علاقة البنت مع أبيها طريق الصداقة الحقيقية في مواجهة مشاكل الحياة

ابتهال عباس

تستمد الفتاة قوتها من ابيها التي تعدّه الرجل الاول في حياتها وتعتمد عليه فهي محتاجةٌ له ليكون سندا لها في تحدي صعوبات الحياة ويحذرها فيما لو ارتكبت خطأً معينا فهو الملاذ الاول الذي يحميها اذا تعاظمت عليها الامور او تعرضت الى مواقف او مشاكل لا تعرف لها حلاً وعلى الاب ان ينتهج في تربيته وتعامله معها شرع الله الحنيف ويفتح الأبواب المغلقة بينه وبين ابنته, وأن يبادر بالتقرب منها والحوار معها في مراحل عمرها المبكرة, وأن يكون مشجعا لها وأن يكسر الشعور بالخوف والرهبة التي تؤثر على علاقتهما وأن يجعلها تأمن مصارحته فيما تريد وينمي فيها روح الطاعة الناجمة عن المحبة لا الخوف فهذا يضمن سلامة نموها النفسي وأمانها في المستقبل، وهنا أكد الإسلام على الآباء ضرورة الاهتمام بالبنت والوقوف إلى جانبها. وقد جاء ذلك عن رسول الله(صلى الله عليه واله) «خير أولادكم البنات» «البنون نعم والبنات حسنات، وإن الإنسان محاسب على النعم ومثاب على الحسنات، حيث يقع على عاتق الاب توفير الارضية القوية لبناء ابنته عقائديا وفكريا ودينيا على النهج المحمدي الفاطمي الصحيح حتى لا تقع في الخطأ لأنها الفتاة ستصبح اماً تربي اجيال المستقبل يجب ان تكون اسسها قوية.

وهناك انماط من الاباء :
هناك الاب المتسلط والأب المتساهل والأب المتوازن اذا تكلمنا عن الاب المتسلط الذي لا يسمح لابنته ان تناقشه في قرار يتخذه عوضا عنها ولا يمسح لها بعطاء رأيها وبهذا لا يفسح لها المجال لتشاوره اذا تعرضت الى مشكلة وتريده ان يقدم لها النصح فهي بذلك تبتعد عنه ولا تصارحه تخاف منه وبهذا تقع في اخذ القرارات الخاطئة التي توقعها في مزلقات الحياة ومخاطرها، اما الاب المتساهل الذي يترك العنان لابنته ولا ينصحها او يرشدها لما في مصلحتها ويترك لها حرية الاختيار بدون متابعة منه وإرشاد والتقاعس عن وضع الحدود والمعايير سيودي هذا النوع الى التخبط وسوء التصرف في حياتها وعدم الاستقرار والقرار الثابت لأنه في هذه الحالة تحتاج الى اب ينصحها ويرشده في حالة تعرضها الى مشكلة بحيث يكون مرجعها القوي، والأب المتذبذب في كل يوم له طبيعة جديدة غير مسبوقة حيث يتخذ قرارات بناءً على حالته النفسية والمزاجية المتذبذبة فتارة يتفاعل ويتجاوب مع ابنته بأريحية وتارة اخرى بالعصبية وهذا التذبذب السلوكي يجعل البنت حذرة ومتخوفة في التعامل معه، كما انها تنفر منه ولا تثق به ومن الصعب ان تبني معه علاقة ودية.
اما الاب المتوازن فهو يعطيها استقلالية ولكن ضمن قوانين وضمن حدود، ويضع بعين الاعتبار المراحل التي تمر البنت فيها وبخاصة مرحلة المراهقة فيأخذ الاب المتزن على عاتقه التغييرات التي تطرأ عليها من الناحية النفسية والجسمية التي لها تأثير مباشر عليها فيجب ان يكون الاب في هذه المرحلة هو الصديق لها الذي يشاركها في امورها ويقدم لها النصح بطريقة ودية متفهماً لامتسلطاً تنفر منها، وأيضا ان يراعي الجانب العاطفي فيها كونها ما زالت غير ناضجة من ناحية التجارب وتكون تجاربها محدودة هنا يأتي دور الاب والأم على التعاطي معها في هذه الفترة على تنضيجها وعلى اعطائها التجارب وإعطائها المجال لكي تجرب ولكن طبعاً ضمن قوانين وفق الشريعة الاسلامية.
وان الفتاة في عمر المراهقة تحب الحرية وهنا تبرز اهمية الاسرة لاسيمَّا الاب في اعطاء الحرية لإثبات الذات وزيادة الثقة بالنفس وطبعاً دون اخلاء الميدان خلفها ان يبقى الاهل الدعم الاساسي للفتاة ويبرز دورهم للفتاة من خلال تعريفها على اجواء سليمة لاختيارها الاصدقاء فنحن نعرف ان المراهقين مثلاً يصبح لديهم مرجعٌ جديدٌ لسلوك هم الاصدقاء اكثر من الاهل يجب على الاب ان يعطي هذا المجال لكي يصبح لديها صديقات حميمات ولكن طبعاً ان لا تتخلى عن المشورة معه، هناك ايضاً في فترة المراهقة تصبح قابلية الفتيات كبيرة لتطوير قدراتهم ومواهبهم العلمية والفنية وهنا ايضاً على الاهل لاسيمّا الاب الالتفات لهذا الامر وهو تطوير لديهن التجارب التي تؤدي الى تنمية وتطوير هذه القدرات والمواهب ونحن نعرف ما لهذه القدرات من تأثير على شخصية الفتيات.

