لقاء مع رئيس مجلس محافظة ذي قار

حاوره هاشم الباججي

كثيرا ما تهتم مؤسسات الدولة بحكوماتها المركزية والمحلية بالبناء والاعمار ، وهذا بحد ذاته شيء ايجابي ، ولكن في الوقت نفسه تناست دورها في بناء الانسان من خلال انشاء وتأسيس مراكز الابحاث والدراسات والمؤسسات الثقافية والفنية التي تساهم بصورة فاعلة في تنمية الانسان وزيادة وعيه الفكري والثقافي ، ومن ثم بناء المجتمع ككل، و تسعى العتبة العلوية المقدسة بتواصلها الاعلامي والثقافي مع المحافظات للتعاون مع المؤسسات الاكاديمية والثقافية والحكومية لنشر القيم الانسانية من خلال الفكر والثقافة والعلم ، ومن اجل تسليط الضوء على الواقع الثقافي في محافظة ذي قار كان لنا هذا اللقاء مع الاستاذ حميد الغزي رئيس مجلس المحافظة بكونه اعلى سلطة تشريعية في المحافظة.

كيف تقيمون الواقع الفكري والثقافي في المحافظة؟
الناصرية هي ام الفكر والثقافة والادب، فأغلب الشعراء والادباء والمفكرين هم من الناصرية، ولكن الظروف التي يمر بها البلد وعدم العناية والاهتمام سواء من جانب الحكومة المحلية بما فيها المتحدث او دور الحكومة المركزية المتمثل بغياب دور وزارة الثقافة ، هذه الوزارة الكبيرة والمتكاملة، ولكن لا يوجد لها تمثيل كبناية او مركز تمثل هذه الوزارة المهمة، بل يوجد فقط بيت ثقافي وموظفون لا يتعدون عدد اصابع اليد وليس لهم أي نشاط فكري او ثقافي او دور مهم، ولم يقوموا باي عمل خلال هذه الفترة، وهذا ينعكس بالجانب السلبي على الاداء الثقافي للمحافظة، وكذلك عدم وجود بيأة راعية وان توفرت البيئة عدم وجود مؤسسة راعية كوزارة الثقافة وممثل للوزارة او وجود منهجية او مشاريع مخصصة من قبل وزارة الثقافة وعدم وجود مؤسسة حقيقية فيها برامج لرعاية هذه الطاقات الفكرية، فهذه الامور اثرت سلبا على واقع الفكر والثقافة والادب في داخل محافظة ذي قار، فحدث تراجع في الجانب الفكري والثقافي في المحافظة، بالإضافة الى العوامل الاخرى التي قد تتزامن مع العولمة والغزو الفكري والثقافي المضاد للقيم الاخلاقية والفكر الاسلامي الصحيح، فالانترنت والفضائيات او غيرها أثرت سلبا على المنظومة الاخلاقية في المجتمع.

خلال زياراتي المتكررة للمحافظة لمست انتشار الكثير من الافكار والتصرفات المنحرفة لاسيما بين الشباب؟
الفراغ الفكري عادة في كل المجتمعات يكون بيئة خصبة لنشر الافكار المنحرفة بالإضافة الى عدم وجود حصانة فكرية لدى الشباب او وجود مؤسسات اخرى تثقف ثقافة مغايرة ادت الى انتشار هذه الافكار بين الشباب والنتيجة قد يصل احيانا الى نكران الدين والتراجع الاخلاقي الاسري في المحافظة وارتفاع نسبة الجريمة ، لدينا احصاء امني وجنائي داخل المحافظة فظهر ان اغلب الجرائم والممارسات اللاأخلاقية تكون ما بين سن 18 – 22 سنة، وهذه الجرائم بين الشباب خاصة نتيجة عدم وجود الثقافة والحصانة بين الشباب ادت الى ارتكابها لاسيما جرائم هتك العرض وزنا المحارم والمخدرات ونحتاج الى وقفة ومراجعة شاملة، لماذا انتشار هذه الجرائم اللاأخلاقية وما سببها؟ سيما وانها بدأت بالتصاعد سنة بعد اخرى.

لماذا لا تولي الحكومات المحلية الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي ؟ الا تعتقدون ان بناء الانسان أفضل من بناء العمران؟
كل البلدان التي تمر بأزمة امنية وعدم استقرار سياسي وتردي الواقع الاقتصادي تحصل هكذا مشاكل فكرية وثقافية، ولا نستثني حتى الاحداث الدولية من ذلك، انا اتفق مع جنابكم ان بناء الانسان افضل من بناء البنى التحتية والعمران باعتبار ان اكثر البلدان التي تطورت قد خصصت 80% من ميزانيتها لبناء الانسان20% للعمران، لكن في العراق هناك غياب واضح لوزارة التخطيط ، فهذا ليس عمل الحكومة المحلية او الحكومة المركزية اقصد رئاسة الوزراء فهي مشغولة بالأمن و وضع الخطط الاستراتيجية والتنمية الاقتصادية، المفروض من وزارة التخطيط وبالتعاون مع وزارة الثقافة ان تأخذ على عاتقها هذه المهمة وان تضع الخطط والمشاريع الفكرية والثقافية للنهوض بالإنسان، فكل المحافظات الجنوبية ليس فيها مشاريع ثقافية ناهضة ،يفترض بوزارة التخطيط مع وزارة الثقافة ان تخصص مشاريع انية ومستقبلية لتنمية القدرات البشرية وانشاء مراكز البحوث والدراسات لمعالجة اولا الظواهر لسلبية التي تظهر في المجتمع، وتحدد المعالجات لهذه الظواهر السلبية، لكن هناك غياب واضح لوزارة التخطيط، وكحكومة محلية لا يوجد لدينا أي مشاريع مخصصة لذلك منذ سنة 2014، ولكن هناك تواصل مع النخب والكوادر الثقافية وهذا التواصل قد يكون شيء بسيط لا يتناسب مع برنامج واضح لاحتواء ومعالجة هذه الظواهر.
كحكومة محلية هل لديكم مشاريع ثقافية وفكرية للنهوض بواقع الانسان الفكري والاخلاقي؟
لدينا بعض المشاريع الثقافية التي انجز قسم منها والقسم الاخر متوقف، كقصر الثقافة وقصر العدالة والمنتدى الاقليمي للشباب وتقريبا هناك سبعة بنايات تعنى بالثقافة على حساب تنمية الاقاليم في اقضية ونواحي المحافظة وهذه المراكز الثقافية عبارة عن ورش لتعلم الحاسبات والالكترونيات والخياطة للنساء وغيرها وبالتعاون مع منظمات دولية ولكن المشكلة عندما يطرح مشروع لتنمية القدرات التطويرية للشباب نرى عدم تفاعل الشباب مع هكذا مشاريع والذين يدخلون فيه عددهم قليل جدا، لكن نرى الجانب الاخر اللهوي كثرة من الشباب يتجهون اليه.

خلال جولتي في المحافظة ولقائي بعدد من المثقفين لمست هناك غيابا واضحا لبعض المشاريع الثقافية والفكرية التفاعلية؟
هذا كلام صحيح، لا نقول انعدام المشاريع وانما هناك التفاتة قليلة من الحكومة المحلية، وبصراحة يجب ان تكون خطوة من الحكومة وخطوة اخرى من المجتمع والمنظمات الاكاديمية والدينية وحتى منظمات المجتمع المدني، وقد قمنا برعاية بعض المنتديات والمؤتمرات وقمنا باستقدام شخصيات أكاديمية وثقافية، ولكن لم يكن هناك تفاعل جماهيري مع هذه الامسيات والمؤتمرات وحضور يرضي الطموح، اعتقد ان هذا الدور يجب ان يكون تضامني يقع على عاتق المؤسسة الدينية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاكاديمية وهو دور مغيب، فليس باستطاعة الحكومة المحلية ان تقوم بكل الادوار فالحكومة تضع برنامجا او تدعم مشروعا او ورشة عمل او امسيات ثقافية ،ولكن اين دور المؤسسات الاخرى فعليها دور كبير القيام به، ويجب ان يكون هناك برنامج من قبل وزارة الثقافة بالاشتراك مع وزارة التخطيط ورسم خطة وفق برنامج ورؤية صحيحة تكون لكل المحافظات.
ذكرتم بعض السلبيات داخل المجتمع، لكن هل وضعتم لها الحلول؟
هناك سلسلة معالجات قمنا بتشخيصها، فمثلا انتشار حالات السرقة تكون بسبب عدم وجود سياسة واضحة لمعالجة البطالة التي بدأت تكثر بالمجتمع، فلا بد من توفير فرص عمل للعاطلين والخريجين عن طريق تعاون القطاع العام مع القطاع الخاص فبالتأكيد ان القطاع العام لا يستطيع ان يستوعب جميع الخريجين، ونحتاج الى برامج واضحة من قبل الجميع الحكومة والمؤسسات الدينية والثقافية والاكاديمية، حالات الانحراف الفكري لدى الكثير من الشباب فمن الواضح ان هناك ضخ اموال كثيرة لغرض تشويه المشروع الاسلامي والنظرية الاسلامية بين شبابنا خاصة، لذا نحتاج الى برنامج واضح يشترك فيه الجميع للتصدي لهكذا مشاريع، نحن في الحكومة المحلية حللنا الكثير من الانحرافات والجرائم فلاحظنا ان هناك ارتفاعا ببعض الجرائم وبعضها انخفض وبعضها بقى يراوح مكانه، فيجب معالجة سبب ارتفاع هذ الجرائم وسبب انتشارها كهتك العرض والمخدرات او التي انخفضت ما سبب هذا الانخفاض وما هي العوامل التي ادت لذلك، واعتقد ان تظافر الجهود الدينية والاكاديمية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني هو الحل الامثل وعدم رمي الاخطاء على عاتق جهة معينة، فيجب التكاتف لنحد من هذه الظواهر السلبية ونحتاج لقوة تجابه القوة المضادة من هذه الهجمة والغزو الموجود فالفكر لا يحارب الا بالفكر وليس بالأموال او بمشروع او غيره.

أخيرا .. ماذا يمثل لك الكتاب!
الكتاب هو الصديق والاخ، الكتاب لا يمكن ان نستغني عنه رغم التطور التكنلوجي وسهولة الحصول على المعلومة وكثرة مصادر المعلومات لكن يبقى الكتاب هو الصديق والرفيق، واخيرا احب ان أشكركم على هذا الدور الذي تلعبونه في نشر الثقافة والادب في المحافظات وتحملكم مخاطر السفر والطريق ومن الله التوفيق.

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله