عَـلِّــيٌ مَجْمَعُ الفَضَائِلِ وإِمَامُهَا

بدري البدري

ما اجتمعت الفضائلُ بألفاظها ومعانيها وجميلُ الصفات وبديعُها وعظيمُ المناقب كما اجتمعت في شخص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي ملك قلوب محبيه من المؤمنين وغيرهم حين رأوا صفات الكمال والنبل تجلت في كل ما صدر عنه في أيام عمره القصير، سواء ما صدر منها من بيانه وما أظهر منه من مكنون علم جمٍّ قلَّ من انتفع منه؛ إلا ثلة مؤمنة مختارة من صفوة حواريه الذين ذابوا في محبته بعد اعتقادهم بإمامته، فانتفعوا من نمير علمه وجزيل فهمه وإلمامه بالأمور وصاروا له أولياء يتبعون أوامره ويهتدون بهديه ويأخذون بآثاره لينتفعوا ويفوزوا بحظ الإقتداء به، أولئك أولياؤه حقاً الذين عرفوا أن علياً مع الحق وهو معه فلم يتخذوا غيره بدلاً ولا عنه حولاً.

ولما نظروا إمامهم علياً(عليه السلام) الذي لا تأخذه في الله لومة لائم وهو يكافح ويدفع الضيم ويرد كيد المنافقين منذ نعومة أظفاره وهو دون البلوغ أيام صباه وإظهار إسلامه برسالة أخيه المصطفى(صلى الله عليه وآله) مروراً بفتوته التي ذاع صيتها وصار اسمه مقروناً بها فيهابه الكبير ويخافه الصغير لإجلها إلى مناجزة أعداء الرسالة في معارك الدعوة الإسلامية المباركة والدفاع عن قيمها والذود عن رسولها(صلى الله عليه وآله) إزدادوا حباً له وذابوا في طاعته.
فكان عطاءُ عليٍ(عليه السلام) كريماً في كل موقف وواقعة وسيان في ذلك البيان والسنان.
إنه مَجْمَعَ الفضائلِ، ما انتهت كلُ فَضيلةٍ إلا إليه وإمامُها الذي كان سيدَها على الإطلاق ولاشك أن الإمام علياً(عليه السلام) جمع بين هاتين الخصلتين وصارت من ملازمات الفضائل والصفات الكريمة أن أميرَالمؤمنين(عليه السلام) مَجْمَعُها وإمامُها، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي نشأ وتربى في حجر الإنسان الكامل، بل الأكمل والصورة التي أرادها مبدع الخلائق عظمت قدرته قد تجلت في خاتم الرسل(صلى الله عليه وآله).
فإن اردت الفصاحة والبيان والبلاغة التي معلوم لدى المحب والمبغض أن علياً(عليه السلام) إمامُها ورائدُها، فمن ورائه معلمُه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي ورد عنه القول: أنا أفضل من نطق بالضاد وكذلك قوله: قد أوتيت جوامع الكلم.
وفي ذكرى مولد الوصي المرتضى(عليه السلام) في الثالث عشر من شهر رجب الخير في يوم الجمعة أشرف الأيام، وفي الكعبة المقدسة أشرف بقعة وفي حادثة وتر ما كانت لاحد قبل التأريخ المذكور ولم تكن بعده.. ولد علي بن أبي طالب(علي السلام) في جوف البيت العتيق لتكون أولى مناقبه بولادته في البيت الذي تتجه اليه ملايين البشر في كل حين من أنحاء الأرض المختلفة، تؤمّه بالعبادة لخالق الخلائق ومبدعها وترفع أكف الضراعة بالدعاء لنيل رضا الكريم والفوز بألطافه.
ولد(عليه السلام) في بيت الله إجلالاً لقدره وتعريفاً من الله بمحله منه، وإن كانت ولادته في الكعبة لا تزيده تشريفاً مع ما عنده من شرف القرب من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وكريم صفات العبد في صورة العبودية الحقَّة التي تجلَّت فيه.
من الولادة في البيت بدأت إنطلاقة عليٍ(عليه السلام) في دنيا الفضائل ومنه اقترنت عبوديته لله فهو وليد الكعبة المشرفة، فأكرم بوليد ملأ الدنيا نبلاً وإنسانية ووقائعاً قام الإسلام كلُه على أركانها وقواعدها، ولم ولن يزل حتى يرث الله الأرض ومن عليها، بورك من وليد ما أُسِسَ الإسلام ولا قامت دعائمه إلا بجهود فتوته الفذة في أهم وقائعه.
