الإمام المهدي في ضمير الأمة

 

السيد فاروق ابو العبرة

العقيدة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف محل اتفاق جميع افراد الامة الاسلامية، ومجمع عليها، اما الشيعة فاعتقادهم به عليه السلام انه حالة واقعية موجودة وانه حي يرزق ويعيش وسط الناس له حياته الخاصة بينهم وفي نهاية المطاف يحقق الامل في نجاح الانسان وحكومته الالهية، ولم يتمكن اي من المذاهب ان يأتي بدليل عقلي يمس هذه الحقيقة، بغض النظر عن التفاصيل لأن الأدلة النقلية مستفيضة ومتواترة ومتعاضدة وكلها تثبت ان الامام وقد منحه الله عمرا طويلا، وله غيبة لعلة ارادها الله ان تتحقق في اخر الزمان، وان دعوته ضمن الاحتياج البشري من الدعاة الالهيين وسعيهم حتى تبقى التعاليم مرتبطة بالله عز وجل.

المجتمعات ادركت عبر القرون ان معارف الأنبياء في التوحيد والحرية والعدالة وكرامة الانسان ما كانت قابلة للادراك في حينه ولكنها اليوم اصبحت رائجة ولكن بلا محتوى والمحتوى سيأتي به الامام حاملا معه اعباء كل تلك الرسالات، وهذه دلالة عدم انقطاع مد السماء الى الناس في اي زمن ولم يكن الله تعالى ليهملهم دون ان يحتج عليهم.
فالإمام نتيجة متمخضة لنجاحات جميع أولئك الصالحين من الانبياء والرسل الذين اثاروا ولفتوا اذهان الاجيال في كل عصر الى نقطة الخير في هذا الوجود والامام عليه السلام سيعظّم تلك الفترة ليخلص الى نتيجة تجديد الوعي بكل ابعاد هذه العقيدة الدينية.

