عاشوراء الحسين..مدرسة تربية وتهذيب الأجيال على مر العصور


ابتهال عباس محمد

عاشوراء التي تحمل بين طياتها معاني الإباء والبطولة والإخلاص والإيثار والصبر والشجاعة والقيم النبيلة التي لانهاية لها على مدى التاريخ والأزمنة فهي مدرسة حسينية تربوية ملهمة تخرج اجيالا من المتمسكين بمنهج اهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) فهي لم تنتهي عصر العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت، فمبادئه (سلام الله عليه) لم تقتل لحظة استشهاده وإنما ولدت في تلك اللحظة، بينما أعداؤه لم ينتصروا حين قتلوه وقتلوا اهل بيته وأصحابه وسبوا عياله، وأن نداءه عليه السلام: (هل مِن ناصِرٍ يَنصُرُنا؟) ما يزال موجها لجميع أبناء الإنسانية على مر العصور لنصرة الحق في كل زمان ومكان والحفاظ على الشعائر الحسينية بأسلوب يتماشى مع الافكار والثقافة ومنها التخلق بأخلاق الامام الحسين اذ استلهمها من ابيه وجده الذي ارساله رب العالمين رحمة ونصرة وعدالة للإنسانية، وعاشوراء تحمل هذه الثورة الإصلاحية ومبادئها الحية التي تفجرت لتصحح مسار الانحراف ليس في الأمة الإسلامية فقط بل بالعالم اجمع لترتشف الاجيال من معينها على مر السنين..

مدرسة الاسس التربوية:
من مدرسة عاشوراء نستمد الأسس التربوية الصحيحة لتربية وتهذيب الأجيال وخاصة الأطفال حيث تبدأ ذهنية الطفل قابلة لتلقينه بعض المعلومات الصحيحة في عمر الثالثة وبصورة مبسطة، كون مراحل عمر الطفل تمر بست مراحل تتفاوت فيها مستويات النمو العقلي، وكل مرتبة تحتاج إلى اسلوب خاص يتناسب مع قدراتهم على الفهم والاستيعاب وتربيتهم على المفاهيم الاعتقادية بشكل تدريجيّ من خلال شرح الدروس والعبرة من عاشوراء والقيم التي تحملها لغرسها في نفوسهم حتى تكبر معهم، حتى يصلوا إلى مرحلة البلوغ والتّكليف وتقع هذه المسؤولية على عاتق الوالدين من خلال بذل الجهود لغرس المبادئ الحسينية بجوهرها الحقيقي في نفوس الاطفال لكي تكتمل شخصياتهم وفقا لهذه المبادئ والقيم الخلاقة إذ يجب مشاركتهم في المراسيم الحسينية لغرض تطبيعهم وتعريفهم بقضايا الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته العظيمة هو أسلوب من أساليب التربية وهذا يدفع للتغير في السلوك والتصرفات وهو المطلوب تحقيقه، وهنا لنا وقفة مع كيفية غرس قيم ومبادئ المدرسة الحسينية العاشورائية في نفوس الاطفال.
قيم ومباديء
السيد محمد كاظم وهو اب لثلاثة اولاد ابتدأ حديثه قائلا: ان عاشوراء مدرسة لنربي ونستلهم منها القيم والأخلاق المحمدية وهي فرصة ايضا لإرشاد وتوجيه وتوسيع مدارك ابنائنا الصغارى من خلال خلق جو حسيني في البيت برفع الاعلام السود على سطح الدار وإقامة التكيات بمشاركة اولاد المنطقة وكذلك اصطحابهم الى مجالس العزاء وسرد القصص والحكايات العاشورائية بصورة يفهمونها ويستسيغونها والتأكيد على زرع روح المحبة والتعاون والإيثار بهذا نكون زرعنا القيم الحسينية في نفوسهم، وسيشبّون على حبّ الامام الحسين وأهل البيت(عليه السلام) وسيكونون دعاة للحسين بغير ألسنتهم، من خلال سلوكيّاتهم وتصرّفاتهم في هذه الحياة وان روح الطفل تشبه في تلقيها للتعاليم الدينية والأخلاقية الأرض الخصبة القابلة لاحتواء البذرة في باطنها فقد قال الإمام علي عليه السلام: (إن قلب الطفل كالأرض الخالية كل ما ألقي فيها قبلته) لهذا يجب ان نسعى لتربية اولادنا التربية الحسينية الصحيحة.
اما من وجهة نظر السيدة رؤى يوسف (طالبة حوزوية): ان المبادئ الحسينية منبع متدفق وأزلي للقيم الانسانية العظيمة، وهي قاعدة الاخلاق التي ينبغي أن ترتكز إليها الشخصية البشرية منذ أوائل نشوئها وان نتعلّم من عاشوراء النّظام واحترام الآخر والوقوف عند الحدود الّتي رسمها الله سبحانه وتعالى.
وأضافت سارة علي (12 سنة): اتخذتُ من بنات الامام الحسين (عليهن السلام) قدوة لي من خلال المحافظة على الحياء والحجاب وخاصة العباءة الزينبية لما لها من تأثير على ضبط السلوك والالتزام بالواجبات الدينية والأخلاقي حتى انال رضى سيدتي زينب ورقية (عليهن السلام).
وأما السيدة زينب كريم معلمة مدرسة فتقول: عندما يقرع جرس الفرصة للتلميذات بعد انتهاء الدرس نسمع صوت احدى التلميذات ينبعث من داخل احد الصوف بقراءة المراثي الحسينية وتتعالى اصواتهم بنداء (لبيك يا حسين) وجل الحديث الذي يتداول بينهن كيف يقدمن الخدمات للزائرين او المعزين في المأتم.. والتحدث عن حرائر آل محمد عليهم السلام، لأن حب الامام الحسين وأهل بيته يسري في عروق كل انسان محب وموالي لأهل البيت(عليهم السلام).
واضافت: ان كل مولود يولد على الفطرة السليمة التي تشعره بالوجود الحقيقي في هذه الحياة ومن واجبنا ان نربي هذه الاجيال على التمسك بالأخلاق الحسنة التي نأخذه من عاشوراء وزرعها في نفوسهن وذلك من خلال تخصيص درس نشرح فيه لهن المحافظة على الحجاب والتمسك بالهوية المحمدية الاسلامية والتخلق بالصدق والأمانة والالتزام بالواجبات الشريعية الصحيحة والمتخذة من منهل الرسالة الحسينية العاشورائية والزينبية رمزا لهن في تحديات الحياة.
وأشار الشيخ مهدي حسين: نحن في كل زمان ومكان نحتاج إلى معلمين ومرشدين لغرس المفاهيم التربوية للمدرسة الحسينية وأبعادها الروحية وتوضيح أهدافها التعليمية للأجيال لكي تبقى حيّة في نفوسهم ولا ننسى ان للمجتمع دور كبير في نشر هذه الرسالة العظيمة التي من اجلها ضحى الامام (صلوات الله عليه وسلم) بأغلى ما عنده في سبيل اعلى كلمة الحق وسيبقى العمل بها حتى يتحقق العدل الإلهي في أرجاء المعمور.
ان المدرسة العاشورائية التي نحيي مجالسها كلّ عام هي التي تربّى عليها المجاهدون، وتخرّج منها الشهداء الذين لبوا نداء المرجعية الرشيدة للدفاع عن الوطن وصون العرض بدمائهم الزكية التي سالت على ارض العراق لأنهم تغذوا منذ الصغر من المدرسة الحسينية التي حملة قيم إنسانيّة ورساليّة استطاعت بفعل قيمتها أن تتجاوز كلّ الأطر والحواجز المذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة، وهي رمز الفداء والإباء والبطولة والعدالة الالهي التي تستحقّ بجدارة أن يتوارثها الأجيال عبر العصور.

نشرت في الولاية العدد 121

مقالات ذات صله