أسلوب الحوار في القرآن الكريم

م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع

يعد الحوار من أبرز الأساليب الحكيمة والبليغة التي استعملها القرآن الكريم في إقامة الأدلة على وحدانية الله تعالى, وعلى صدق الرسل الكرام (عليهم السلام) في ما يبلغون عن ربهم عزَّ وجلَّ بأسلوب الحوار من أجل الوصول إلى الحق عن اقتناع عقلي, وارتياح نفسي, ويجعل صاحبه يعيش حياته وهو ثابت على ما آمن به ثباتاً لا ينازعه ريب، ولا يخالطه شك. وقد استعمل القرآن الكريم أقوى البراهين في حواره للوصول إلى معرفة الحق.

إن الحوار هو الإسلوب الذي يجب على المسلمين اتباعه عند بحث القضايا والمشكلات, ومن مستلزمات الحوار الإعتراف بالآخر، وبحقه في الوجود، وبحقه في التعبير عن رأيه، وبحقه في الاختلاف عن الآخر, إذ استعمل القرآن الكريم منهج الحوار ليعلمنا استعماله في جميع مجالات حياتنا, من أجل الوصول إلى الحق بقناعة عقلية.
قاعدة السؤال مع الجواب:
الأصل في الجواب أن يكون مطابقاً للسؤال إذا كان السؤال متوجهاً, وقد يعدل في الجواب عما يقتضيه السؤال تنبيه على أنه كان من حق السؤال أن يكون كذلك, ويسميه السكاكي (الأسلوب الحكيم) .
وقد يجيئ الجواب أعم من السؤال للحاجة إليه في السؤال، وقد يجيء النقص لاقتضاء الحال.
يعد استعمال الأسئلة الاستفهامية من الآليات اللغوية التوجيهية, بوصفها توجه المرسل إليه إلى خيار واحد وهو ضرورة الإجابة عليها, من ثم فإن المرسل يستعملها للسيطرة على مجريات الأحداث, بل والسيطرة على ذهن المرسل إليه, وتسيير الخطاب تجاه ما يريده المرسل, لا حسب ما يريده الآخرون. وتعد الاسئلة, ولاسيما الأسئلة المغلقة من أهم الأدوات اللغوية لاستراتيجية التوجيه.