الاب وزرع الثقة النفسية عند البنت :
ان ابتعاد الاب عن ابنته قد يؤدي الى فقدان ثقة البنت بنفسها والى ضعف التكيف الاجتماعي وقلة الاشباع النفسي، وتدل التجارب الناجحة على ان الصداقة في المحيط الاسري توفر الامن وتحفز البنت وتتحول الى شحن عاطفي ايجابية واستجابات ثابتة تجعلها اكثر عطاء في مضامير الحياة على العكس من اذا فقدت البنت هذا الدفء العاطفي والود من قبل الاب داخل الاسرة حيث تقوم بالبحث عنه خارج اسرتها من خلال الالفاظ الرقيقة التي يغرر بها من قبل بعض الاشخاص الذين يلهثون وراء ملذاتهم لتقع في ايديهم ويجب على الاباء الانتباه اليها، وكثيرا ما نسمع ونرى عبر وسائل الاعلام والفضائيات قصص الفتيات اللواتي هاجرن بيوتهن بسبب معاملة ابائهم وعدم نفهمهم لهن خاصة في مرحلة المراهقة ليهربن مع اشخاص غرروا بهن ليكتشفن بعد ذلك الاسوء، وخاصة نحن نعيش في عصر التكنلوجيا والعولمة وانهيار القيم الفاضلة التي تدفع بكثير من فلذات الاكباد الى نهايات مأساوية بسبب نقص المناعة التربوية وضعف الحصانة الايمانية.
فكلما زادت علاقة البنت بوالدها زاد اصلاحها وقلت فرص ضياعها وذلك لوجود العناية المطلوبة بها ومد جسور السرور والطمأنينة التي ترسم على وجهها فتنعكس على تصرفاتها وسلوكها وشخصيتها .
ان تعزيز الثقة تكون على اساس الصداقة الاسرية بين الاب وابنته من خلال الثناء على قيمة الصدق والأمانة وعدم معاقبتها بمجرد قول الحقيقة بل لشكرها على صدقها ثم لصوب سلوكها واستمع اليها من غير نقد واعترف بخطئك اذا ما قصرت بحقها وشاركها في بعض مواقفك اليومية وناقش معها القضايا التي تهم البنات والقيم الاخلاقية الصحيحة التي تأخذ من منبع محمد وال محمد (صلى الله عليه واله) ويجب الابتعاد عن التعامل معها بطرق روتينية من خلال توفير حاجياتها الاساسية فقط من ملبس او مأكل ودون الاستماع اليها والأخذ والعطاء بهذا تكون هناك فواصل بينهما مما يجعل العلاقة روتينية رقابية تقف عند توفير حاجيات مادية كون البنت امانة في عنق ابيها ومن حقها عليه ان يتواصل معها ويعلمها وقولا وفعلا ويرشدها الى التمسك بالقيمة السليمة الرصينة .
ونقول لنا اسوة في الرسول الاكرم محمد(صلى الله عليه واله)في تعامله مع ابنته فاطمة (عليها السلام) حيث كان حبه لها ممزوجا بالتعظيم والتوقير والاحترام والمودة لها وهي اروع انواع التواصل مع ابنته فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهما) وفق الشريعة حيث كان يستقبلها فرحا ويرحب بها ويقوم لها اكراما ويقبلها حبا فيها ويمسك يدها ويجلسها مكانه ليطيب خاطرها.
فيجب على الاباء ان يتعلموا من التربية النبوية المحمدية دروس عظيمة في كيفية الاحسان الى البنت ومصاحبتها والعناية بها وتعليمها حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الوالدين، وحقوق الآخرين وحسن الخلق وحسن التصرف في شتى الأمور والمحافظة على لبس الحجاب والتستر والابتعاد عن أعين الرجال، وان يكون بار بها كي تكون هي كذلك ايضا، لذلك فالأب له دخل كبير جداً في حياة الفتاة اذا كان واضح وصريح وصادق معها طبعاً حيث يترك اثار نفسية والفكرية فيها مما يؤثر على سلوكها ونمط حياتها.

مقالات ذات صله