المواقع الاثرية لانه بدء يزيد على مئتي عام فلذا عد من المواقع الاثرية وليست التراثية بناه احد المحسنين في بداية الامر وهو محمد صالح كبه وهو ليس خانا واحدا فهو عبارة عن مجمع خانات فهو يضم خمسة خانات ويعدُّ من اكبر الخانات لان مساحته سبع دوانم ونصف الدونم يحتوي على اواوين ورواق داخلي وفناء وسطي مكشوف وعلى زخارف معمارية هي غاية في الروعة وقد دأبت دائرة الاثار على اعادة الروح لهذا الموقع فبدأ العمل به بشكل منتظم خلال الاعوام 2009 إلى 2011 وكانت مراحل الانجاز منجزة فيه وهوالان يستقبل الزائرين» .

الخانات في مدينة النجف الاشرف ترتبط بروابط اقتصادية واجتماعية وعقائدية
ويبين الاستاذ عقيل طالب كاتب وباحث في التاريخ والحضارة بان «كل الخانات في مدينة النجف الاشرف ترتبط بروابط اقتصادية واجتماعية وعقائدية .
أمتاز خان الحماد بموقعه المتميز الذي يتوسط الطريق بين النجف وكربلاء، ومن هنا جاءت التسمية(بخان النص) ويعدُّ خان الحماد من اكبر الخانات وحمل طرازا متقنا من البناء .
أما تشيده فقد بنته اسرة ال كبة ، وعلى يد الحاج محمد صالح بن الحاج مصطفى كبة الذي توفي عام 1287 هـ/ 1870م، ثم تم تطويره والزيادة في بنائه على يد الشيخ مرتضى الانصاري الذي توفي عام 1281هـ/1864م، كما ذكر ذلك في كتاب المفصل في تاريخ النجف الاشرف للاستاذ الدكتور حسن الحكيم، وبسبب موقع الخان الوسط بين النجف وكربلاء مكنه ليكون محطة استراحة رئيسية للزائرين وكذلك اصبح محطة تجمع وانطلاق الى كربلاء، وكذلك اصبح شاخصا للدلالة وضبط المسافة بين النجف وكربلاء.
وخان الحماد يتوسط المسافة بين خان المصلى (خان الربع) والذي يبعد اثنتى عشر ميلاً عن مدينة النجف، وخان النخيلة الذي يقترب من مدينة كربلاء.

يعاني من الاهمال على الرغم من بعض المحاولات لترميمه
اما ما عليه الخان الان فهو كبقية الخانات التراثية يعاني من الاهمال على الرغم من بعض المحاولات لترميمه ولكنه مازال يحتاج الى الكثير .
فيما يبين المستشار القانوني والناشط المدني الدكتور محمد عنوز بان «الخانات التي من بينها خان الحماد لها اثر اجتماعي واقتصادي و لها علاقة بالحركات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المحافظة والمنطقة بشكل عام ولكن للاسف الشديد نشاهد بان الاهتمام بهذه المواقع لا يرتقي الى مكانتها التاريخية وممكن عدّها مقاصد سياحية للاجيال المختلفة في العراق وان تتعرف على هذه المناطق واهميتها وما لعبته من دور في استقبال الزائرين والقوافل التجارية وبما فيهم المقاتلين والمحاربين لفترة طويلة من حيث البناية كيف ان هنالك اماكن للخيول واماكن للسكن وغيرها».

الحرص على المواقع الأثرية هو حرص على قيم وتاريخ المجتمع
ويضيف عنوز قائلاً: انا اعتقد انه على السلطة المحلية ايضا ان تلتفت الى هذه القضية وان تنظم السفرات وان تدخل جميع المواقع الاثرية ليست فقط الخانات بل المواقع الدينية والاثرية والتراثية ايضا في مناهج الدراسة لان هذه جزء من ممتلكات ثقافية لاي مجتمع والحرص عليها هو حرص على قيم وتاريخ المجتمع وبالتالي النجف الاشرف وما مرتبط بها من المناذرة التاريخية والكوفة عاصمة الخلافة وظهر الكوفة ومرقد الامام علي عليه السلام هذه المسائل بتقديري يجب ان نحرص على قيمة وجودها» .

ضرورة الحفاظ عليه وإعطاؤه بعده التاريخي سواء في التاريخ البعيد القديم أم التاريخ المعاصر
ويستطرد في حديثه بان «خان الحماد يجب ان لا يجرى عليه تغيير لمعالمه التاريخية وضرورة الحفاظ عليه واعطائه بعده التاريخي في التاريخ البعيد القديم والتاريخ المعاصر على الاقل في القرن العشرين اذ شهد هذا الخان الكثير من الحركات والانتفاضات منها انتفاضة العام 1977 فيجب ان يكون مقصدا للحديث عن هذه الانتفاضة التي انطلقت من هذا المكان ناهيك عن تاريخه بانه ايضا كان محطة للقوافل التجارية فضرورة الاعتناء به وعلى بنائه دون التاثير عليه كما حصل للكثير من المواقع الاثرية التي يجري ادخال السمنت وغيره وبالتالي تشوه يفترض ان يستخدم بطريقة صحيحة» .

انطلاق شرارة انتفاضة اهالي النجف من خان النص
خان النص كان شاهدا على تضحيات ابناء مدينة النجف الاشرف بعد تصديهم للسلطة الغاشمة انذاك بعد ان حاولت منعهم من زيارة الامام الحسين عليه السلام في شعيرة الاربعين اذ يقول الدكتور حسن الحكيم الباحث والمؤرخ العراقي «واقعة خان النص هي امتداد للحركة التي بدأت في السابع عشر من شهر صفر بمناسبة وفاة الامام الرضا فاعتاد النجفيون على ان يغلقوا الحوانيت والاسواق ثم يتجهوا الى مدينة كربلاء التحاقا بيوم الاربعين لكن السلطة حينما منعت الممارسة هذه الجماهيرية والمسيرة استجاب الناس لهذا الجانب عدا النجفيين اي ان النجفيين لم يستجيبوا للسلطة مطلقا ولذلك بالامكان ان نقول بانها شجاعة وعقيدة فخرجت الجماهير وهي تحمل اللافتات يد الله فوق ايديهم فاتجهوا الى خان الربع وهو خان المصلى لم تتصدى السلطة لهؤلاء عند وصولهم الى خان المصلى لكن التصدي حصل في خان النص وهو منطقة الحيدرية في الوقت الحاضر فطوقت الجماهير من قبل السلطة».

خان النص شاهد على جرائم البعث المقبور بحق ابناء هذا البلد
ويضيف الحكيم «وقع اول تصادم مع الجماهير في خان النص فاستشهد على اثرها السيد عبد الامير الميالي فاستشهاد هذا الشاب عزز الموقف بحيث ازداد الحماس بالشكل الكامل وكانت الهتافات يمكن ان نقول صريحة ضد السلطة بعد ذلك فيبدو ان التوسع الذي حصل او الهياج الكبير على استشهاد السيد عبد الامير لانه بعد ان اخذ جثمانه ودفن اصبحت ثيابه الملطخة بالدماء هي شعار الذين قاموا بهذا التحرك فكان يساير هذا الشعار المسيرة الى منطقة خان النخيلة والحقيقة انه في خان النخيلة يبدو ان السلطة وانا كنت كشاهد عيان في هذه القضية السلطة ارادت ان تستدرج الناس ولذلك اتسعت المسيرة الى شكل كبير وقد شاهدنا وانا كنت يومذاك استاذ في الجامعة وقد خشيت على نفسي وعلى من كان معي في الجانب لان طائرات الهيلكوبتر جاءت وهي على مستوى واطئ من الارض والغرض من ذلك هو هياج الرمال في وجوه الناس فاحيطت المنطقة بشكل كثيف من القوات بحيث تبعثرت الجماهير في البساتين ومنهم من عاد الى مدينة النجف الاشرف ثم واصلوا المسير عبر البساتين الى مدينة كربلاء فالمسيرة لم تنته وانما تبعثر جزء منها فتمكنوا من دخول مدينة كربلاء لكن الماساة وقعت في الصحن الحسيني الشريف فاغلقت ابواب الصحن والقي القبض على الجميع وسيروا الى بغداد وقدموا الى المحاكم واعدم من اعدم ومن سجن سجن» .
عدَّ خان النص من الأماكن الآثرية، بعد ان وصل تاريخه الى قرابة المئتي عام وهو بذلك يحتاج الى اكثر اهتمام واكثر رعاية وترميما كما انه يحمل حقبة مليئة بالاحداث والانتفاضات التي شهدتها مدينة النجف الاشرف طوال تاريخ انشائه.

نشرت في الولاية العدد 100

مقالات ذات صله