مسجد الكوفة المعظم حضارة اسلامية خالدة

تحقيق علي كريم الوائلي

يعدُّ مسجد الكوفة المعظم من أهم واقدم المساجد وهو واحد من أربعة مساجد يخير فيها المصلي بين ( القصر والتمام ) وتناقلت عن فضله روايات عدة وهو اليوم يواصل نشر فكر ومبادئ أهل البيت عليهم السلام والإسلام الأصيل حيث يكتظ بأعداد المؤمنين المتوافدين من دول العالم شتى للزيارة والتبرك به والدعاء فيه لله سبحانه وقد وردت العديد من الروايات في ذلك ويعتبر من المساجد التاريخية حيث سلطنا عليه الضوء من جوانبه الدينية والتاريخية والروحية الى جانب الفن المعماري الذي يرسم هيأته وشكله من الداخل والخارج.

يقول الباحث والمؤرخ الدكتور صباح عنوز بأن مسجد الكوفة من الناحية التاريخية هو من المساجد المهمة في الفضاء الإسلامي ولا يمكن لباحث او مؤرخ أن يتعدى حدود هذا المسجد أولا لأنه مسجد بني على التقوى وان الإمام علي عليه السلام كان يرتقي منبره ويتحدث الى المسلمين فيه، اذ ان هذا المسجد اخذ أهميته تاريخيا حينما امتدت من الإمام علي عليه السلام حتى وصلت الى الامام الصادق عليه السلام الذي جعل منه مدرسة علوم فقهية وعلمية قرآنية مما أعطى لهذا المسجد قيمة تاريخية وعلمية وفي الوقت نفسه اكتسبت النجف قيمة أخرى من مجيء الإمام علي عليه السلام فمسجد الكوفة مسجد ثقافي إسلامي زاوج بين القيم الإسلامية والقيم التربوية حتى إذا ما وصلنا كما ذكرنا عند الإمام الصادق عليه السلام نجد حلقات الدرس تعج بالمشتركين والمسهمين في التحصيل العلمي وكل يقول حدثني الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

ما لباحث ومؤرخ أن يتعدى هذا المسجد
اما من حيث الجوانب الدينية والعلمية فيشير الشيخ هادي زنجيل مسؤول وحدة الشعائر الدينية في مسجد الكوفة المعظم: لمسجد الكوفة المعظم أهمية وخصوصية كبيرة فهو من الأماكن التي يشد اليها الرحال كالمسجد الاقصى والمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، فلا يشد الرحال تقوى وتقربا لله الا الى هذه المساجد وايضا هو من المساجد التي يخيّر فيها المسافر بين صلاة القصر والتمام ولذلك قال الامام علي عليه السلام لقد حباكم الله يا أهل الكوفة بمصلاكم هذا فهو مصلى آدم ومصلى نوح ومصلى ابراهيم ومصلاي وهو مصلى الحجة عجل الله فرجه الشريف ولو علمتم ما لعظمة مسجد الكوفة لأتيتم اليه حبوا على الثلج وفي هذا فان الامام علي عليه السلام بيّن أهمية مسجد الكوفة فهو مصلى آدم وآدم أبو البشرية ومصلى نوح وهو أبو البشرية الثاني وفي وسط هذا المسجد فيه ثلاث روايات هي ان هذا هو بيت نوح والرواية الثانية هو المكان الذي نجرت فيه سفينته والرواية الثالثة هي انه المكان الذي فار منه التنور ويقول الحسن ابن الوشا دخلت مسجد الكوفة فوجدت تسعمئة شيخ يجلسون على شكل حلقات وكل يقول حدثني جعفر بن محمد كلهم كانوا ينقلون علم الامام عليه السلام.

التخير بين صلاة القصر والتمام
ويضيف الباحث حيدر عبد الحسين دوش ببحثه ان الامام علي عليه السلام قال في قوله تعالى (وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين) فقال: الربوة: الكوفة، والقرار: المسجد، والمعين: الفرات (وسائل الشيعة / بحار الأنوار)…
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال (ما من نبي ولا عبد صالح إلا وقد صلى في مسجد الكوفة) …
مسجد الكوفة هو البقعة المباركة التي حباها الله تعالى بأن باركها أنبياؤه وأوصياؤه حيث إتخذوها مكاناَ لمصلاهم ولمناجاتهم مع ربهم وخالقهم الواحد الأحد في أجواء تحيطها الرحمة والمغفرة وأصبح بهم مكان تحن إليه قلوب المؤمنين متسارعة لطلب المغفرة والحوائج من الله تعالى فيا له مكان ترتاح فيه الروح ويهدأ به البال وتنعم به النفوس بالطمأنينة والراحة التي لا توجد في مكان غيره …
وإن قاصد مسجد الكوفة من المسافرين له التخيير في القصر والإتمام في صلاته وهنا تكمن أهميته الكبيرة من باب الأحكام الشرعية التي ذكرت في القرآن الكريم أن أكد الله تعالى على المسافر أن يقصر في صلاته وكرامة لهذه البقعة المباركة فتح باب زيادة الأجر والثواب إكراما له… فما إن كان معبداَ لملائكة الرحمن قبل خلق الخلق وما إن خط جدرانه نبينا آدم عليه السلام متخذاَ إياه معبداَ ومصلى له خلفه نبينا نوح عليه السلام بأن إتخذه بيتاَ وسكناَ له حتى فار التنور منه منبئاَ للحدث العظيم وحن إليه نبينا إبراهيم عليه السلام وقصده الخضر عليه السلام فمروا به تاركين الأثر الطيب لمحبيهم وما أن ختم الله تعالى أنبياءه ورسله وكل من زار وبارك هذه البقعة بمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله فلم يهدأ له بال حين أخبره الحبيب جبرائيل عنه وعن فضله إلا وكان طالباَ من الله تعالى أن يبارك بهذه البقعة المباركة فترك لنا الأثر الطيب والجميل فيه…

محل لمصلاه ومحل لقضائه ومحل لشهادته
وأشار دوش الى: ان فصل الخطاب أتى بأن إتخذه علي إبن أبي طالب وصي خاتم الأنبياء سلام الله عليه محلا لمصلاه ومحلا لقضائه ومحلا لشهادته تاركاَ فيه ذكريات الحاكم العادل المتواضع الذي طالما كان لله عبداَ مطيعاَ وللناس سنداَ ومعينا ومن هنا زاد تعلق الناس بهذه البقعة المباركة التي باركها علي وأبناءه عليهم السلام أن إتخذوها منطلقاَ نحو طاعة الله … فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ومسجد الكوفة …
ففي شد الرحال عناء وغدق أموال وكلاهما قد يضران بالناس ولكن لا تقف هذه الأمور في طريق المؤمنين نحو الأماكن المقدسة التي منها مسجد الكوفة والسبب عظم وقدر هذا المكان عند الله تعالى فبه تبارك الأيدي التي ترفع بالدعاء وبه تأنس النفوس التي كدرتها أعباء الدنيا الفانية بهمومها وشجونها … وعن الصادق(عليه السلام) يقول : صلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة … هذه الكرامة الإلهية والمكرمة الربانية لمؤدين الصلاة في مسجد الكوفة لفيها سر إلهي وفيض رحماني فمن هنا تجلت أهمية مسجد الكوفة عند المؤمنين فيا رياض الجنة ومهبط الطيبين أصبحت منزلا للطيبين ومناراَ للمؤمنين تطلبك الأرواح من بقاع العالم شتى لا يهمها العناء بل يهمها اللقاء…
ويحملنا دوش بأحلامه الى مشهد يقول فيه : كأننا واقفين وفيك يخطب بقية الله في أرضه المهدي الموعود أرواحنا لتراب مقدمه الفدى منادياَ يا أهل العالم ألا من ناصر ينصر دين الله فيتخذك منطلقاَ لتطبيق العدل الإلهي الذي طالما حلم به ممن سبقونا وإنتظروا ذلك اليوم … وليأتين عليك زمان تكون مصلى المهدي عليه السلام ومصلى كل مؤمن ولا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان بك أو حن قلبه إليك…

مركز تاريخ وفكر آل محمد سلام الله عليهم
من هنا وهناك أصبح هذا الصرح عنواناَ عبادياَ وثقافياَ ومركز نور لهدى الناس ومنطلقا فكريا يحمل بين ثناياه فكر وتأريخ آل محمد ومحبيهم فمسجد الكوفة اليوم محط رحال المفكرين والباحثين والمثقفين ورجال العلم فالكل ينهل من عطاياه الدينية والفكرية فمنه بدأ آدم عليه السلام رسالته وسيختم بها صاحب العصر والزمان تلك الرسالة بهداية سكان المعمورة على خطى الأولين المطالبين بهداية الناس على دين خالق الخلق من نشر السلام والمحبة والخير والأمر بالمعروف والنهي عن كل منكر والوقوف بوجه التوجهات التي تريد أن تطمس معالم الإسلام دين الرحمة ودين التسامح ودين الألفة ودين المودة والخير.
فيؤكد الاستاذ نصير الحسناوي الجانب النفسي للفرد في هذه الاماكن المقدسة بقوله : طالما عُرف الإِنسان بسعيه الحثيث للبحث عن البقاع والرقاع الجغرافية التي تسكن إِليها نفسه، ويهدأ لها باله، وتهنأ فيه روحه، فكان أَن حبا الله الإِنسان ببقع طاهرة مُطَهرة مُطهِرة تغدق علينا بِكُل معاني الإِنماء والرقي والطُهر، ولمسجد الكوفة طقوسه ومكانته وحضوته العظمى عند الله ورسالاته المنزلة، فهو حرم الله ورسوله ووليه، الذي تقرب فيه أَنبياء الله ورسله وأَولياه بعبادته، وما لسطور أَن تحشد ذلك الفضل العظيم، سوى أَن نقف عند مروية ابن قولويه عن الإِمام الباقر (عليه السلام) إذ قال: «لو علم الناس ما لمسجد الكوفة من الفضل لشدُّوا إليه الرحال من بعد البلاد».

نشرت في الولاية العدد 102

مقالات ذات صله