حسن هادي السلامي
القرآن الكريم هو الكلام المعجز المنزّل وحياً على النبي (صلى الله عليه واله) المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المُتَعَبّد بتلاوته، وقد اختار الله تعالى لهذا الكلام المعجز نبيه(صلى الله عليه وآله) ولهذا الكتاب أسماء
لم يتفق علماء التفسير والباحثون عليها في علوم القران الكريم حول عدد أسمائه، فقد ذكر الفيروزآبادي في كتابه: (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز) ثلاثة وتسعين اسماً وقال أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك: (إن الله سمّى القرآن بخمسة وخمسين اسماً).
أما صاحب التبيان الشيخ الطوسي قال: سمّى الله تعالى القرآن بأربعة أسماء، أسماه قرآنا في قوله تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)، وسماه فرقاناً في قوله تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) {الفرقان/1}
وسمّاه الكتاب في قوله تعالى: (الْحَمْدُ الله الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا){الكهف/1}.
وسمّاه الذكر في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ){الحجر/9}
وهذا الرأي كان مطابقاً لما كتبه الشيخ الطبرسي في تفسيره مجمع البيان.
القرآن: تباينت أراء المفسرين حول كلمة القرآن وأصلها وسبب تسميته بها وهذا ما أيّده كبار علماء المسلمين في مؤلّفاتهم قال الشيخ الطوسي: وتسميته بالقرآن تحتمل أمرين أحدهما ما روي عن ابن عباس انه قال: (هو مصدر قرأت قرآنا) أي تلوته مثل غفرت غفرانا وكفرت كفرانا والثاني ما حُكِي عن قتادة أنّه قال: هو مصدر قرأتُ الشيءَ إذا جمعت بعضه إلى بعض.
قال الراغب: لا يُقال لكلِّ جمع قرآن ولا لجمع كل كلام قرآن، وقال أيضاً سُمّي القرآن لكون جمع ثمرات الكتب المنزلة السابقة.
وقد جاءت تسميته بهذا الاسم مُحلّى باللام في القرآن أكثر من خمسين مرة (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ) وبلا لام في خمسة عشر موضعاً (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) {الإسراء/106} ويطلق على الكل وعلى الجزء أيضاً: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودً) هنا لوحظ فيها معنى الوصفية (كونه مقروءاً) ومن ثم صح عموم الإطلاق والكلمة ذات أصل عربي عريق في اصلها مصدر (قرأ يقرأ وقرآنا) على وزن غفران ورجحان وكفران وجاء استعمالها في القرآن في قوله تعالى (قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) وقوله تعالى (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (ج1،ص13 الشهيد في علوم القرآن).
الفرقان: إنّ الدور الذي ساهم فيه كتاب الله تعالى في التفريق بين الهدى والضلالة والحق والباطل وطريق الجنة والنار وسبيل الحلال والحرام كان سببا في تسمية كتاب الله بهذا الاسم.
وهناك آراء أخرى بهذا الخصوص منها ما أوردها صاحب تفسير التبيان رواها عن مجاهد حيث قال: معناه يجعل لكم مخرجا في الدنيا والآخرة، وعن السدّي قال: معناه يجعل لكم نجاة، وقال الفراء: يجعل لكم فتحاً ونظراً وعزا قوله تعالى (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان)، وفي رواية لابن عباس قال: سُمّي بذلك لأنه يؤدي الى النجاة والمخرج كقوله سبحانه: (يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً).
الكتاب: يُعدُّ اسم الكتاب مصدر يستقي منه القارئ والمستمع المعلومات حول طبيعة موضوع الكتاب كما ويعكس نسبة ذلك الكتاب أو عدم نسبته الى هذا الكاتب او ذلك.
وقيل ان الكتاب مصدر من كتب يكتب كتابة وأصلها الجمع وسُمّيت الكتابة لجمعها الحروف فاشتق الكتاب لذلك لأنه يجمع انواعاً من القصص والآيات والأحكام والأخبار على أوجه مخصوصة ويُسمّى مكتوب كتابا مجازا قال تعالى: (فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ) أي اللوح المحفوظ والكتاب حركات تقوم بمحل قدره الكتاب خطوط موضوعة مجتمعة تدلل على المعنى المقصود.
وجاء في تفسير الميزان: الكتاب بحسب ما يتبادر منه اليوم الى أذهاننا هو الصحيفة أو الصحائف التي تضبط فيها طائفة من المعاني على طريق التخطيط بقلم أو طابع أو غيرهما.
وقد جرى كلامه تعالى في إطلاق الكتاب على أمور منها:
1. الكتب المنزلة على الأنبياء المشتملة على شرائع الدين ككتاب نوح عليه السلام في قوله تعالى: (..وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ..) وكتاب ابراهيم وموسى عليهما السلام: (صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) {الأعلى/19} وكتاب محمد صلى الله عليه واله: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ){البقرة/2} وكتاب يحيى عليه السلام: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا){مريم/12}.
2. الكتب المخصّصة بضبط الحسنات والسيئات فمنها ما هو مخصص لكل انسان: (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا* اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا){الإسراء/1314}.
ومنها قوله: الكتب التي تضبط أحداث الوجود ونظامه وهذه منها الثابت: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) {يونس/61} ومنها الكتب التي يتطرق اليها التغيير كما يشاء الله تعالى (يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) {الرعد/39}
الكلام: يقول اللغويون: ان الكلام مشتق من الكلم وهو بمعنى الجرح فكما ان الجسم يتأثر ويتألم بالجراحة فكذلك الكلام يؤلم القلب، وقال جلال الدين السيوطي في كتابه الاتفاق في علوم القرآن: (ان الكلام شقق من الكلم بمعنى التأثير لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده) قال تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ){التوبة/6}
وقد روي عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا علي بن موسى عليه السلام يا ابن رسول الله أخبرني عن القرآن أخالق أم مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله عز وجل.
أوصافه: لقد وردت أوصاف للقرآن الكريم في نفس القرآن غير الأسماء التي تطرقنا اليها منها (شفاء) إشارة الى أثر القرآن في معالجة أمراض القلوب كالكفر والحقد والغل والحسد بل هو شفاء للجسم ايضا لما فيه من قواعد الصحة الوقائية العامة نظير قوله تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ){الأعراف/31}، ومنها القصص كما في قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ){آل عمران/62}، لما فيه من قصص الأمم الغابرة، ومنها الحكيم لأنه أُحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعاني كما انها أُحكمت فلا يتطرق اليها التبديل او التحريف، و(الحكمة) اشارة الى ان القرآن وضع كل شيء في محله المناسب فيما فصل من حلال وحرام وما شرع من امر ونهي، وبما أنّ نزول القرآن تم على القانون المنتظم من وضع كل شيء في موضعه اللائق وصف بـ(الحبل) لأنه سبب للوصول الى الهدى والجنة ورضوان الله تعالى لأنه طريق قويم الى الله لا عوج فيه ولا دوران نعت بالصراط المستقيم وهناك أوصاف كثيرة منها الموعظة والمجيد والبلاغ والبصائر بيان المثاني، التنزيل الخ.
نشرت في الولاية العدد 110