قطيعة الرحم في زمن إتاحة وســــــــائل التواصل


رملة الخزاعي
ان قطيعة الرحم من كبائر الذنوب التي يحاسب عليها الله تعالى ، وكثيرا ما وردتْ وصايا النبي (صلى الله عليه واله) واهل بيته بصلة الارحام والتواصل مع الاقارب وبينوا اثرها الدنيوي وجزاءها الاخروي ورد عن النبي (صلى الله عليه واله): (من سرهُ أن يبسط له في رزقه ، ويُنسأ له في أثرة فليصل رحمه) فصلة الرحم كفيلة بزيادة الرزق و اطالة العمر وقد اكدت كثير من الروايات على اثرها الاني قبل اجرها الكبير عند الله ، لكن مما يؤسف له كثرت حالات قطيعة الرحم بين الاقارب البعيد منهم والقريب وصارت منتشرة بشكل كبير و الشريعة ارادت للمجتمع ان يكون نسيجا واحدا غير متفرق يضم بعضه بعضا لكن اليوم نرى القطيعة بين الاقارب منتشرة جدا فالأم تقاطع ابنها و الاخ يقاطع اخته بل نرى الولد يهجر ابويه ويطول الهجر لسنوات وسنوات ولنقف على اسباب هذا الامر الخطير كون له انعكاسات دنيوية واثار أخروية استطلعنا اراء عديدة منها :
أسباب قطيعة الرحم
بدأنا حديثنا مع الدكتورة حلا ابراهيم (صحة مجتمع) إذ قالت: طرأت على مجتمعنا الكثير من الامور التي غيرت فينا الكثير من العادات الجميلة بل غيرت حتى بعض الفروض الربانية كصلة الارحام التي صارت تخضع لمقاييس غير سليمة مثلا : الذي يتمكن ماديا لا يواصل الاقل منه في المستوى المعيشي حتى لو كان قريبه كونه ليس بمستواه وهكذا وفلان الذي لم يزورني لا أزوره وعملي يأخذ كل وقتي وغيرها من الامور التي سببت نفور الاقارب من بعضهم ولم تقتصر هذه الامور على الاقارب فقط بل شملت حتى الاخوة فيما بينهم فنجد كثير من العوائل لا تتواصل ابنائها بسبب المشاغل او بسبب بعض المشكلات وهذا ينعكس على ابنائهم الذي يتربون على القطيعة وعدم صلة الارحام وبالتالي يكون سلوكا للاجيال التي تأتي بعدهم
وعن اسباب قطيعة الرحم قالت التربوية زهراء حاكم الزاملي: ان قطيعة الرحم لها اسباب عديدة ومتنوعة بعضها لا يرقى ان يكون سببا وبعضها يعالج لكن المجتمع صارت طباعه اصعب من الزمان السابق، سابقا كانت الزيارة بين الاقارب في كل وقت وزمان اليوم صارت تخضع للقوانين حيث طلب الاذن بالزيارة وتحديد الموعد وهذه الامور تقف عائق كون المجتمع اليوم تعددت مشاغله وكثرت اعماله ونادرا ما يجد فراغاً فاذا خضع للأمور التي طرأت على مجتمعنا من تحديد موعد زيارة قد تكون عرقلة في طريق صلة الرحم كونها تتطور وتصبح مملة ومزعجة بسبب الروتين وبعضها يعالج كالزعل على امر لكن اذا ترك ولو كان السبب تافه ستكبر هوة القطيعة وعلينا دائما بالتسامح وتذكر الجزاء الدنيوي والاخروي لهذه الامور التي فرضها الله علينا.
ذكرت الباحثة الاجتماعية م.م سجى التميمي: ان الجهل بعواقب قطيعة الرحم من اكثر الامور التي تجعلنا نقطع ارحامنا ولا نواصلهم فالأخ عندما يقاطع اخاه عليه ان يدرك نتائج هذا الامر وأثره على ابنائه وأبناء اخيه ، والانقطاع الكبير بين الاقارب يجعل الانسان يعتاد على القطيعة ويكون سلوك لأجياله القادمة لان الابن يحذو حذو ابيه، بينما صلة الرحم والتواصل المستمر يعزز سبل التواصل والترابط بين العوائل ويعود الابناء على هذا الامر.
وأضافت الدكتورة امل الحسيني: كثرة المشاغل الدنيوية تلهي الانسان عن كثير من الامور كصلة الرحم التي اصبحت القطيعة فيه امر معتاد لكثرة المشاغل، سابقا كان التواصل سمة المجتمع ونادرا ما نرى قطيعة بين الارحام لكن في الوقت الحالي نرى العكس وعنما نسأل يقال لنا مشاغل الحياة تبعدنا عن اقاربنا وعلينا دائما معرفة عواقب الامور وعواقب قطيعة الرحم وخيمة لها اثر مادي على المجتمع واثر معنوي

مظاهر وأشكال
تعدد مظاهر واشكال صلة الرحم وبخاصة واليوم اتيحت وسائل التواصل للاقرب والابعد وصار التواصل يسير وان كان لا يكفي السؤال عن الاخرين ومعرفة احوالهم عن طريق وسائل التواصل الا انها تحد من القطيعة بين الارحام ، فالام والاب مثلا هل يصح ان ننقطع عليهم فترات طويلة؟ وهل يكفي ان نسأل عليهم باتصال؟ هل التواصل عبر الوسائل الحديثة يعد صلة رحم ؟ اجابنا على هذه الاسئلة مجموعة من النساء حسناء علي (استاذة الفقه الاسلامي) بالقول: من الامور التي اكدت عليها الشريعة المقدسة صلة الرحم وعدت قطيعتها من كبائر الذنوب، بل اعتبرت صلة الرحم من علامات المؤمنين المتصفين بالتقوى والايمان، قال تعالى: (والّذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربّهم ويخافون سوء الحساب) وحذرت الكثير من الاخبار من مغبة قطيعة الارحام وانها سببا في سخط الله تعالى وقد ورد في الروايات ان الجنة حرمت على قاطع الرحم وانه لا يشم ريح الجنة وهذه القطيعة لها اثار وخيمة تظهر في الدنيا بل يعجل لصاحبها بالعقوبة ، والعجيب نجد تنوع حالات قطيعة الرحم حتى بين الابناء و ابائهم و امهاتهم بالرغم من وجود وسائل تواصل عديدة وسهولة التنقل من مكان لأخر لتوفر وسائل النقل وكثير من المشكلات والمآسي التي نعاني منها اسبابها تعود الى قطيعة الرحم
وقالت التربوية سجود الخاقاني: ورد في الحديث الشريف: (صلة الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه) اقرب الارحام الاب والام نجد الكثير منهم يصب دموع الحسرة على قطيعة ابنائه له وللاسف في مجتمعنا الاسلامي نجد دور رعاية مسنين ويشجع عليها في حين ان الاسلام امرنا بصلة الرحم وجعل من واجبات الابناء رعاية ابائهم وامهاتهم، ويرى بعضهم ان صلته بامه وابيه تتحقق بالسؤال عنهم باتصال هاتفي او برسالة ، لكن هل هذا يرضي قلوبهم ويشفي غليل فراقهم لابنائهم؟ هل الام والاب يستحقان بعد عمر من التعب والشقاء ان نسأل عليهم فقط بالاتصال او رسالة؟ وهم في امس الحاجة لنشبع غريزتهم الابوية عن طريق الجلوس معهم والتحدث اليهم والاستماع لحديثهم ، نحتاج اليوم الى تثقيف ابناءنا باطلاعهم على اهمية صلة الرحم واثارها عن طريق الروايات واحاديث اهل البيت (عليهم السلام)

فذكر إن نفعت الذكرى
فلتذكر دائما ان قطيعة الرحم من الاعمال التي يعجل الله لصاحبها بالعقوبة في الدنيا قبل الاخرة، وفي الاخرة العذاب اشد واكثر، بل جعل الله صلة الارحام من موجبات التوفيق واطالة العمر وسعة الارزاق قال النبي (صلى الله عليه واله): (اعجل الخير ثوابا صلة الرحم)، وقال (صلى الله عليه واله): (صلة الرحم تعمر الديار وتزيد في الاعمار وان كان اهلها غير اخيار)، فللأرحام حقوق ولاسيما الاقرب فالأقرب، فالأم والاب لهما حق علينا وهكذا الاخوان وكل من يتصل بنا بصلة رحم، فالابن غير معذور بقطيعة ابويه وهكذا الاخوان والاقربون عن الامام السجاد (عليه السلام): (ما من خطوة احب الى الله من خطوتين خطوة يسد بها المؤمن صفا في الله وخطوة الى ذي رحم قاطع) فعلى الانسان ان يسعى بنفسه الى صلة ارحامه ويكسر جميع الحواجز التي تحد من التواصل مع الاقارب.
نشرت في الولاية العدد 120

مقالات ذات صله