حياة الرسول صلى الله عليه واله المعيشية

د. ايمان حسن مجيسر الساعدي

كان رسول الله {صلى الله عليه وآله} يأكل الطعام بأصنافه المختلفة ولم يعب طعاماً قط،حتى ان قريش عابت عليه {صلى الله عليه وآله} ذلك ويتضح هذا من قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىإِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}( سورة الفرقان:7-8) ، فيتبين من الآية القرآنية إن رسول الله { صلى الله عليه وآله} كان يمارس حياته الطبيعية كأي إنسان آخر يأكل ويشرب الأصناف المختلفة ولكن دون إسراف تطبيقاً لقوله تعالى : {يا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(سورة الاعراف:31)، كما كانت داره {صلى الله عليه وآله} دار طعام ومتاع، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا(سورة الاحزاب: 53).

طعام رسول الله{صلى الله عليه وآله} وشرابه
صورت لنا بعض الروايات ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} كان فقيراً، لم يجد ما يأكله فيظل يومه يلتوّى من الجوع، بل صورته{ صلى الله عليه وآله } وأهل بيته (عليهم السلام)بأنهم كانوا متسولين يسألون الناس، متناسين ان الصدقة لا تجوز له{صلى الله عليه وآله} ولا لأهل بيته، فكان لنا وقفة مع تلك الروايات ودراستها فأتضح الآتي:-
1- كان بيت رسول الله {صلى الله عليه وآله} دار طعام ومتاع وهذا ما أكدته الآية الشريفة : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا»( سورة الاحزاب: 53). وهذا يعني ان الصحابة يجدون ما يسدون به جوعهم في بيت النبي {صلى الله عليه وآله} ، لا انهم يأتونه بالطعام.
2- أكد الله تعالى على ضرورة الاكل والشرب والتمتع بالطيبات من الرزق ومما يدل على ذلك هو انه بلغ تعداد كلمة أكل ومشتقاتها في القرآن الكريم خمساً وتسعين كلمة اما كلمة طعم فبلغت اربعاً واربعين كلمة واهم الآيات القرآنية التي اشارت لذلك هي:-
أ- قال تعالى:-» يا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»( سورة الاعراف:31)
ب- قال تعالى:» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»( سورة البقرة:اية:172)
ج- قال تعالى:» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»( سورة المائدة:87.).
فيلاحظ من الآيات القرآنية ان الله تعالى يأمر بالتمتع بالطيبات من الرزق ولم ينه عنها .اي انه تعالى يأمر الإنسان بالأكل والشرب فكيف رسول الله{ صلى الله عليه وآله } لا يأكل ولا يشرب والله هو الذي يأمر بذلك؟!
3-وفي السنة النبوية أكد رسول الله { صلى الله عليه وآله} على ذلك ايضاً، وقال:» ان الله يحب ان يرى نعمه على عباده ظاهرة في الأكل والشرب».
4-أشارت بعض الروايات ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} كان من شدة الجوع يشد الحجر على بطنه وهذا لا يصح لأسباب عدة منها::-
*ضعف ابن حبان تلك الروايات قائلاً:»…ان الله تعالى كان يطعم رسوله ويسقيه فكيف يتركه جائعاً حتى يحتاج إلى شد الحجر على بطنه؟.. ثم قال: «وماذا يعني الحجر من الجوع؟ ثم ذكر ان ذلك تصحيف ممن رواه وإنما هي الحجز بالزاي جمع حجزه»
*ان دار رسول الله {صلى الله عليه وآله} كما ذكر أعلاه كانت دار طعام ومتاع لكل المسلمين.
*كانت لديه {صلى الله عليه وآله} موارد كثيرة ومتنوعة يعيش منها ، هذا فضلاً عن انه {صلى الله عليه وآله} كانت لديه عشرون لقحة وهي التي كان آل الرسول {صلى الله عليه وآله} يعيشون بها اذ كان يراح كل ليلة منها بقربتين عظيمتين من اللبن.
5-أشارت بعض الروايات إلى أن الأنصار كانوا يرسلون الى رسول الله {صلى الله عليه وآله} من اجر ايديهم ،ورواية اخرى ذكرت انهم كانوا يرسلون بغزيرة شاتهم من اللبن وقيل من خزيرتهم ولم تبين هذه الروايات ما إذا كانت تلك العطايا هدية ام صدقة ، وهذا ما دفع بعضهم أمثال مصطفى حقي إلى اتهام رسول الله {صلى الله عليه وآله} بأنه كان يعيش على كرم المهاجرين والأنصار قائلاً:» لقد مرت على النبي {صلى الله عليه وآله} أوقات عصيبة ، وهو الذي لم يتخذ لنفسه عملاً ، بل عاش على كرم المهاجرين والأنصار ، وكثيراً ما كان يأوي الى فراشه جائعاً ويسكن جوعه بما لا يزيد عن بضع حبات من التمر» وهذا لا يمكن قبوله لان الصدقة لا تحل على رسول الله { صلى الله عليه وآله} وهذا ما أكد عليه { صلى الله عليه وآله} اذ قال : إنما هي أوساخ الناس ،وحرم عليه وعلى عترته ان يأكلوا ولو تمرة واحدة من أموال الصدقات.فضلاً عن ما ثبت من انه { صلى الله عليه وآله} كانت لديه موارد عدة يعيش منها.
6- جاء في إحدى الروايات ان رسول الله { صلى الله عليه وآله} قال: من يصلنا بشيء بسبب جوع الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) فوصلهم عبد الرحمن بن عوف ، وهذا لا يصح لعدة أسباب:
*ان الصدقة لا تحل على رسول الله { صلى الله عليه وآله} وأهل بيته عليهم السلام.
*كانت لدى رسول الله { صلى الله عليه وآله} عشرون لقحة تدر اللبن تروح كل ليلة عليهم قربتين .
*كانت لديه { صلى الله عليه وآله} موارد متنوعة يعيش منها.
*هذه الرواية تريد إضفاء منقبة لعبد الرحمن بن عوف الذي عرف بعدائه لأهل البيت (عليهم السلام)، إذ كانت مواقفه سلبية من الإمام علي (عليه السلام) وانه احد المشاركين في الهجوم على بيت الزهراء(عليها السلام) وهو الذي قال لعثمان ابن عفان حينما كان بينه وبين الإمام علي (عليه السلام) منازعة في حديقة:» لا تنازعه إلى رسول الله فأنه يحكم له عليك، ولكن حاكمه الى ابن شيبة اليهودي».
فكيف يتقبل رسول الله { صلى الله عليه وآله} هدية ان أعددناها كذلك من هكذا إنسان؟! وكيف ذاك ورسول الله { صلى الله عليه وآله } يطعم المئات ويسقيهم بفضل الله.
7-ذكرت إحدى الروايات ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} في احد الأيام صلى جالساً من شدة الجوع ، وهذا لا يمكن قبوله ،اذ ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} أسمى من ان يترك الواجب ويعمل المستحب، اذا عد هذا الجوع زهداً وهو ليس كذلك اذ عند الرجوع الى معنى الزهد في اللغة وجدنا انه يعني الأخذ بقدر ما يكفي ويقال رجل زهيد الأكل :أي قليل الأكل.فضلاً عن ان الله تعالى نهى الرسول {صلى الله عليه وآله وسلم} عن اذية النفس اذ قال تعالى: «طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى»(سورة طه:اية:1-2) فقيل ان سبب نزول هذه الآية هو ان قريش عندما نظرت إلى عيش النبي { صلى الله عليه وآله } وشظفه وكثرة عبادته قالت :ان محمد مع ربه في شقاء، هذا الجوع الذي لا يستطيع الرسول معه القيام للصلاة يعد أذية للنفس، كما انه {صلى الله عليه وآله} أعطاه الله تعالى من القوة الجسدية والنفسية ما لم يعطي لغيره ومما يدل على ذلك انه { صلى الله عليه وآله وسلم} حتى في مرضه الذي توفي فيه كان يقوم ويصلي.
8-أشارت إحدى الروايات ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} خرج يوماً في بعض طرق المدينة وأدركه الضعف فأضطجع مرتفعاً شماله ماداً أصبعه فرآه رجل من الأنصار فجاءه بقعب لبن، فسقاه، فالسؤال هنا :أيعقل ان رسول الله {صلى الله عليه وآله} يضطجع في الطريق، ثم ما فائدة رفع شماله ومد أصبعه فهل هي دليل على جوعه لذلك عندما رآه ذلك الرجل الأنصاري علم بذلك؟! ومن هذا الأنصاري ،فالرواية لم تذكر اسمه، الم يتباهى في يوم من الايام كونه سقى رسول الله { صلى الله عليه وآله} ؟ ثم ان رسول الله { صلى الله عليه وآله} كانت لديه عشرون لقحة يعيش منها، يضاف الى ذلك ان هذه صدقة والصدقة لا تجوز عليه {صلى الله عليه وآله}، فهذه الرواية تريد الاساءة الى رسول الله { صلى الله عليه وآله} من خلال اظهار شخصية النبي بأنها شخصية (والعياذ بالله) وضيعة لا كرامة لها ولا عزة نفس، ضعيفة القوى الجسدية تعيش حالة الانهيار، وهذا خلاف الواقع تماماً.
9- ومما يدحض روايات جوع النبي {صلى الله عليه وآله وسلم} هو انه كان للنبي {صلى الله عليه وآله} معجزات في إطعام الله له، ولقد أكرمه الله تعالى بمعجزات كثيرة، منها تكثير الطعام والشراب بين يديه، اذ ان مريم العذراء(عليها السلام) ليست أكرم من النبي عند الله تعالى الذي أكرمها وأطعمها، اذ قال تعالى: «وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا» فكيف يدع نبيه { صلى الله عليه وآله} يؤذيه الجوع ،إذ قال{ صلى الله عليه وآله وسلم}:»أيكم مثلي؟اني أبيت يطعمني ربي ويسقيني» ومن تلك المعجزات :
1- تكثير الطعام الذي وضعه رسول الله {صلى الله عليه وآله } على اصابعه، فقد ورد انه{ صلى الله عليه وآله} دعا اهل الصفة لقصعة ثريد ، فأكلوا حتى لم يبق الا اليسير في نواحيها ، فجمعه فصار لقمة، فوضعها على اصابعه وقال لابي هريرة أي، لانه كان من اهل الصفة كل باسم الله ،قال ابو هريرة فو الذي نفسي بيده ما زلت اكل منها حتى شبعت، قيل وكان اصحاب الصفة حينئذ تسعين، وقيل مئة ونيفا، وقيل اربعمئة.
2-عن عبد الله بن مسعود قال:»… كنا مع رسول الله { صلى الله عليه وآله} في سفر فقل الماء ، فقال { صلى الله عليه وآله}:اطلبوا فضلة من ماء، فجاؤوا باناء فيه ماء قليل ، وادخل{ صلى الله عليه وآله } يده في الاناء ثم قال: حي على الطهور المبارك ، والبركة من الله تعالى ، فلقد رأيت الماء ينبع من بين اصابع رسول الله{ صلى الله عليه وآله}…»
10-اشارت احدى الروايات ان سبب خروج النبي { صلى الله عليه وآله} في وقت متأخر من الليل هو الجوع ، في حين ذكرت رواية اخرى بنفس مصدر الرواية ان الجوع كان سببا لخروج ابي بكر وعمر فقط وليس رسول الله{ صلى الله عليه وآله}؟ واشارت رواية اخرى ان الذي خرج ليلاً ابو هريرة وأصحاب الصفة فسأله أصحاب الصفة عن سبب خروجه فقال: الجوع، فقالوا: ونحن كذلك، فدخلوا على رسول الله { صلى الله عليه وآله وسلم} فدعا لهم بطبق تمر فأطعمهم.
ان هذا التناقض والاضطراب في الروايات يدل على ضعفها وكونها موضوعة من قبل الامويين والموالين لهم لسد شعور النقص الذين كانوا يعانون منه كون افضلية بني هاشم عليهم فلجأوا الى وضع مثل هكذا روايات وبيان انهم كانوا اصحاب الاموال والسيادة بينما رسول الله {صلى الله عليه وآله} كان فقيراً يقبل حتى بالصدقة التي حرمت عليه وعلى اهل بيته .كما ثبت انه كانت لدى رسول الله { صلى الله عليه وآله} موارد مالية كثيرة كتبها الله له لتكون له اليد العليا ولأجل أن لا يمن عليه احد من العباد.
كما يتضح من ممارسة رسول الله {صلى الله عليه وآله}حياته اليومية انه كان يأكل الطعام بأصنافه المختلفة الا انه {صلى الله عليه وآله} كان عامة طعامه {صلى الله عليه وآله} خبز الشعير وحلواه التمر كما اكل أصناف الطعام الأخرى كاللحوم والسمن والعسل والهريسة وأنواع الفاكهة إذ انه {صلى الله عليه وآله} لم يكره اكلها و لم يعب طعاماً قط، وذلك لان عمله { صلى الله عليه وآله} سنة متبعة .
أما شرابه { صلى الله عليه وآله} فكان اكثر شرابه الماء واللبن ، وكان لا يتنفس في الاناء وشرب قائماً وقاعداً، وكان يؤثر من على يمينه.

المصادر
1. امتاع الاسماع، للمقريزي
2. الطبقات الكبرى، ابن سعد
3. تاريخ دمشق ابن عساكر
4. فتح الباري، ابن حجر
5. صحيح البخاري.
6. جامع السعادات

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله