الاحساس بالفجوة بين الابناء الشباب والأهل


هاشم محمد الباججي

من بين ابرز المشاكل التي يعاني منها الشباب اليوم هو الاحساس بأن هناك فجوة كبيرة بينهم وبين أهلهم، إذ يعتقد الشباب في هذه المرحلة العمرية أنّهم بعمر يمكنهم من اتخاذ قراراتهم الشخصية والاجتماعية بأنفسهم ،بينما لا يرضى الأهل بإعطائهم حرية الاختيار في كثير من القضايا المهمة بسبب الخوف عليهم من اتخاذ قرارات خاطئة قد تؤثر على مستقبلهم او تؤدي بهم الى ما لا يحمد عقباه .

وقد يغيب عن أذهان معظم الأبناء، ان الآباء هم اكثر الناس حرصا على مستقبلهم ويريدون لهم كل الخير بدون مصالح متبادلة او أي ضميمة اخرى، حتى وان قسو عليهم فهدفهم واضح، لكن الابناء تراهم ينفرون من هذا الوضع ويعتبرونه تقييد للحرية الشخصية، فالأب مثلا حينما لا يرضى ان يبقى ولده الشاب خارج البيت الى وقت متأخر ، فبالتأكيد ليس هدفه تقييد او الضغط على حرية ولده بقدر خوفه عليه من الانجرار نحو اصحاب السوء او من الحوادث التي قد تحصل او أي سبب اخر ، فالأب حريص اشد الحرص على سلامة ابنه من جميع النواحي وهذا الحرص قد يعتبره الابناء تقييد للحرية الشخصية، صحيح ان هناك بعض الاباء قد يبالغون كثيرا في هذه المسألة او تلك ولكن يجب ان يعلم الابن ان الاب يجب ان يحافظ على ولده ويحرص عليه وهو أمانة في رقبته حتى يوصلها الى شاطئ الامان.
وقد روى لي سماحة السيد محمد بحر العلوم رحمه الله انه كان في فترة شبابه، كباقي الشباب يحب ان يخرج مع الاصدقاء بعيدا عن رقابة والده، وقال حتى في ايام الجمع كنا شباب نذهب الى شاطئ الكوفة للترويح وكان والدي لا يسمح لنا الا ان يرسل معنا احد الذين كانوا يعملون مع والدي للحفاظ علينا، وكنت حينها اتضايق كثيرا من هذه المصاحبة والمراقبة، وكنت اتساءل لماذا والدي يعاملنا هكذا؟ ولكن حينما كبرت وتزوجت وصار لدي اولاد، وعرفت معنى الابوة ترحمت على والدي كثيرا لأنه حافظ علينا في فترة نحن بأمس الحاجة لمن يرشدنا الطريق.
ان الفجوة العمرية الكبيرة بين الشباب والاهل هي أكثر الفجوات تأسيساً للاختلافات، فبقدر ما يبتعد جيل الآباء – زمنياً- عن جيل الأبناء، تتسع الفجوات الأخرى، وتضيق مساحة الالتقاء الفكري والثقافي وحتى اللغوي، فالتقدم التدريجي في سن الزواج والإنجاب، أبرز عن فجوة كبيرة لم تكن في السابق موجودة بين أعمار الآباء والأبناء، فبدل أن يكون الفرق بالعمر بين الأب وابنه 15-20 عاماً كحد أقصى، بات الكثير من الآباء يبتعدون عن أبناءهم مسافة 30 سنة أو أكثر.
وهذا الاختلاف الكبير في الأعمار ما بين الاولاد والاباء ، ولّد مسافات متباعدة من الثقافة والعادات والتقاليد والأفكار ومدخلات العصر الحديث بين الجيلين، مما ساعد في بروز المشكلة بنسبة أكبر.
والمشكلة الأساسية التي يخلقها وجود فجوات متعددة بين جيل الآباء والأبناء، تتركز في موضوع التربية على الأغلب ، لأن أكبر المهام التي توجد على عاتق الآباء، هي مهمة التربية في كل شيء، الدينية والخلقية والسلوكية والثقافية والاجتماعية.. وغيرها.
لذلك، فإن أي خلل في هذه العلاقة، يؤدي بالتالي إلى خلل في المسألة التربوية.
