ازدواجية الرأي في القضية الحسينية


هشام اموري

في يوماً ما تحركت قوافل الهاشمين يتقدمهم سيد شباب أهل الجنة من أرض كانت فيها بيوتهم التي تنزلت وتزاحمت حولها الملائكة، هذه الرحلة الشاقة مع النساء والأطفال كانت نتيجة لديمومة الإسلام المحمدي وتخليده والحفاظ على إرث الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) وجهاد أمير المؤمنين(عليه السلام) وصولاً الى ولاية وحكمت الإمام الحسن (عليه السلام) كان الإمام الحسين عليه السلام آنذاك في مفترق طرق إما اخماد هذا الدين والقبول بالذلة أو الانتفاضة على الظلم واُمراء الفجور.

لم يتوانى التاريخ الإسلامي عن تمجيد الأحداث المشرّفة والشخصيات منذ عصر صدر الاسلام وإلى فترات قريبة من عالمنا الحديث،اضافة الى ذلك فقد نقد التاريخ وكتّابُه كلَ الشواذ والحقب المظلمة لأشخاص تولوا مناصب الحكم او اعانوا حكاماً على بطشهم وهمجيتهم، على الرغم من أن الوقائع التاريخية لم تصلنا مفصلة بدقة إلاّ ان الصالح والطالح قد بان للعيان دون الحاجة الى التبحر والبحث في بطون الكتب والمصادر. لأنّ نخرج شخصاً ما من مستنقع الرذائل ونعمل على تنقيته وتلميعه للأجيال القادمة .

الحسين قتل بسيف جده
في الوقت الذي نسمع ونشاهد العديد من الكتّاب والمفكرين – من غير المسلمين – الذين يقفون على واقعة كربلاء بكل حيادية ويشيدون بالدور الذي قدّمة الأمام الحسين (عليه السلام) في طلب الإصلاح وارجاع هيبة الدين التي سلبها يزيد بن معاوية وفضح الطرف المقابل الجبهة الاموية وكيف حشدت الجيوش ونشرت اخبار كاذبة مفادها انّ خارجي يريد الخروج على أميره وعلى المجتمع أنْ يتصدى له، وبعد كل ذلك وفي وقتنا نقرأ ونسمع من اشخاص محسوبين على العلماء والمثقفين والطبقة الأولى من المجتمع تشيد بدور يزيد في الحكم وتنهر كل من يشتمه وتبالغ في احترامه وتمجيده وتضع سبط النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) خارجاً عن القانون كما يشير بذلك كبار الكتّاب والعلماء: إن الحسين قتل بشرع جدّه ولا ملام على قتلة الحسين ويضيف آخر الى انكار قتل الحسين (عليه السلام) على يد يزيد ولم يأمر بقتله…والخ من مهازل الكلام

قَتَلة الحسين!
وتستمر التفاهات القائلة من أن الإمام الحسين (عليه السلام) تم قتله من قبل شيعة أبيه الإمام علي (عليه السلام) في كربلاء متجاهلين أنْ المعسكر الأموي آنذاك كان يترأسه ويقوده أمراء زيد بن معاوية ويزوّده بالأخبار وما يحدث منذ خروج الإمام الحسين من مكة ووصولاً إلى مدينة كربلاء، فمن هي الشخصية التي تنطبق عليها سمات شيعة امير المؤمنين (عليه السلام) هل هو (حرملة) الذي اراق دم الطفل الرضيع أم (عمر بن سعد) الذي فضّل ملك الري وغرور الدنيا على الوقوف ومساندة الإمام الحسين او الشمر وغيرهم من الاسماء التي تستطيع أن تحرق وتسلب آل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله ) من اجل الفوز بغنائم الدنيا ونيل رضا أمير الكفر والطغيان زيد بن معاوية.
إذا كانت هذه الثلة الضآلة هم من شيعة وأتباع أمير المؤمنين (عليه السلام) وبهم قاتل الإمام علي (عليه السلام) لنصرة الإسلام وتثبيت أركانه فأي حق يملكونه في الخروج على ابن من ضحى وقدم الغالي والنفيس في سبيل أنْ يدوم الاسلام وأن تبقى كلمة (الله اكير) عالية مدوية في المجتمعات كافة.
إنّ شيعة امير المؤمنين (عليه السلام) كانت متمثلة بركب الحسين (عليه السلام) هؤلاء القوم الذين طلقوا الدنيا وزهواها وعرضوا عن كل المغريات التي تقدمت إليهم من الطرف الآخر من أجل ترك الإمام الحسين وحده في المعسكر ولكن أبوا إلّا إنْ يتقدموا للشهادة قبل الإمام الحسين، لذلك قال فيهم (عليه السلام): فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا واني لأظن يوما لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري…..
أعيان الشيعة : ج 1 – ص 600

الآمير الظالم:
يُعد الأمير والحاكم والرئيس عند بعض العلماء من المسلمين مقدساً لا يجوز انتقاده او المساس به وان كان فاقد للتدين والايمان والعدالة كونه ولي الامر والخروج عليه ومعارضته مخالفة للدين وان كان الخارج حاقاً في قضيته ومطالبه مشروعة، وعلى هذا الاساس خرجت الكثير من الفتاوى الشرعية خروج الإمام الحسين (عليه السلام) خروج غير شرعي وغير مبرر كونه الطاغي وشارب الخمر يزيد بن معاوية ولي امر المسلمين ولا يجوز معارضته مهما تطاول على الدين الإسلامي والإستهتار بالحرمات وقتل النفس المظلومة متناسين أن الإمام الحسين خرج من مكة المكرمة، حفاظا على حرمتها وكيانها الإسلامي من ان يدنسها رجالات يزيد بن معاوية وامُرائه بعد ان طالبوُه بالبيعة لأميرهم الفاجر، كل هذه الاحداث لم يمر يتناسى الكثير ممن يحسب نفسه من العلماء والخطباء ويغذون المجتمع بالأكاذيب والحقد اتجاه آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحد هذا الوقت يرتجل العديد منهم للمديح بالعهد الأموي الذي سالت فيه اشرف الدماء الطاهرة التي بدأت من كربلاء ومروراً بباقي الأئمة الأطهار الذين مارسوا عليهم التضيق والقتل والتشريد لعقود طوال.

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله