الحياة الاجتماعية بين التشريع والتقاليد الموروثة

ميثم السنيد

ما يزال بعض الناس متشبثا بسيل من السلوكيات الفطرية، التي لن تستطيع موروثات الجاهلية التأثير بها مهما تقادم بها الزمان ولم تثلمها الصراعات مهما كانت دامية فرأينا عروة بن الورد قد انبرى يعطف على المعوزين ويحن على المرضى فكان يغير على القافلة الغنية ويدع الفقيرة منها تمر بسلام استشعارا منه بأهمية المساواة والعدالة الاجتماعية في توزيع الاموال حتى قال لزوجه:

دعيني اطوف في البلاد لعلني                 افيد غنى فيه لذي الحق محمل
اليس عظيما ان تلم ملمة                         وليس علينا في الحقوق معول

ثم إن هالة الراحة المعاشية لدى الفرد التصقت بتلك السلوكيات في كل مكان وزمان, ولكن تحقيقها بانتظام يحتاج الى خلق اجواء عائلية يجبل عليها الفرد من خلال تربيته او دينه, كما تحتاج الى انسيابية في طبيعة الفكر القائم من حيث الجدارة بإصابة الحقيقة وتوفير المثل الأعلى على ارض الواقع.
فمن أين تعرف إذا كان هذا الحكم قابل للحركة أو الإضافة بعد القرار السماوي إذا لم يكن هناك شخص تتوفر فيه قيمة لا تقل عن مصدر المرسل الإلهي؟ فعلى سبيل المثال رأينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يفرض الزكاة على الخيول مما لم يحدث سابقا وبهذا أوضح لنا نظرية أن الزكاة كنظرة إسلامية لا تختص بمال دون مال والامام المعصوم هو الذي يحدد في أي مجال يراه ضروريا لتطبيق الزكاة عليه.
فمن أين تأتي بشخص يقنعني أن ما اتخذه المصدر التشريعي هو عين الصواب ولم يكن خاضعا للتعديل أو التراجع فيما بعد؟ فما اسرع التغيير في قوانين الدولة الواحدة وبخاصة المتطورة في الوقت الحاضر بل يتعداه الى التغيير الجذري في دستور الدولة، وكثير ما نسمع بذلك في هذه الايام حتى في الدول التي يعبر عنها بالعتيدة مثل تركيا.
فالناس يريدون المساواة وتحقيق العدالة, لكن قاعدة الصدور التي تقرر الطريقة الصحيحة لوضع الحلول هي المعضلة التي أصبحت مصدراً انهزاميا للوبياتٍ كبيرة في كثير من الأحيان مما يسبب أمراض القيم الاجتماعية عند كثير من الشعوب, فالسبب لا يأتي من الشعب بالدرجة الأولى وان كان لا يخرج من دائرة المسؤولية.
وكيف يتحكم بعاطفته من كان لا يملك نفسية عالية من السيطرة على أحاسيسه ومشاعره وبخاصة في الأمور الصعبة كالحروب؟
فعندما نلج في أعماق التفاصيل لما يواجهه الجندي في ساحات الوغى نستغرب من كيفية تربيته إسلاميا وفق نسق مفاجئ لدى الإنسان العادي, فمثلا حكم المباح ينحصر على ساحة الحرب ولا يتعداه إلى ما يملك العدو في داره فيعتبر ملكا لذويه لا يمكن الاعتداء عليه, فكيف يتخيل إنسان عاقل أن مال عدوه يجب أن يكون محفوظا لعياله إذا كان في داره وليس في ساحة الحرب.
بل يجب عليه أن يحميه من السرقة حينما آلت مسؤولية الأمن بيده .
نعم إذا قلنا إن الفطرة تسوق إليه الاستقامة طوعيا, لكن يجب أن نعترف ان هذه الفطرة تكاد توجد في الأحلام فقط, فكم تحتاج إلى تأهيل يسلمها من الانحراف, وانت تعيش في عصر التكنولوجيا الذي تطورت فيه الحيلة مواكبة أشواط التطور الحاصل في هذا العصر.
فما نريد ان نصل اليه إن الانسانية لا يمكن ان تُقّوم مالياً الا وفق قانون بعيد عن اي تأثير جانبي يمكن ان يخل بالحكم, فالتفاصيل من احوال التوزيع الوضعي يودي ببعض القيم منذ الجاهلية ومرورا بالديانات السماوية المحرفة حتى الاستغلال السافر للحداثة في عصرنا الحاضر، وللأسف نجد بالمقابل لما ذكرناه آنفاً ان من السلوكيات ما التصقت مع اجحافها المبين ولم تستطع الرسالات السماوية القضاء عليها عبر القرون البعيدة ومنها عدم اعطاء المرأة حقها من الميراث وغيره.
فنظرة سريعة الى توزيع المال في الاسلام وما خاطب به الامير عليه السلام مالك الاشتر تطمئن عندها الى تطبيق قول الله عز وجل (كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم).

نشرت في الولاية العدد 105

مقالات ذات صله