الجهود اللغوية والنقدية للأسود الغندجاني المعروف بأبي محمد الإعرابي


م.م. علي محمد عبد الحسين أبو شبع

الغندجاني هو عالم في اللغة والنقد عاش في القرن الرابع الهجري ألف كتباً عدة في معارف شتى منها في التأليف النقدي اللغوي التقويمي ككتاب (فرحة الأديب في الرد على ابن السيرافي في كتابه شرح أبيات سيبويه»ت180هـ») و(إصلاح ما غلط فيه أبو عبد الله ألنمري البصري في كتابه تفسير مشكل أبيات الحماسة لأبي تمام) و(نزهة الأديب في الرد على التذكرة لأبي علي الفارسي) و(ضالة الأديب), ومنها في التأليف المعجمي ككتب (أسماء خيل العرب وأنسابها وذكر فرسانها) و(أسماء الأماكن) و(السل والسرقة), وقد وضع في هذه الكتب آراء لغوية ونقدية مهمة أثرت الحركة اللغوية قديماً وحديثاً.
نقلت الباحثة إيناس قاسم الموسوي في رسالتها للماجستير نبذة عن حياة الغندجاني «وردت ترجمة الغندجاني في المصادر والتراجم العربية القديمة والحديثة بقليل من التحليل والإضاءة والاستقصاء جاهلين حق هذا المبدع في النقد والرد والتصحيح والتعديل في جميع مؤلفاته دلالة على تعمقه باللغة ومعرفته بأيام العرب وأنسابها وأشعارها», ونسب الغندجاني إلى شيراز وشيراز بلد عظيم مشهور معروف مذكور, وهو قصبة بلاد فارس في الإقليم الثالث … وهي في وسط بلاد فارس, ولا أجد أحداً غيره نسبه إليها ولم يذكر عنه غير إنه من بليدة بفارس أسمها غندجان وهي مفازة قليلة الماء معطشة ولذلك في ما قيل أخرجت جماعة من أهل الأدب والعلم, منهم أبو محمد الأعرابي … صاحب التصنيف في الأدب وأبو ندى محمد بن أحمد شيخه وغيرهما …, ولقب الغندجاني بالإعرابي فقد كان يقصد تسويد لونه وكان يدهن نفسه بالقطران ويجلس في الشمس ليحقق لنفسه هذا اللقب, عاش في ظل الوزير العادل أبي منصور برهام بن مافيه وزير الملك أبي كالجار ابن سلطان بن بهاء الدولة بن عضد الدولة بن بويه صاحب شيراز وقد رزق من خلاله بثروة كبيرة فكان الأسود كلما ألف كتاباً جعله باسمه ومات ولم يذكر المؤرخون أو المترجمون له شيئاً عن مولده وطفولته وأين كان تحصيله للعلم والمعرفة ومن هم أساتذته ومتى وأين كانت وفاته إلا أنه ذكر كان موجوداً عام(430هـ) فأكتنف الحديث عنه الغموض ففي جميع المصادر يذكر أسمه ولقبه وكنيته فقط.
تصحيفه للغة
وجهود الغندجاني حول التصويبات اللغوية والنقدية منها التصحيف في اللغة: من صحف: الصحيفة التي يكتب فيها, والجمع صحائف وصحف, وفي التنزيل نحو قوله تعالى: ((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى۞صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى)((سورة الأعلى/ 18ـ19), يعني الكتب المنزلة عليهما صلوات الله على نبينا وعليهما, قال سيبويه(ت180هـ): أما صحائف فعلى بابه وصحف داخل عليه؛ لأن فعلاً في مثل هذا قليل … والمصحف والصحف: الذي يروي الخطأ عن قراءة الصحف بأشباه الحروف مولودة … والتصحيف الخطأ في الصحيفة, هذا ما ذكره أبن منظور في (لسان العرب), والفراهيدي في كتاب (العين), وأما التصحيف في الاصطلاح: هو تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط, وعرفه الجرجاني(ت816هـ) في (التعريفات) قال «التصحيف: أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراد كتابه أو ما اصطلحوا عليه», وأما التصحيف عند الغندجاني فيعد من أول القضايا التي عالجها في مؤلفاته من خلال ردوده النقدية خاصة في الكتابين (فرحة الأديب, وإصلاح ما غلط فيه ألنمري), قال الغندجاني, قال ابن السيرافي قال عامر بن جوين الطائي:
ألم تَرَ كم بالجَزع مِن مَلكِات وَكَم بالصَــــعيدِ من هِجَانٍ مؤَبّلَة
فلم أَرَ مِثْلَــهَما خُباسةَ واحدٍ ونَهنهتُ نفسي بعد ما كدتُ أَفْعلَه