وهذا يؤدي الى ازدياد مستوى القلق والتوتر لدى الآباء والمربيين تجاه ابنائهم مما أدى إلى افتقار الحوار الهادئ والمجادلة بالتي هي أحسن، مما زاد في اتساع الفجوة بين الآباء والمربيين من جهة وبين ابنائهم الشباب من جهة أخرى ، لذا نرى في كثير من الاسر جمود العواطف بين الآباء والأبناء بسبب الانشغال فكل مشغول بنفسه، ويفكر بحياته ونجاحه ، او عدم المبالاة والاهتمام احدهم بالآخر ،نتيجة التفكك الأسري وتفاقم المشاكل وغياب الاحترام والتقدير بين الطرفين …
فلابد للابن ان يدرك مدى خطورة الانحراف عن المسار والجادة الصحيحة لاسيما وهو في مقتبل الشباب ولا يدرك مصالحه بصورة جيدة بل يكون غالبا مندفعا متعجبا متمنيا .. يرسم الخيال والاحلام بدون واقع عملي لها
ولدي .. وحبيبي .. دع اللوم جانباً ولتكن غرساً طيباً باراً تعين والديك على برهما وتظهر حسن تربيتهما لك، ولتكن خير خلف لخير سلف وما تزرعه اليوم تحصده غداً ، ولتعلم أن سموك ورفعتك في ماضيك وفي العلم والعمل والاستقامة .. ولتنظر بعين ثاقبة إلى ما وصل إليه الغرب من انهيار أخلاقي وتفكك أسري وأمراض ليس لها عد ولا حصر ،ولا بأس ان نستفاد مما وصلوا اليه من علوم وتكنلوجيا كما استفادوا هم يوما ما من علومنا ومعارفنا، ولكن يجب عدم تقليدهم في كل شيء ، فهل تحب ان تسير نحو الهاوية في دنياك واخرتك ، ام ترغب ان تكون انسانا ذا شأن رغم كل الظروف والمصاعب لتشعر بطعم الحياة وطعم الانتصار على الذات وعلى الهوى والشيطان.
ولابد للآباء والابناء داخل اسرهم ان تكون هناك ضرورة للتحلي بحسن الاستماع من أجل الحفاظ على التواصل فيما بينهم ، ويا حبذا ان تكون ثقافة الحوار داخل الأسرة والابتعاد عن الضغط والاكراه الذي يؤدي الى قطع العلاقة او يوصل الى طريق مسدود ، وان إدارة الحوار هي التي تحدد نجاح هذا الحوار أو فشله، فلابد للأبناء التحدث بطريقة لائقة مع الآباء واظهار التواضع والاحترام لهم وعدم فرض الرأي او اشعار الاب بانه من الزمن القديم ولا يعرف بتطلعات الشباب، بل على العكس لابد للأبناء من اظهار اللين والرحمة والشفقة اثناء الحديث معهما لاسيما وهذا ما أوصانا به رب العزة ، اضافة الى الاعراف والتقاليد التي توجب الاحترام والتواضع للابن تجاه الاب ،وعدم الاحترام والتواضع من قبل الابناء قد يكون هو سبب الأزمة الرئيس للعلاقة المتوترة فيما بينهم فلو شعر الاب بالاحترام والتواضع من قبل ابنائه فبالتأكيد سيؤدي هذا الى تفهم كبير من قبله واجابة كل طلباتهم المشروعة، والعكس بالعكس، فمثلا طريقة رد الابن على سؤال أبيه حول تأخره ، فاذا كان الرد ايجابيا وفيه تواضع واحترام وهيبة لشخص الوالد ، وهذا في الغالب سينعكس حتما على تصرف الاب تجاه الابن بإيجابية وتفهم وحسن استماع .
ولابد للآباء من تفهم الوضع بالنسبة للشباب وتطلعاتهم – فكما قال أمير المؤمنين عليه السلام ( فانهم خلقوا لزمان غير زمانكم ) – ومد يد العون لهم وارشادهم واستخدام آداب التربية الاسلامية الصحيحة واعتماد نظرية الثواب والعقاب، وتقديم النموذج السلبي والإيجابي لأخذ العبرة، والرجوع إلى تعاليم الدين الإسلامي الذي يعطي لكل حقه من واجبات وحقوق مترتبة على كليهما وهذا بالتأكيد سيؤدي الى ردم الفجوة بين الجيلين ، والاتصال السليم بين الاباء والابناء وبما يساعد الأسرة على ديمومتها واستقرارها .

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله