الدكتور حسين لفته
تعد شخصية الصحابي الجليل سلمان المحمدي رضوان الله تعالى عليه من الشخصيات التي قل نظيرها.. لأنها حوت من الميزات والورع والتقوى ما لا يتوفر الا عند القلائل, فقد كانت حياته مليئة بالعطاء، كيف لا وقد أوسمه رسول رب العالمين صلى الله عليه واله حينما قال: (سلمان منا أهل البيت) ولم ينسبها لأحد من أصحابه من المتقدمين أو المتأخّرين.
فكان مصداقاً بارزاً لقوله تعالى (إن اكرمكم عند الله اتقاكم) فصار محمدياً وعلوياً بعد ان كان فارسياً، ومعلوم أنّ علياً (عليه السلام) اسماه سلسل بمعنى انه يؤتي الحكمة والبرهان طريقاً للعارفين.. حيث شاءت قدرته تعالى ومن عظيم حكمته وبديع تدبيره ان يهيئ لرسوله المصطفى يوم كان وحيداً فريداً طريداً من قومه شريداً في أرضه حريصاً على تحمل امانته الرسالية وعقيدته الربانية في ذلك المجتمع الضحل العنيد في عصبيته الغارق في جاهليته المطبق على صنميته والرافض لمعرفة ربّه وعبوديته فاذا باليد الخفية التي امتدت من الرسول (صلى الله عليه واله) ويهيأ له الأصحاب الاوفياء الذين ما عاشوا وما دامت اعمارهم الا بالتفاني والاخلاص في ايمانهم من اجل قيام الدعوة المباركة ومواجهة التحديات الصعبة يوم كانوا هم المبادرين السابقين في طاعة نبيهم (صلى الله عليه واله) يشكلون اداة الربط الوثيقة بين المؤمنين بجمع شتاتهم وشد عزائمهم وتوحيد صفوفهم يضربون المثل الاعلى في أرقى القيم وأروع المواقف التي تنشرها الارض في الايمان الحقيقي بالله ورسله وكتبه واليوم الاخر.
ومن المضامين الرفيعة التي تهافتت عندها جميع الحواجز المادية والنزاعات القبلية والعنصرية تلاحم افكارهم وتوحد رؤاهم في سوح العدل والجهاد ولم يفرقوا بين الاسود و الابيض والعربي والأعجمي والقريب منهم والبعيد حيث مجدتهم سماء المعمورة كما ورد في قوله تعالى حقيقة ما هم عليه قولاً وفعلاً : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ..) وهذا يعني أنّهم كانوا يتنافسون ويتسابقون نحو المكارم ورضى الله تعالى وطاعة من له حق الطاعة قولاً وفعلاً مناشدين اخوانهم وعشائرهم للاقتداء بهم الى سبيل النجاة.
وصدق عليٌّ (عليه السلام) إذ قال: (السبّاق خمسة: فأنا سابق العرب وسلمان سابق فارس وصهيب سابق الروم وبلال سابق الحبشة وخباب سابق النبط)، فسلمان الصحابي الجليل (رض) هو احد المجسدين الحقيقيين للصحبة في الله ولرسوله الكريم وللمؤمنين فكان حقاً علينا ان نستعرض للأجيال الآتية ما به من مآثر و ماله من مناقب وكرامات متصلة بعالم التدين عندما بدأ رحلته موحداً ومهاجراً يبحث عن حقيقة ما يصبوا اليه حتى أوصلته عزيمته وصدق إرادته الى مبتغاه حيث جنح بين أحضان النبي (صلى الله عليه واله) ملبياً دعوة الحق مجاهداً تقياً شهد له البعيد والقريب.
اذن كان سلمان من نجوم الهداية الزاهرة التي استنارت من منبع النور النبوي والعطاء العلوي فقد كان بحق محمديا و علوياً في أخلاقه وحسن سيرته.
نشرت في الولاية العدد 105