انتظار الفرج:
ان تجذر الايمان في قضية صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف لهي في وجدان الامة بمقدار تزايد الصعوبات التي تواجه البشرية حيث اصبح المسلمون اكثر انجذابا الى حصول التغيير والتحول من العتمة الى نهضة عالمية على طريق الاصلاح الكلي.
لأن ما تحقق من تواجد الطواغيت والحاكمين والفاسدين واعتداءاتهم على الحقوق لا ينبغي للناس ان يتخيلوا ان المصير هو هذا الظلم وعليهم ان يقبلوا وانما الفرج سوف يأتي به الله تعالى وهو متوقع في اي لحظة قادمة يزعزع به عروش الطغاة وينتصر لمعاناة البشرية وعذاباتهم، فاليأس ليس له مكان، واشتباه القعود بحجة انه سيحدث امر ما فالسيطرة على الظلم والسعي لغلبة الحق وتحقيق حاكمية العدل من المبادئ الاسلامية التي علمتنا الشريعة الإسلامية ان النهوض بوجه اولئك الظالمين حتى لو كانت قواهم لا تتناسب مع القوى التي نمتلكها فالدرس اعطاه لنا عظماء المسلمين الذين ضحوا بأرواحهم عندما رأوا الخطر محدقا بالاسلام وبهذا الاطار بذلت جهود كثيرة ومضنية ودماء والام ومحن من اجل سيطرة الحكومة الالهية على المجتمعات ولكن بلا جدوى وهو خط الانبياء من ادم عليه السلام والى نبينا محمد صلى الله عليه واله واوصيائه الائمة واخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه في اهدافهم ارساء قواعد اقامة حكومة العدل الالهي قبالة الظلم وكانت تأكيداتهم التضحية حين اقتضاء المصلحة وعدم السكوت على الظالم.
اذن المجتمع الذي سيصلحه الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو نفسه الذي بعث من اجله جميع الانبياء الذين كانوا مقدمة لإنشاء مجتمع انساني ولكن هذا الامل تأخر ولم ينجز في حينه وهو عليه السلام سيحققه ويأتي بالخطوة اللاحقة لانشاء ذلك المجتمع المثالي الالهي، الذي من خصائصه اعزاز المؤمنين واذلال اعداء الله تعالى والارتقاء بمستوى الفكر البشري على الصعيدين الانساني ومستوى المعارف الاسلامية، اي ان المعايير التي نراها اليوم ستتقلب في ذلك المجتمع ولم نجد فيه ما كان يعانيه الناس من الجهل والفقر الثقافي الاسلامي لأنهم سيرتقون لفهم الدين وسيخلق مجتمعا مثقفا اسلاميا دينيا وهذا انذار بزوال كل عناصر الظلم والجور التي لا ينبغي ان تتواجد على ارض هو عليه السلام حاكم فيها.
وكل القوى والطاقات التي كانت تقتل البشر وتقضي على الفضيلة ستنتهي وستوضع جميع اسباب النفع المادي بيد جميع الناس ولن يبقى فقير او معوز.
ومثل هذا المجتمع الذي تصل فيه الكفاية المعرفية والدينية والاقتصادية الى مستوى اعلى وتكون فيه التقوى والفضيلة اصلا ومحورا لهو المجتمع الذي يجب ان نوسع فيه مقدارا اكبر من تطبيقاتنا الاسلامية لنصل اليه ونساعد على طي مراحل الوصول الى المجتمع الفاضل وهذه هي فلسفة التقرب الى امام الزمان اذ ليس المعنى المكاني والزماني وانما انجاز في حجم المجتمع كماً ونوعاً واستعمال مناهج تتناسب مع التجديد والايمان بالمقدمات وانشاء قواعد شعبية فيها من الوعي الايماني والسلوك القويم بلحاظ الظاهر الاسلامي والمحتوى الحقيقي.
من هنا نعلم ان الشقاء والبلاء والعقد الصعبة واليأس كل تلك ستزول وسيمتلئ العالم بنور الايمان والعدل ولن يكون البشر بعد ذلك اليوم الموعود تحت وطأة اي ظالم او حاكم ظالم لأن حاكمية الاسلام والقرآن هو فرج الشعوب.
اما التبشير المادي الذي نراه اليوم يفرض على الناس بقوة التمييز الطبقي والعنصري فيصنع مجتمعا مليئا بالمحرومين والاذلاء والمغلوبين والمعذبين ويصنع لهم ذهنية خاطئة ومعايير مقلوبة فمن وسط هذا الخضم يتطلع اولئك بأمل الى منقذ ينتشلهم ولكن القوى الغاشمة تحول ولا تسمح ان يحصل فرج او تغيير في حل هذه المعضلات او فك لهذه العقد او فتح لهذه المصاعب وهم لا يدرون ما الحل وما الطريق الى خلاصهم.
اذن المسلم متى ما شاء ان يقترب بحركته الى حصول الفرج او عندما يريد ان يسرع بعملية منتظمة لاعماله على ضوء الاسلام او عندما يعطي وقتا من وعيه لأن لطف الرب بانتظار حركة ابن ادم وعليه المدار فكل خطوة يخطوها بالاتجاه الصحيح ستكون مقدمة لظهور الامام عجل الله فرجه وسيعلمون في مستقبل الايام ان الاولياء والصالحين الذين تجرعوا السم وغصص الصبر والوان العذاب سيحكمون الارض لقوله تعالى (ان الارض يرثها عبادي الصالحون)(سورة الانبياء: 105).
واخيرا سيوف يسعد الناس بالإمام ويشعرون بالبهجة والسرور ولكن الامام يعيش الالم على قلبه وروحه بسبب الجرائم التي يتعرض لها اتباعه والمآسي التي ترتكب في حق الشيعة واذا كان الذي يهمه امر المسلمين يعيش الما وحزنا فساعد الله قلب الامام عليه السلام.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله