مفهوم الصداقة في نظر الإمام علي عليه السلام

الشيخ بدري البدري

للصداقة التزامات وأحكام وتحفظات قد يغفل عنها الكثير فيطلقونها على من يعرفونه من خلال علاقاتهم الاجتماعية أو على زمالات العمل أو الدراسة أو مراحل الحياة الأخرى التي يمر بها الإنسان عبر مسيرة حياته الطويلة، والصداقة لفظة مشتقة من الصدق والود والنصح كما يفهم ذلك من معنى كلمة الصدق في اللغة، وقد فسرت الصداقة بالمحبة وهي لازمة لها بمعنى أن الصديق لابد من أن يتصف بالمحبة لصديقه وإلا لا معنى لوصفه بالصديق تلك الصفة التي يحبها الله ويأمر بالتزامها قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)(التوبة: 119)

صفات الصديق:
لا شك أن خصلة الصدق مصدر كل خير وبر وعطاء وهي خصلة الأنبياء والصالحين من عباد الله، فبهذا المعنى ليس من الإنصاف أن نجري صفة الصديق على كل شخص ونطلقها على كل صاحب فمفهومها رفيع دونه بكثير ما يقوم على المصالح والأطماع واستنزاف المنافع من الآخر وهي ليست كما هو مُتعارف في كثرة وجودها صفة لا تدل على الموصوف مبتذلة فارغة من قيمتها.
لذا نفهم أن هناك التزامات وشروطا يجب أن يتحلى بها الموصوف بالصداقة، فيرشدنا إمامنا إمام الصدق والفضيلة إلى أهم الشروط التي يفترض تواجدها في المرء كي يستحق هذه الصفة الكريمة فيقول (عليه السلام): لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته.
ففي الشدائد يعرف المرء صاحبه وعندها يميز الإنسان خليله ويعرف حبيبه فكم من الناس سقطوا عند أول اختبار وكم منهم بقوا على العهد، نعم هي الأيام وتقلباتها تكشف حقائق وبواطن الناس.
يقول الشاعر (إنَ أخاكَ الحقَ من كان معك ومن يضر نفسَه لِينفعَك)، يعرف المرء صاحبه في ما يمر عليه من نوائب فيعينه فيها ويحل بعض مشاكله ويخفف من وطئتها عليه ما استطاع ويساعده في تجاوزها، فلا يتخلى عنه في ضيقه وهو ينتظر عونه ولا يتركه لوحده يعاني ما عنده وهو ينتظر رفده، ولا يتشمت به فوقع الشماتة على صاحبه المبتلى أشد من بلائه، ولا يتنصل من الصداقة والمعرفة الشخصية فإن ذلك من علامات ضعف الشخصية واهتزاز البناء الداخلي للذات ولولا ذلك لقاوم وتحمل إزاء صاحبه ومن كان يعده صديقه0 نعم يُعرف الصديق عند النكبة وحلول المصيبة التي فيها يحتاج الإنسان لمن يسليه ويواسيه وينسيه ماحلّ به ليقاوم ويواجه بصلابة من دون أيّ انهيار نفسي أو جسدي، لأن ذلك من موارد الامتحان والشهامة وما من أحد إلا وله أعداء ومبغضون يتربصون به ويتمنون وقوعه في محنة ومعاناة ليأخذوا دورهم المناسب في القيل والقال وإشاعة الخبر وترويج الأخبار الكاذبة المغرضة كإحدى وسائل الحرب النفسية والإعلامية المضادة لإضعاف الطرف الآخر فيأتي دور الصديق المؤازر لأخيه في كل مواقفه.
ويعرف المرء صديقه عند غَيبته حيث يتساوى حال الحضور والغياب عنده، ففي الحالين يكون مناصراً له محافظاً على المحبة والود فلا يطعنه بكلمة أو فعل أو أي شيء يسيء إليه فيه وهذا لا يعني السكوت عن الحق أو المعاونة والمؤازرة له حتى في الباطل بل المفروض أن التجاوزات الشرعية لو صدرت من أحد لا يؤيدها أو يقرها عليه صاحبه وهي خارجة عن جو الصداقة والوفاء لها فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وتتقدم نصرة الحق على الباطل ولو كان على حساب الصداقة ومما يكثر وجوده في الصداقات العامة غير المرتكزة على الصدق والحق، بل مرتكزة على دنيا المصالح والمنافع، أن يكون الاندفاع في رعاية حق الصديق مقتصراً على حضور الشخص فلا مانع عند غيبته من المساهمة في النيل منه والتعريض به بكلام يحط من قدره وما شابه، وهذا مما يعكر صفو العلاقات ويجعلها مجاملات فارغة، وقد يعدُ بعضهم هذا اللون من الازدواجية في التعامل أحد أنواع الشطارة والقدرة على المراوغة وكسب الناس و..و..مما يتوهمونه، مع أنه بعيد عن القيم والمبادئ.
والوفاء للصديق بعد وفاته كما في حياته بالبِرّ سواء أكان لذكره بالخير وأعماله ووصله بما يُسَرُّ به بعد وفاته من إهداء الصالحات له وذكر الجميل من خصاله، أو يكون وفيا لعائلته، لأولاده، لأقربائه، لأبويه، لكل ما يذكِرُ به حتى الأصدقاء هذه بعض صفات الوفاء لحق الصديق إذا اتصف بها المرءُ كان جديراً أن يكون صديقاً صدوقاً فيما أعلنه من صداقة وفيما ادعاه من انشداد وقرب روحي.

نشرت في الولاية العدد 102

مقالات ذات صله