الكعبة قبلة المسلمين وتولية الوجوه إليها واجب عليهم للصلاة، وحولها يطوف الطائف في عمرته وحجه، والحج ركن من أركان الإسلام من أنكره مع عدم الشبهة فقد كفر، وهي بيت العبادة ومأوى أفئدة الموحدين ووجهة العارفين والعابدين.
ومولود يطهر ذلك البيت بعد حينٍ من دنس الشرك ونجس المشركين، عليٌ وصيُّ النبي(صلى الله عليه وآله) وإمام المسلمين وولايته أصل من أصول الدين واجبة على المؤمنين وطاعته فرض في كتاب الله ونص الرسول(صلى الله عليه وآله).
هي ملازمة بين المُشَرَّفِ والمُشَرِّفِ وكلامٌ منذ ذلك الوقت المقدس لحظة إشراقة نور علي(عليه السلام) في البيت العتيق، كلام يدور مَنْ شرّف مَنْ؟ الكعبةُ شَرَفَتْ علياً أم علي شَرفَها، أعليٌّ بحاجةٍ للولادة في البيت يا ترى ليزداد شرفاً؟
كلامٌ يدور ونقاش مستمر والكل مجمع على أن الولادة في البيت منقبة لعليٍ(عليه السلام) ما حصلت لغيره قبلها ولا بعدها.
من أيِّ جوانب حياة عليٍّ(عليه السلام) وأيِّ فنون العلم والمعرفة والفضيلة والشجاعة والإيثار وغيرها شئت الإطلاع عليه تجد منقبة في كل ما ذكر قد أبدع فيها وتميز بها، بل كلما ذكرت فضيلة تبادر اسمه فيها ومعها، فإذا ذكرت الفداء كان(عليه السلام) الفادي الأول للإسلام ورسوله(صلى الله عليه وآله) في حادثة المبيت ليلة الهجرة النبوية المباركة يوم فاخرت بموقفه ملائكة السماء.
وإذا أردت الفتوة وفتيانها وجدته الفتى الذي رفع المسلمون به رؤوسهم في مواطن عديدة، كان فيها الفتى والبطل الأول بلا منازع، الفتى الذي يهاب صولاته رؤوس الأعداء ويجبن من اسمه صناديدهم.
وخبر خيبر ومرحبها وما صنع عليٌ(عليه السلام) في حصن خيبر وبطلها نشيدٌ ما بقي الدهر يتغنى به المؤمنون عزاً وافتخارا، وحديث ذلٍ للمنافقين واليهود.
وفي أحدٍ واقعةٌ لعليٍ(عليه السلام) صارت حديث ملائكة السماء، يوم تخاذل من غرّته الدنيا من المسلمين وراح يجمع بقايا من غنائم المشركين بعد هزيمتهم وترك وصية الرسول(صلى الله عليه وآله)، حتى طمعوا بالنيل من شخص المصطفى(صلى الله عليه وآله) فوقف عليٌ ليكمل ما بدأ في المعركة وراح يحامي عن نبيه ويدفع عنه الكتائب ويجول حول المشركين في دائرة غايتها حفظ كيان الرسالة ورسولها(صلى الله عليه وآله)، حتى وضعت الحرب أوزارها بحفظ النبي(صلى الله عليه وآله) ويقول النبي(صلى الله عليه وآله) رأيت جبرائيل بين السماء والأرض وهو يهتف لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار.
وحديث المناقب مع عليٍ(عليه السلام) حديث ثر وهو ملازم له، فما ذكر اسم الإمام(عليه السلام) إلا كانت مناقبه وصفاته حاضرة وما ذكرت تلك المناقب إلا حضر اسمه(عليه السلام) كالبدل والمبدل عنه والصفة والموصوف.
فهو الوصيّ والخليفة للنبي(صلى الله عليه وآله) وهو صديق هذه الأمة بحق والفاروق بين الجنة والنار، وهو أقضى الأمة وأعلمها، وهو قسيم الجنة والنار، وهو أخو النبي (صلى الله عليه وآله) في حديثه ونفسه في كتاب الله.
سلام عليك سيدي يا أمير المؤمنين يوم ولدت في بيت الله مباركاً ميموناً .

ولــدته في حـرم الإله وأمــنـه         والبيت حيث فناءه والمسـجد
بيضاء طاهــرة الثياب كريمة            طابت وطاب وليدها والمولد
في ليلة غابت نحوس نجومها         وبدَا مع القمر المنير الأسعـد
مالـُف في خرق القوابل مثـله         إلا ابـن آمـنـة النبي مـحــمــد

ويوم عشت حياةً كلها عطاء وجهاد وإيثار ويوم رحت إلى ربك سعيدا بلقاءه مُكرماً بعطاءه.

نشرت في الولاية العدد 115

مقالات ذات صله