الكتاب والمكتبات ودورها في ثقافة المجتمعات

الاستاذ غازي فيصل حمود –  امين المكتبة الاهلية في البصرة

لقد كان لاسهامات علماء ومفكري البصرة وشعرائها خلال الفترات التاريخية المتعاقبة مبعث كبير على خصائص النهضة الفكرية في مدينة البصرة، كما كان للبصريين من نحاة وادباء وكتاب ومؤرخين ووارقين وعلماء اسهامات رائدة وكبيرة لخدمة الانسانية في ميادين اللغة والنحو والادب وفي ميدان النشر.
وقد انجبت البصرة رجالات عظماء من امثال (الخليل بن احمد الفراهيدي وابي عثمان بن بحر الجاحظ، وابي يوسف بن اسحاق الكندي) وغيرهم وقد تميزت البصرة عبر تاريخها الثقافي والادبي بتعدد المراكز الفكرية والثقافية، الامر الذي ادى الى ازدهارها فكريا وثقافيا، وقد كان سوق المربد اهم مركز للاشعاع الفكري والثقافي في حينها، كذلك لعبت المجالس الادبية والشعرية واللغوية دورا مهما في توسيع دائرة النشاط الفكري في المدينة، كما لعبت المدارس وخزائن الكتب دورا متميزا في تنمية مدارك المثقفين والادباء والعلماء في المدينة، حيث ظهر مدى شغف كتاب البصرة والمرموقين كالجاحظ وغيره بمطالعة الكتب واقتنائها، ومن منا لم يسمع بقصة وفاته اثر انهيار مكتبته عليه.
اما اليوم لا يخفى على احد ما للكتاب من اهمية في ثقافة وتوعية الشعوب، فلولا الكتاب لما انتقلت الثقافات والعلوم بانواعها من اسلافنا وصولا الينا، اي من عصر الى اخر، وكم من ارث ثقافي كبير مثل روائع شعر عصر ما قبل الاسلام الذي انتقل الينا من ذلك العصر محفوظا بمخطوطات طبعت في كتب فيما بعد.
وخير دليل على اهمية الكتاب هو نزول الاديان السماوية بكتب من الله جل جلاله على البشر، ثم تناقلت عبر العصور من جيل الى جيل محفوظة غير منقوصة، والكاب هو خير حفيظ لها، حيث يقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (إنه قرآن كريم في كتاب مكنون) ولا بد للعلوم والثقافات والدساتير السماوية ام تحفظ بكتب لذا كان لزاما ان تكون هناك أماكن للحفاظ على هذه الكتب، فكانت المكتبات بكل تفرعاتها، العامة والخاصة والتجارية، وهي صاحبة الفضل الاول في انتقال المعلومات والارث الثقافي والعلمي والادبي الينا، فلولا حفاظها على الكتب لما وصلت الينا من جيل الى جيل، ومن عصر الى عصر حتى يومنا هذا، فلولا الكتاب لما كانت المكتبات والعكس صحيح.
ومن هنا يتضح لنا ما للكتب والمكتبات من اثر مهم على المجتمعات الانسانية في جميع المجالات الدينية والثقافية والعلمية والقانونية وغيرها.
وبصرتنا الغنية بحضارتها وماضيها الثقافي، كثر فيها اصحاب الكتب من الشعراء والادباء، وانا هنا لست اتعرض الى ذكر اسماء خوفا من ان يسقط مني اسم ما سهوا فابخسه حقه، لذلك انوه بأن الاسماء كثيرة سابقا وحديثا وبمستويات متفاوتة، فمنها من فرض نفسه وبقي نارا على علم، ومنها من اختفى وتلاشى من الزمن، وهنا نعود الى الكتاب الذي يخلد صاحبه المؤلف، فمهما طال الزمان ومرت السنوات يبقى الكتاب ذكرا طيبا لصاحبه (كالولد الذي يخلد ذكره والده)، وفي السنوات الاخيرة التي تلت التغيير اي بعد عام 2003م ازدهرت صناعة الكتب في العراق واصبحت هناك الكثير من دور النشر والتوزيع والطبع، بعضها عراقية خالصة وبعضها لها اصول في سوريا ولبنان حتى مصر اخذت على عاتقها عملية طبع نتاجات المؤلفين العراقيين الابداعية في مختلف مجالات العلم والادب والسياسة والدين وغيرها، هذه الظاهرة في رؤيتها العامية هي ظاهرة صحية، لكن لها الكثير من السلبيات، من اهمها الكم على حساب النوعية، اذ ليست هناك لجان تقويمية وتقييمية للكتب، اضافة لعدم ضمان حقوق المؤلف من سرقة عمله الفكري والابداعي، فنجده يرى اغلب كتبه قد تعرضت للقرصنة لتعاد طباعتها بطبعات بسيطة اشبه بالاستنساخ فتباع في المكتبات، ونحن من خلال تجمعنا هذا وبصفتنا مروجين للكتاب والثقافة بكل صورها، نطالب الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الثقافة بان تنظم عملية النشر بقوانين خاصة تضمن حق المؤلفين والناشرين على حد سواء، وكذلك نشد على يد الجهات والهيئات غير الرسمية مثل منظمات المجتمع المدني الثقافية واقسام الشؤون الدينية والثقافية في العتبات المقدسة وفروعها متمثلة بالمراكز التراثية في المحافظات بالاستمرار في منهجهم الثقافية باستقطاب الكتاب لطبع كتبهم من خلال تلك المراكز، وكذلك نشر بحوث العديد من الاساتذة الجامعيين في المجلات المحكمة التي تصدر عن تلك المراكز..

نشرت في الولاية العدد 103

مقالات ذات صله