إجابات الرحمن لأسئلة الإنسان

محمود كريم الموسوي

عندما بُعِــثَ نبي الرحمــة، محمـد بن عبـد الله صلى الله عليه وآله، إلى البشرية جمعاء، وكان مبعثه في أمة العرب، بشر بدين جديد، دين التوحيد، وكانت معجــزته القـرآن الكريم، أنزله على صدر عبــده الكريم جبرائيل الأمين عليه السلام بأمر مـن الله جل جلاله، وكانت للغة القرآن ميزات منفردة متفـــردة، وأخرى عامــة متداولة، ومنها البلاغة، التي جاءت بمنزلة وقوة أعلى مما طبع عليه العرب من بلاغة ميزتهم عن باقي الأقوام الموجودة .
وكثر زخم الأسئلة لرسول الله صلى الله عليه وآله، من المسلمين لمعرفة مسارات، وتعاليم دينهم الجديد، دين الحق والتوحيد، ولتقليل ضغط الأسـئلة نزلت الآية الكريمة : { يَا أَيُّهَا الّــَذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَـمْ تَجِــدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (المجادلة/12).
كما كثــر زخمـها من اليهود، والمنافقين، والمشركين، للتشـويش، والاســتخفاف بالنـبي الكريم، لإحراجه حسب ظنهم، وهو الــذي لا ينطق عن الهوى لقوله تعالى:{ وَمَا يَنْطِــقُ عَــنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (النجم /3ــ 4)
وكانت معظم إجابات خاتم الأنبياء، ترد على لسانه، بآيات قرآنية مباشرة المعنى، أو غير مباشرة، توضيحا لأسئلة واستفسارات المسلمين، وغير المسلمين، حتى أسّس ذلك علما بعــد وفاة الرسول سمي (علم النزول) يبحث في أسباب نزول الآية، وعلما يسمى (علم الحديث) يفسر ويوضح معنى أحاديث الرسول التي هي عبارة عن قواعد وأسس بناء الدين الإسلامي وتعاليمه.
ولحكمة عند العزيز الحكيم، اختار سبحانه وتعالى، أسئلة في موضوعات، كانت الإجابة عليها واضحة، محكمة، لا تقبل النقاش، والمجادلة، والتأويل، تبدأ بذكر السؤال مسبوقا بمفردة ( يسألونك ) ثم جواب الله العزيز الحكيم، مخاطبا رسوله الكريم مسبوقا بفعل الأمر ( قل ) وكانت تلك الأسئلة محدودة في الآيات الكريمات التاليات:
1- الأنفال
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} (الأنفال /1) .
الأنفال جمع (نفل) وهو الزيادة على الشيء، ويقال صلاة نافلة أي زيادة تطــوعية عـلى الصلاة الواجبة تقربا الى الله وطلب مرضاته .
تنازع المسلمون في تقسيم غنائم الحرب التي غنموها في معركة بدر، ولما اشــتد نزاعهم سألوا الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، عن كيفية تقسيمها فنزلت الآية وهي بداية سورة الأنفال أن قل لهم يا نبي الله، أن أمر تقسيمها يعود لله والرسول، والرسول هو الذي يتولى تقسيمها بأمر ربه، وأن اتركوا المنازعة، وأصلحوا ما بينكم، ولا تقدموا على معصية.
2- الأهلة
{يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قــُلْ هِـيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَــجِّ وَلَيْسَ الْبــِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مــِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (البقرة/189)
الأهلة جمع (هلال)، وهو القمر في أول كل شهر قمري، والمواقيت جمع (ميقات) وهــو وقت معلوم.
ســأل المسلمون النبي المصطفى عن الأهلة، فنزلت الآية تأمر النبي، أن يقول لهم أن الله ســبحانه وتعالى، جعلها علامات، يستدل بها عن أوقات عباداتهم، من صيام، وحج، وكذلك في معاملاتهم وتعاملهم الدنيوي، وجاء في الآية الكريمة أن دخول بيوتكم من ظهورها أثناء الإحرام للحج أو العمرة كما متبع قبل الإسلام ليس فيه تقربا إلى الله، وعليكم أن تدخلوا البيوت من أبوابها واعملوا الخير، واتقوا الله.
3- الجبال
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}(طه/1.5)
الجبال جمــع جبل، وهـو كتلة ضخمة مـن الصخور الصلدة، على مساحة كبيرة جـــدا من الأرض، وبارتفاعات يصل بعضها إلى آلاف الأمتار، عن سطح الأرض، وقد سأل المشركون نبي الرحمة سؤالا اســتهزائيا عما ســيفعل الله بالجبال يوم القيامة، لإنكارهــم البعث والنشــور، فنزلت الآية، أن قل لهم يا رسول الله أن ربي سينسفها ويجعلها كالرمل تذروها الرياح، وتصبـح الأرض التي كانت عليها جرداء، وفي قوله تعالى :{ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا } (النبأ/6ــ7)، دليلا لتلك الجبال التي سينسفها الله بعد أن جعلها أوتاد الأرض.
4-الخمر والميسر
{يَسْأَلُونَكَ عَـنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (البقرة/219).
الخمر هو كل مسكر يسلب العقل، فيؤثر في اتزان الإنسان، وسلوكه، سـواء كان مشروبا أو مأكولا، والميسـر هـو قمــار عرب الجاهلية، وقــد قرنهما الله ســبحانه وتعالى، لخضوعهما للشيطان، واشتراكهما في الشرور والآثام .
يقــول الله سبحانه وتعالى يسـألونك أيها النـبي عـن حكــم الخمــر والميســر، فقــل لهـم إن أضرارهما، ومفاسدهما في الدين والدنيا كثيرة، وإثمهما أكبر من منافعهما لأناس يكتسبون منهما إضافة إلى أنهما مضيعة للمال، وفي الآيتين ( 9. ــ 91 ) من ســورة المائدة، أضرارهما، وأمر الله سبحانه وتعالى باجتنابهما، وقد أضيف لهما الأنصاب و الأزلام: { يَا أَيُّهَا الّـــَذِينَ آمَنـُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة /9. ــ91).
من هذا نستشف أنّ الباري عزوجل كان مع رسوله في كلِّ خطواته لنشر الدعوة الإسلامية وكان هو المسدد والمؤيد له أمام الموالفين والمخالفين من المسلمين وحتى أمام اليهود والنصارى، وهذا دليل آخر على عظمة هذه الرسالة السماوية وعظمة من جاء بها للبشرية، وهذا الأمر يعطينا مؤشر آخر أنّ من يريد الحصول على المعلومة فبإمكانه أن يفتش عنها في كل زوايا هذه الحياة ليحصل عليها وسيحصل عليها إن كان جاداً في الحصول على مايهمه من أمر الدنيا والآخرة.

نشرت في الولاية العدد 112

مقالات ذات صله