قال ابن السيرافي: ملكات جمع ملكة, رد الغندجاني عليه هذا أرقع ما جاء به السيرافي ولو كان له حياء لما استحن لنفسه أن يدخلها في مثل هذا التصحيف الشنيع … والصواب: ما بالجزع من ملكان, وملكان: جبل من بلاد طيء وكان يقال له: ملكان الروم؛ لأن الروم كانت تسكنه في الجاهلية مرة.
التحريف في اللغة
أما حول موضوع التحريف في اللغة: وهو من حرف والحرف من حروف الهجاء وكل كلمة بنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني تسمى حرفاً وأن كان بناؤها بحرفين أو أكثر مثل حتى وهل وبل ولعل, وكل كلمة تقرأ على وجوه من القرآن تسمى حرفاً, يقال: يقرأ هذا الحرف في حرف أبن مسعود أي في قراءته, والتحريف في القرآن تغيير الكلمة عن معناها وهي قريبة الشبه, كما كانت اليهود تغير معاني التوراة بالأشباه, فوصفهم الله بفعلهم, نحو قوله تعالى: ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)) ( سورة المائدة/ 13), وتحرف فلان عن فلان وانحرف, واحد أي مالَ, والإنسان يكون على حرف من أمره كأن ينتظر ويتوقع فان رأى من ناحية ما يحب وإلا مال إلى غيرها …, وقال ابن سيده: فلان على حرف من أمره أي ناحية منه إذا رأى شيئاً لا يعجبه عدل عنه …, أما التحريف في الاصطلاح: هو العدول بالشيء عن جهته, وحرف الكلام تحريفاً عدل به عن جهته من زيادة فيه أو نقص منه, وهي كثيرة جداً لم يسلم منها كتاب حتى القرآن الكريم وكتب الحديث …, وقال الجرجاني(ت816هـ) في التحريف: هو «تغير اللفظ دون المعنى», ومما كثر التحريف فيه بين المحدثين وهو ثلاثة أحرف: جبل (حراء) حرف المحدثون في (حرا) الحاء والراء والألف فيفتحون الحاء وهي مكسورة ويكسرون الراء وهي مفتوحة, فيقولون فيه: (حَري) على وزن (دني), وألفه ممدودة فبعضهم يقول فيه: جبل حَرَا, التحريف من القضايا اللغوية التي عالجها الغندجاني في مصنفاته المذكورة وهذا ما وجده عند أبن السيرافي حيث أنه أتى ببيتين محرفين عن جهة الصواب ونسبهن إلى الأخضر بن هبيره الضبي:
فَمَا أنا يَومَ الرَّقْمَتَيـــْنِ بِنَاكِل وَلَا السَيْــفُ إن جَرَّدْتُه بكَلِيلِ
فما كُنْتُ ضَفّاطاً, ولكِنَّ راكِبـاً أَناخَ قَلِيْلاً فَوْقَ ظَهْر سَبيـلِ
قال ابن السيرافي: قال خضر ابن هبيرة الضبي هذا الشعر في شأن ابن لهو قتلته ضحية في حرب بينهم, رد عليه الغندجاني غلط ابن السيرافي ها هنا من جهات منها انه نسب هذا الشعر إلى الأخضر بن هبيرة وليس هو له, ثم انه أتى ببيتين محرفين من جهة الصواب وضل هذا من الشعر إذا لم تعرف قصته مستوفاة لم يعرف معناها البتة, وعالج قضايا عدة الغندجاني في كتبة, لم يضع الغندجاني كتابا خاصا في النقد كما فعل غيره من نقاد عصره وإنما تناول القضايا النقدية واللغوية التي دارت حول تقويم مؤلفات سابقيه من الناحية التطبيقية العملية فعالج قضايا إخبار العرب وتاريخهم والشعر وفنونه ومعانيه وألفاظه وهو يقوم على التحليل والشرح وبيان مواطن الجودة والرداءة وتصحيحها, ولم يتعصب الغندجاني لأصله الفارسي بل كان محب للغة العربية وفنونها وهذا ما دفعه للدراسة والإبحار في كل ما يخص اللغة العربية من إخبار وتاريخ واحداث وأسماء وأماكن وغيرها وهو على دراية تامة بكل فنون هذه اللغة, فان القضايا التي تناولها الغندجاني في مؤلفاته كقضية تصحيح رواية أو معنى أو لفظ هي أهم القضايا التي كانت سائدة في عصره لكنه كان الأبرز في دراسته هذه؛ بسبب دقة اختياره لمقوديه وهم من كبار علماء اللغة والمؤلفين, وجمع الغندجاني بين النقد اللغوي والنقد الأدبي فقد كان ضليعا في اللغة واسع المعرفة في الأدب وعنده أي خلل في اللغة (اللفظ) يؤدي إلى الإخلال بالمعنى لهذا ألزم إن تكون اللغة صحيحة خالية من الأخطاء.

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله