النظم التربوية في الاسلام

د. نجم عبد الله الموسوي

التربية هي تنمية القابليات الإنسانية الكامنة في باطن الإنسان والموجودة فيه وإخراجها إلى مرحلة الفعلية.
وكما هو واضح أن هدف التربية بصورة عامة بناء وإعداد الإنسان وتقويم وبناء للجانب الخيّر من الإنسان وحذف وإلغاء لكل مظاهر السلبية والانحراف .. وتهدف التربية إلى غرس روح التفكير العلمي في نفس الإنسان وزرع حب العلم والشوق إلى تحصيل المعرفـة وتزويد الطفـل الناشـئ والشاب بالعلـوم والمعـارف والمهـارات والخبـرات اللازمـة.
وعليه يجب أن تسعى التربية بجميع أجهزتها وطاقاتها إلى تنمية الفكر الإنساني وانطلاقه وتحريره من ربقة الجهل والتقليد وتنويره بالعبر والأحداث .. ولقد اعتنى الإسلام بالعقل فدعا إلى انطلاقه وتفتح أفاقه وألزم باستخدامـه واللجـوء إلى حكمـه.
ففي التربية الإسلامية أن من أهم ما يجب الاهتمام به هو وضع الأسس الأولى والمبادئ الأساسية لبناء عقل المتعلم وطريقة تفكيره ، لتكون أساساً في تشكيل عقله وتنظيم فكره على وفق المنهج الإسلامي وطريقة التفكير الحضاري في الإسلام، فتعليمه أن لكل شيء سبباً ولكل موجود غاية وقيمة في الوجود، وأن لهذا الشيء علاقة بغيره من الأشياء، وأن الإنسان يخطئ ويصحح خطأه ، والعمل على تنظيم مبادئ القياس والاستنتاج في ذهنه وتفكيره، وأن العقل هو القوة المدركة للمعرفة، وأن الحس والملاحظة والتجربة والملاحظة العلمية هي من الأدوات الأساسية لجمع المعلومات، وأن تعليمه كل تلك الحقائق وغيرها عن طريق المنهج المدرسي أو القصص أو الممارسات وعرض تجارب الآخرين والتوعية وتفسير المشاهدات والملاحظات والتجارب تسهم مساهمة فاعلة في بناء المقدمات التي تنتج عقلاً ذو تفكيراً علمياً منتجاً بعيداً عن الخرافة والتخلف والأساطيـر.
ومن هنا برزت أهمية التربية المعاصرة في كونها الأساس الذي يمكن أن نستند إليه في إنشاء وخلق بذرة التفكير في عقول المتعلمين حتى تكون جزء من شخصياتهم ويعتادون عليه سواء في جانب اكتساب المعرفة وطلب العلم أو في أي جانب أخر من جوانب الحياة المختلفة.
فالتربية تعني، تنمية الفرد تنميةً شاملةً متكاملةً من جميع الجوانب الروحية، والعقلية، والجسدية، والنفسية، والاجتماعية ، والجمالية ، بحيث لا يطغى جانب على آخر، فهي تنمية متوازنة مع الشمول، والتكامل، تستهدف إعداد الفرد الصالح إعداداً، شاملاً، متكاملاً، متزناً، ليكون نافعاً لنفسه ، ومجتمعه سعيداً في حياتـه.
كما أن التربية العشوائية العفوية ، غير المبنية على أسس وقواعد علمية، تبدد الطاقات والجهود، وتخلق الاضطراب، والبلبلة في المجال النفسي والسلوكي، وتحرف الأهداف والغايات التربوية عن مسارها الحقيقي، ومن هنا كانت الحاجة، إلى منهج تربوي ثابت في أصوله واضح في مقوماته، ضرورة من ضرورات الحركة التربوية، فهو الذي يرسم للتربية مسارها السليم المتوازن ويحدد معالم طريقها، ويوجه الجهود والنشاطات والبرامج التربوية لتعزيز المفاهيم والقيم الصالحة والسامية في الواقع الإنساني.
والعملية التربوية هدفها بناء الإنسان بناءً صالحاً ليخدم نفسه ومجتمعه وبلده والإنسانية جمعاء ، والقائمون على العملية التربوية يسعون جاهدين إلى تضمين أفضل الفلسفات في ميادين التربية والتعليم للوصول إلى أفضل الأطر والنظريات والأسس التربوية التي تسهم في بناء الناشئ الصغير وجعله مشروعاً لبناء الإنسان المستقبلي .
فعلى ذلك تكون التربية عملية إعداد وتنشئة وتوجيه وإصلاح وقيادة للإنسان في مختلف مراحل حياته وأبعاد كيانه، خصوصاً في المرحلة التي يحتاج فيها الإنسان إلى عملية التنمية والإعداد والإصلاح، وبذلك تكون التربية عبارة عن عملية بناء وتوجيه الإنسان والوصول به إلى مرحلة النضج والكمال، وبنائه بناءً روحياً وفكرياً وسلوكياً وجسدياً متوازناً وسليماً يمكنه من أداء رسالته، والتعبير عن إنسانيته.
وأن الإسلام جاء بنظام متكامل في الحياة يشمل الجوانب كافة، وأنه أعطى الإنسان رؤى أصيلة محكمة حول الكون والحياة برمتها، هدفه إنشاء وتكوين إنسان متكامل على الصعيد الدنيوي، يسير على وفق البرنامج الإلهي الذي يحقق له سعادة دار الدنيا ودار الآخرة .
كما أن الإسلام جاء بتربية إلهية ليست من سنخ التربية الوضعية التي أوجدتها الأرض، بل هي تراث أصيل وقواعد متينة أملتها السماء على الإنسان ليدرك حكمة وجوده كفرد وكمجتمع وكذلك حكمة وجود الأشياء التي تحيط به .
والمنظر التربوي في كل الأنظمة التربوية هو الذي يعمل على صياغة السياسات التربوية ومواجهة المشكلات التي تعترض العملية التربوية واكتساب المعارف والمعلومات الصحيحة وكيفية تطبيقها على الواقع الحياتي اليومي.
والتربية في الإسلام تربطها قواسم مشتركة مع كل الفلسفات في العالم من حيث آليات العمل، ولكنها تختلف معها من حيث المصدر والهدف والوسائل والأساليب، فمصدرها إلهي، وهدفها البناء الصحيح لحياة الإنسان من خلال علاقته بربه ونفسه ومجتمعه، وأساليبها ووسائلها نابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، الأمر الذي جعلها تختلف عن الفلسفات الأخرى في منهجيتها ورؤاها .
وقد يعتقد بعضهم أن التربية في الإسلام هي تراث بالٍ لا يكاد يسد حاجة التطلعات التربوية الحديثة ولا يواكب الاتجاهات والأساليب الفكرية الجديدة القائمة الآن، بيد أن التربية فـي الإسلام هـي عملية خلـق وإبداع تحاكـي الطبيعة الفطرية للإنسان أينما وجد فهي تأمل أن تنشئ أبناءً صالحين يشعرون بالمسؤولية، ويتهيئون للسمو إلى مراحل روحية وعقلية وعلمية أعلى مما هم عليه .
فقد اعتمدت التربية في الإسلام على التعليم، لأنه الأداة التي تنشدها التربية وتسعى إليها فلسفتها، والتعليم في الفكر الفلسفي الإسلامي لا يركز فقط على الجسد أو على الروح، وإنما يأخذهما كليهما في طيات فكره وعمله ، وذلك لأن الإنسان لا يسمو ولا يتقدم ولا يزدهر إلا بتفاعل الجانب الروحي مع الجانب الجسدي .
ومع هذه الرصانة الإلهية للفلسفة التربوية الإسلامية، فإنه يجب على القائمين على العملية التربوية بدأ من واضعي المناهـج وانتهـاءً بمنفذ المناهـج (المعلمين) أضف إليهم أولياء الأمور.. عليهم أن يؤطروا الموقف التعليمي ويصوغوا أهدافه العامة والخاصة على وفق تصور ونظرة الإسلام للتربية والتعليم ، بحيث يكون التعليم عاملاً على تنمية الرقابة الإلهية والرقابة الذاتية في نفسية الفرد.
ومن خلال استعراض أبرز مصـدرين فـي التشريـع الإسلامـي هما ( القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ) نجد أن الإسلام الحنيف يؤكد تأكيداً كبيراً على أهمية التربية والتعليم في بناء الفرد والمجتمع، ونلاحظ العديد من الآيات الكريمة فضلاً عن العديد من أحاديث الرسول محمد ( ص ) الشريفة وأحاديث المعصومين ( ع ) التي تحضّ على طلب العلم واكتساب المعرفة للإنسان باعتباره أكرم المخلوقات في هذه الأرض

نشرت في الولاية العدد 119

مقالات ذات صله