مفهوم الحوار:
وهو يتطلب الوقوف على مفاهيم تلك المصطلحات التي لها علاقة وثيقة به، وهي الجدل والمناظرة؛ لأن هناك تداخلاً كبيراً في مستوى الدلالة بين هذه المصطلحات الثلاثة: (الجدل – المناظرة – الحوار)، وسنحاول هنا الوقوف على مفهوم كل مصطلح على حدة لنرى أوجه الإتفاق والإختلاف.
الحوار في اللغة: اشتقاق لفظ (الحوار) في اللغة، من مادة (ح و ر) التي تحمل من الدلالات الكثير، وذكر علماء اللغة أن لها معاني متعددة تبعاً لتفعيلاتها الصرفية، فقد جاء في صحاح الجوهري ما يلي: المحاورة المجاوبة والتحاور التجاوب. ويقال: كلّمه فما أحار إلي جواباً، وما رجع إلى حريراً, ولا حويرة ولا حواراً (بفتح الحاء وكسرها) أي ما رد جواباً.
أما الحوار في الإصطلاح: فهو قريب من معناه اللغوي, وقد عرّفه بأنه: مراجعة الكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة, وعرف بأن الحوار: مناقشة بين طرفين أو أطراف يُقصد بها تصحيح كلام أو إظهار حجة وإثبات حق ودفع شبهة ورد الفاسد من القول والرأي.
تعريف الحوار :
ومما قيل في تعريف الحوار فإنه محادثة بين شخصين أو فريقين حول موضوع محدد، لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، تعتمد على العلم، ولو ظهرت على يد الطرف الآخر، ويتبين من هذه التعريفات التي ذكرت، أن المحاورة تجاذب الكلام بين المختلفين. وما أضافه العلماء في تعريفه من شروط، إنما هي ضوابط أخلاقية، يفترض توفرها في الحوار ليكون مثمراً وجدياً. وقيل إن الحوار تبادل المعلومات والأفكار والآراء، سواء كانت تبادلاً رسمياً أم غير رسمي، مكتوباً أم شفوياً. وينعقد الحوار بمجرد التعرّف على وجهات نظر الآخرين وتأملها والتعليق عليها. وقيل أن الحوار: نوع من الحديث بين شخصين, يتم فيه تداول الكلام بينهما، بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة.
أسلوب الحوار في القرآن الكريم:
ان أسلوب الحوار والجدل وعرض الآراء والمناقشة في القرآن الكريم، يتسم باتساع دائرته وتعدد قضاياه وشموله لما لا يحظى من الموضوعات، فهنالك محاورات عدة وردت في القرآن الكريم, نحو: حوار الله مع الأنبياء والأنبياء مع أقوامهم وغيرها من الحوارات, ومثال عليه، أسلوب حوار مؤمن آل فرعون: عندما جمع فرعون قومه طالباً تأييدهم في إعطائه الحرية في قتل موسى (عليه السلام), متذرعاً بالمحافظة على النظام وإصلاح أمر البلاد والعباد, وينطلق هذا المؤمن من الداخل, في أسلوب يتجنب مجابهة فرعون بشكل مباشر, متوجهاً إلى قومه لمنعهم من التجاوب مع طلب فرعون, في موقف رائع متحرك يرسم لنا صورة من الحوار, نحو قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ﴾( غافر/ 28), (أَتَقْتُلُونَ): الهمزة لاستفهام الإنكار والإستدراج, وهذا النوع من أنواع علم البيان يسمى (إستدراج المخاطب), فقد أراد الإنتصار لموسى (عليه السلام) بطريق يخفي عليهم أنه متعصب له وأنه من أتباعه فجاءهم بطرق النصح والملاطفة, كما في قوله تعالى: ﴿يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾( غافر/ 29), (فَمَنْ): إسم إستفهام لنفي النصر من غير الله سبحانه وتعالى، وهو كان رافعاً صوته بذلك, وعيناه تسفحان حتى أرسلوه، فمن ينصرنا من بأس الله, وينصرنا من عذاب الله؟, واستمر حوار مؤمن آل فرعون حتى وصل نحو قوله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ﴾( غافر/ 41 ), (مَا لِي): إسم استفهام للإنكار والتعجب, يقول لهم تدعونني لأكفر بالله، وأشرك به وتدعونني لعبادة فرعون الجاهل الضّال، وأنا أدعوكم لعبادة الله الذي يقول للشيء كن فيكن.
إن المحاور الناجح هو الذي يمتلك الحوار، وهي: مجموعة المهارات المتكاملة التي يتطلبها أداء المحاور، للأنشطة التي يتضمنها الحوار بكفاءة، وتنقسم هذه الأنشطة في مرحلة الإعداد للحوار وأنشطة في مرحلة تنفيذ الحوار.
اتخذ القرآن الكريم أسلوباً بعيداً عن التسلط والعنف. ونحن نحتاج إلى أن نعود إلى القرآن الكريم؛ لنتعلم منه كيف يكون الحوار، وإلا ابتعادنا عنه وهجره وأمسى كل منا يتهم الآخر، ومع كل حوار نقول: أن الاختلاف لا يفسد للود قضية. وهو فقط لا يفسد قضية الود، بل يتعداها أحيانا ليصل إلى التهديد وما بعده، والرجوع إلى القرآن الكريم بمعنى قراءته والتمعن في آياته بحيث أنه خير قدوة لنتعلم منها الأدب الرفيع في الحوار.

نشرت في الولاية العدد 118

مقالات ذات صله