الإمام علي عليه السلام ومنقبة الولادة

محمد علي البديري

ان لأمير المؤمنين (عليه السلام) فضائل لا تحصى من كثرتها فهو ربيب صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله)، فقد أخذ منه صفاته وأدبه من نعومة أظفاره وتعلم من بديع بيانه وبليغ حكمه حتى صار إماما للبلاغة والبيان.

إن لعلي(عليه السلام) فضائل جمة ومناقب لا تعد، فقد رُويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قوله: (إن الله جعل لأخي علي فضائل لا تحصى، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقراً بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر) (دلائل الصدق ص 320).
وهو بمحل من رسول الله(صلى الله عليه وآله) من القرب مالم يصله أحد سواه وهو الذي يقول في ذلك المعنى ويشرح لنا مدى اختصاصه والتصاقه بالنبي منذ صغر سنه يذكر ذلك في خطبته الجليلة المعروفة بالقاصعة: وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحِراء فأراه ولا يراه غيري.
ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحيُّ عليه (صلى الله عليه وآله) فقلت يا رسول الله ما هذه الرنة ؟ فقال: إنه الشيطان أَيِّسَ من عبادته، إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي. ولكنك وزير وإنك لعلى خير).
علي وليد الكعبة
روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة في ــ أماليه ــ عن الإمام الصادق (عليه السلام): (كان العباس بن عبد المطلب ويزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلى فريق بني عبد العزى إزاء بيت الله الحرام، إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم، وكانت حاملة بأمير المؤمنين (عليه السلام ) لتسعة أشهر، وكان يوم التمام، فوقفت إزاء البيت الحرام، وقد أخذها الطلق، ورمت بطرفها نحو السماء وقالت: يا رب إني مؤمنة بك وبكل كتاب أنزلته، وبكل رسول أرسلته.. ومصدقة بكلامك وكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام) وقد بنى بيتك العتيق، وأسألك بحق أنبيائك المرسلين، وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في أحشائي.. إلا يسرت لي ولادتي).
وما ان انتهى دعاء السيدة فاطمة بنت أسد حتى انشق جدار الكعبة من الجانب المسمى (بالمستجار) ودخلت السيدة فاطمة إلى جوف الكعبة وارتأب الصدع، وعادت الفتحة والتزقت وولدت السيدة ابنها علياً هناك.
وصل الخبر إلى أبي طالب، فاقبل هو وجماعة وحاولوا فتح باب الكعبة حتى تصل النساء إلى فاطمة ليساعدنَها على أمر الولادة، ولكنهم لم يستطيعوا فتح الباب، فعلموا أن هذا الأمر من الله سبحانه وتعالى.
وحدَّثت السيدة فاطمة بما جرى عليها في الكعبة، قالت: فجلست على الرخامة الحمراء ساعة، وإذا أنا قد وضعت ولدي علي بن أبي طالب ولم أجد وجعاً ولا ألماً، وبقيت السيدة في الكعبة ثلاثة أيام، وانتشر الخبر في مكة، وجعل الناس يتحدثون به حتى النساء، وازدحم الناس في المسجد الحرام ليشاهدوا مكان الحادثة، حتى كان اليوم الثالث، وإذا بفاطمة قد خرجت ـ من الموضع الذي كان قد انشق لدخولها ـ وعلى يديها صبي كأنه فلقة قمر، وأسرعت الجماهير المتجمهرة إليها فحدثتهم بما جرى لها من كرامة داخل البيت وأنها بقيت ثلاثة أيام تأكل من ثمار الجنة وأرزاقها.
قد أفلح المؤمنون
استقبل سيدنا أبو طالب السيدة فاطمة مهنئاً، وأخذ وليده المبارك وضمَّه إلى صدره ثم ردَّه إلى أُمه، وأقبل رسول الله وكان ذلك قبل أن يبعث فلما رآه علي جعل يهش ويضحك كأنه ابن سنة، من حيث المشاعر والإدراك فأخذه النبي(صلى
الله عليه وآله) وقبَّله وحمد الله على ظهور هذا المولود الذي كان يعلم أنه سيكون له أحسن وزير وخير أخ وأول مؤمن به، وتتحقق به آمال رسول الله وأمانيه بنشر دينه الذي سيبعث به، فسلم علي على رسول الله ثم قرأ هذه الآيات: بسم الله الرحمن الرحيم (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خشعون ) إلى آخر الآيات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قد أفلحوا بك.
وقرأ تمام الآيات إلى قوله تعالى: (أولئك هم الوارثون ـ الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أنت والله أميرهم.
تاريخُ الولادة
ولد (عليه السلام) يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب بعد مضي ثلاثين سنة من عام الفيل، في حادثة ما تكررت منذ أوجد الله الدنيا والكعبة المطهرة، إنها الولادة المشَّرفة بطيب وشرف وليدها الذي ابتهج المؤمنون بقدومه وسُرت السموات والأرضون ومن فيها بمقدمه، حادثة سجلها المؤرخون وأنشد لها الشعراء في كل الحقب منذ الولادة إلى آخر الأيام، ونظم لتلك المفخرة السيد الحميري بأبياته ألتي اصبحت نشيد الولادة:
ولدته في حرم الإله وأمنه              والبيت حيث فناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة              طابت وطاب وليدها والمولد
ما لُف في خِرق القوابل مثله          إلا ابن آمنة النبي محمد
إنه الوليد الوتر الذي اختار الله الكعبة مولداً له، في منقبة لم يسبقه فيها سابق ولم يلحقه لاحق، فسلام عليك سيدي يا أمير المؤمنين يوم ولدت في بيت الله مهلِلاً حامداً، ويوم عشت ناصراً لدين الله مجاهداً في سبيله ولنبيه مؤازراً، ويوم استشهدت في بيت الله، ويوم تبعث سعيداً وشافعاً.

نشرت في الولاية العدد 104

مقالات ذات صله